مدفن “وادي القبور”.. رموز وثنية وكتابات يونانية
مدخل
من المدهش ان سورية فعلاً هي متحف مصغر للانسانية، بما تكتنزه طبقات ارضها من كنوز مخبؤة من مختلف العصور التي مرت عليها كواحدة من اقدم ماسكنه الانسان… وماتركته تلك الحضارات بعد ان بادت مع بناتها من اوابد وصروح آثارية على سطح الارض تخلدهم ابد الدهر.
حلب
تعتبر منطقة حلب من اغزر المناطق السورية بالآثار الحثية والآرامية والسلوقية والرومانية والرومية وخاصة لجهة اديارها ومناسكهم كالقديس سمعان العمودي والقديس مارون وا…والاسلامية بعهودها الحاكمة وتنتشر هذه ليس على مستوى منطقة عفرين وهي الاغني بل من قورش الى ادلب فمنطقة حماة وحمص بمايشيه فيلم يوثق لهذه الحضارات التي تنتشر اطلالها على سطح الارض تذكرنا بأجدادنا ارباب هذه الحضارات…ومنها المدن المنسية العظيمة ودير مار سمعان العمودي وبقايا صوامع رهبان قديسي القورشية بمنطقة قورش ووادي العمق وصولا الى انطاكية…
في “جبل سمعان” بمحافظة حلب مدافن عامة تاريخية محفورة في الصخور تعود إلى الفترة الرومانية، تحمل بعضها تماثيل المدفونين أعلاها، وبعضها الآخر صلبان وأكاليل غار…
وحول منطقة المدافن الصخرية، يقول المصور الضوئي “عبدو ليلاف” الذي قام بتوثيق آثار المنطقة: «تقع هذه المدافن الجميلة والمحفورة بشكل هندسي رائع حول موقع تاريخي معروف هو “القاطورة” شمال شرق مدينة “دارة عزة” في منطقة تسمى “وادي القبور”، حيث تكثر فيها المدافن المنحوتة في الصخر، التي تحمل في أعلى مداخلها تماثيل المدفونين، إضافة إلى قبرين أحدهما يسمى قبر “أميليوس”، ويعود تاريخه إلى العام 195 ميلادية، والثاني يسمى قبر “إيزودوتس” الذي يعود إلى العام 152 ميلادية، وذلك بحسب المعلومات التي قرأتها في المراجع التاريخية».
ويضيف: «وما يميز تلك المدافن العمودان العاليان فوق كل قبر وضع فوقهما نجفات تزيينية جميلة (والنجفة: لوح حجري أفقي أو عارضة من الحجر يمتد كالجسر أعلى الباب أو النافذة)، يمكن للزائر رؤيتهما من مسافة بعيدة، وهذه المدافن جديرة بالتوثيق والتدوين فهي من العناصر الفاعلة للجذب السياحي والثقافي إلى المنطقة».
أما الباحث الأثري المهندس “عبد الله حجار” فتحدث عن هذه المدافن، ويقول: «عندما نجتاز “وادي القبور” في موقع “القاطورة” باتجاه الشرق نجد مدافن محفورة في الصخر دون تماثيل، إنما يحمل بعضها أكاليل غار وهي من الفترة الرومانية أي في القرنين الخامس والسادس ميلادي، وعندما نتسلق الهضبة جنوباً عند نهاية المقابر نمرّ ببعض الدور ذات النجفات المزخرفة الغنية بالصلبان لنصل إلى النصب القائم إلى الشرق من الهضبة، وهو عبارة عن عمودين دائريين علاهما تاج دوري الطراز (أي بسيط دون زخارف) وضع فوق التاجين نجفة، وقد استند العمودان بدورهما على قنطرة نصف أسطوانية يدخل منها بدرج إلى مدفن محفور في الصخر حوى في جهاته الثلاث نواويس (قبور حجرية)، كما ظهر في الجانب الأيسر للمدخل تجويف عميق على ارتفاع الباب مما يدل على أن باب المدخل الحجري الدائري كان يُسحب جانباً في الجدار وكأنه باب سحاب بدل الدوران على مفاصل، هناك كتابة يونانية أعلى المدخل مؤلفة من سبعة أسطر مكتوبة بأحرف جميلة محفوظة ومكرسة لذكرى “أميليوس ريجينوس” ابن “أولبيا ريجيلا”، ويعود تاريخها إلى 20 تموز من العام 195 ميلادية، وبالقرب من النصب (المدفن) أعلى الهضبة بقايا فيلا ربما كانت تسكنها عائلة “ريجينوس” بانية المدفن، وفي شمال الدار بقايا معصرة لعلها تعود إلى القرن السادس الميلادي.
وتنتشر بقايا الدور المتهدمة إلى الشمال والشرق من الهضبة، وما زالت بعض مداخلها ونجفاتها قائمة، ونميز بينها نجفة باب تحمل رموزاً وثنية من سعف النخيل والقمر تعود إلى القرن الثاني أو الثالث الميلادي، ربما كانت أحد أبواب الدخول إلى معبد وثني سوري قديم، وقد أضيف إليه بعض الصلبان ربما في القرن الرابع أو الخامس الميلادي عندما اعتنق السكان الديانة المسيحية».
ويضيف: «من الآثار التي ما زالت قائمة برج عال يدعى (الفيلا) بقي منه جداران كاملان مع إفريزهما (الإفريز هو الإطار الخارجي المطوق والبارز أعلى الجدار يخفف من تسرب المطر ويعطي لمسة جمالية للمبنى) بطرازه الذي يعود إلى القرن السادس الميلادي، وبالاتجاه في طريق معبّدة نحو الشمال من قرية “القاطورة” نشاهد ضريحاً مؤلفاً من عمودين تربطهما من الأعلى نجفة، قاما فوق مقبرة محفورة في الصخر تحت الأرض يُنزل إليه بدرج، ارتفاع العمود 5 أمتار وهو مربع الشكل وقد كُتب على النجفة العلوية أربعة أسطر باليونانية، هذا نصها: (في السنة 201، وفي الخامس من شهر هيبربيريتاوس عمل “ايزودوتس بن بطوليمايوس” كل هذا من أجل نفسه ومن أجل زوجته “ماركيا ابنة كودراتوس”، وسوف يضطجع في ضريحه)، وهو الثالث في المقبرة الأولى إلى يمين الداخل، وهذا التاريخ يوافق تشرين الأول من العام 152 ميلادي، ويذكر أن السيد “غوشي” القنصل البلجيكي في مدينة “حلب” قام في العام 1702 ميلادي بنسخ هذه الكتابة، وذلك قبل الباحثين والآثاريين “ودنغتن”، و”دي فوغويه”، و”بتلر”.
من المصادر(موقع حلب)