مكتب عنبر
تمهيد
هو معلم اثري دمشقي يقع في حي المنكنة في دمشق القديمة شرق الجامع الاموي، ويبعد مسافة قصيرة عن الشارع المستقيم الذي يشطر دمشق القديمة جنوباً وشمالاً ويصل مابين بابي شرقي والجابية، وهو يعتبر المنزل الأكبر بالمقارنة بمنازل المدينة القديمة.
بُني وصُمم في منتصف القرن التاسع عشر على يد السيد يوسف أفندي عنبر وهو من اعيان واغنياء اليهود الدمشقيين، وهو بناء متميز ومتقن، يعد نموذجاً للبيت الدمشقي المشهور، شكله مستطيل بمساحة 5000 متر مربع وهو مقسم لثلاثة أقسام، كل قسم له باحته الخاصة التي تحيط بها الغرف، ويبلغ مجموعها 40 غرفة موزعة على طابقين.
صادرته الدولة العثمانية لتحوله إلى مدرسة للأولاد أو كما سُمي “مكتب”
والمكتب هو يعني مدرسة رشدية او اعدادية مابعد منتصف القرن 19.
يعد مكتب عنبر من أجمل البيوت الدمشقية القديمة التي لم يطرأ عليها أي تغيير نتيجة العوامل الطبيعية والبشرية، وهو يعد صرحاً حضارياً هاماً، ومركزاً تعليمياً رائداً كان له أثر كبير في النهضة العلمية والثقافية في دمشق، وقد تخرج منه أبرز وأهم من تقلدوا المناصب في دمشق وبيروت وهو الآن مقر لجنة حماية مدينة دمشق القديمة وفيه مركز البوابة الالكترونية لخدمة الاحوال المدنية، وسُمِّيت المنطقة التي يقع فيها باسمه نظرًا لأهميته. كما صدر فيلم مكتب عنبر ضمن سلسلة الأفلام الوثائقية «بصمة مكان» التي قدّمت بمناسبة احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية.
موقعه
يقع مكتب عنبر شرقي الجامع الأموي، وهو في الأصل منزل وبيت من بيوت دمشق القديمة شيده صاحبه على الطراز الدمشقي الشهير، وهو مستطيل الشكل بمساحة خمسة آلاف متر مربع، قُسم إلى أربعة أقسام، كل قسم له باحة خاصة به (الديار)، والتي تحيط به الغرف بلغ عددها 40 غرفة على طابقين.
المالك الاصلي والبناء
يوسف عنبر ثري يهودي من اعيان واثرياء اليهود الدمشقيين بناه منزلاً له على الطراز الدمشقي الشهير سنة 1872 م ويرى باحثون أخرون إلى أن تاريخ تشييده يعود لعام 1867، وقد أنفق على إنشائه 43 ألف ليرة سورية وقد كان هذا المبلغ ذو قيمة كبيرة جداً حينها، اكتمل بناء قسمين منه بمبلغ ضخم جداً، وبسبب ارتفاع التكاليف قام عنبر بالتخلي عن المشروع في عام 1887.
ثم قامت الدولة العثمانية بمصادرته منه لقاء دين لها عليه حيث كان بمثابة “المكتب السلطاني” حتى العام وأكملت بناءه وأضافت له جناحين، وحولته إلى مدرسة لتعليم الأولاد، وقد حُفر على اللوحة الخارجية التي تعلوها الطغراء السلطانية: (مكتب إعدادية ملكية)، وبعد طرد العثمانيين من سورية عام 1918 قامت الحكومة العربية بتحويل المبنى إلى مدرسة للبنات (معهد التجهيز والفنون النسوية) برعاية ديوان المعارف ومن بعدها هُجر. وبذلك أصبح مكتب عنبر من أقدم المدراس في سورية.
يصفه المؤرخ محمد كرد علي في كتابه الشهير (خطط الشام):
“مكتب عنبر من أهم مدارس الحكومة، وصفوفها تنتهي إلى صف التاسع فقط، وأكثر طلابها عرباً من أبناء دمشق، ثم أكملت صفوفها حتى الصف الحادي عشر فأصبح ثانوية كاملة، وسمي عندها: (سلطان مكتب) أي المدرسة السلطانية، ولكن اللوحة على الواجهة لم تبدل، وبعد فترة أصبحت الصف الثاني عشر الثانوي هو أعلى الصفوف” اي صف البكالوريا في وقتنا الحالي.
في العهد التركي مع الاتحاديين الاتراك:
منذ 1908 بدأت سياسة التتريك، وغدت اللغة التركية هي الرسمية، وجُعل جهاز الإدارة والتدريس بأجمعه أتراكاً.
وقال عنه الزعيم الوطني فخري البارودي في مذكراته:
“كان مكتب عنبر المدرسة الإعدادية الوحيدة في دمشق، يتراوح عدد طلابها مابين الخمسمائة والستمائة، الطلاب النهاريون يتعلمون مجاناً، بينما الليليون أو الداخليون يدفعون أجرة الطعام والنوم.
وكانت المواد التي تُدرس فيه هي: القرآن الكريم، العلوم الدينية، الفقه، اللغة العربية، ترجمة اللغة التركية، الفارسية، علم الاقتصاد، علم الجغرافية والفلك، وجغرافية الدولة العثمانية، تاريخ الدولة العثمانية، الحساب الجبر، الزراعة، الرسم، حسن الخط، الكيمياء والفيزياء والميكانيك، علم طبقات الأرض، النباتات الحيوانات”.
وييتابع البارودي بقوله
“تخرج منه أمثال: شكري القوتلي، سعيد الغزي، سعيد حيدر، فوزي الغزي ومظهر رسلان ووصفي رسلان والدكتور صلاح قنبار وأسعد خورشيد وفؤاد الساطي ونسيب البكري وغيرهم”.
في العهد العربي “عهد الملك فيصل”
“كان مكتب عنبر من أول المؤسسات التي عادت إلى اللغة العربية، ودرس فيه نخبة مختارة من علماء البلد، أمثال : حسن يحيى الصبان، أبو الخير القواس، شكري الشربجي، كامل نصري، محمد البزم، رشيد البقدونس، مسلم عناية، جودة الهاشمي، محمد الداودي، سليم الجندي، وغيرهم، وأُطلق على المكتب اسم “مدرسة التجهيز ودار المعلمين” بدلا من سلطاني مكتبي، وكان أول مدير عربي بعد الحرب العالمية الأولى هو الضابط المتقاعد : شريف رمو، ثم مصطفى تمر، فجودة الهاشمي، وغيرهم.
عهدالاستعمار الفرنسي
صار مكتب عنبرمركزا للجهاد ضد الفرنسيين بعد دخولهم دمشق عقب معركة ميسلون في 24 تموز عام 1920 وأحد نقاط المشاركة في الثورة السورية الكبرى 1925م، ومنه تنطلق المظاهرات ضد الفرنسيين ويلتقي بهم على الفور طلاب مدارس الآسية الارثوذكسية ويخرجون معا حيث تنضم اليهما بقية المدارس.
بعد جلاء الاستعمار الفرنسي
اتخذت الحكومة من المبنى مقراً لمعهد التجهيز والفنون النسوية ومن ثم هُجر، وكان المبنى المهجور متضرر جداً وعلى وشك الإنهيار الكامل، وقامت وزارة الثقافة بشراء المبنى بهدف الحفاظ عليه من الإنهيار فقط، ومن بعدها قامت بتحويله إلى مقر للثقافة العربية في عام 1976، فقامت الوزارة بإجراء الإصلاحات وأعادت للبناء رونقه و بهاءه، وتم إلغاء المطبخ ومطعم الطلاب الليلي، وتحوت قاعة الكيمياء والفيزياء الكبيرة إلى قاعة محاضرات، وصار مدخلها من الباحة الأولى، وتم إنشاء عريشة في الباحة الأولى وزرع بها أشجار الكرمة كبقية البيوت الدمشقية التي لايخلو بيت منها من دالية عنب، وأشجار الزينة، وأُعيد ترميم الحمام وفتحه
للزائرين، وفصلت الدار التي ألحقت بالمكتب والتي كانت معدة للطلاب ودار المعلمين وصالة المرسم وملعب الرياضة حيث سُلمت لجمعيات خيرية في عام 1980م، واكتملت أعمال الترميم وافتتح بمسمى (قصر الثقافة العربية) ويحتوي على متحف و قاعة عرض ومكتبة.
منذ عام 1988م أصبح مقراً “لمديرية دمشق القديمة” التي تُعنى بكل ما يتعلق بالمدينة القديمة داخل السور. وبه الآن قاعة للمكتبة ومتحف وورش للعمل اليدوي.
في عام 2012م افتتحت محافظة دمشق مركز لخدمة المواطن في مكتب عنبر اسمته (البوابة الالكترونية)، ويتضمن عمل المركز معاملات ترخيص، خدمات وشكاوى، وإخراج قيود وتراخيص وسجلات إدارية، وتقديم معاملات واقعة ضمن المدينة القديمة داخل السور وخارجه وشرائح والمباني الأثرية.
كان الهدف من إطلاق برنامج إعادة الترميم هو إعادة شكله كما كان آنفاً بقدر المستطاع، وتمت أعمال إعادة الزخارف التي ببدأها يوسف عنبر بناءاً على أبحاث ومعلومات تاريخية، ولكن لم تتم علمية ترميم الجناحين المضافين من قبل الدولة العثمانية حسب وثائق تاريخية، وبعد ما ابتدأت الترميم، تم تغيير الخطة ليدخل ضمن برنامج اعادة استخدام تلاؤمية، ليصبح مكتبة، و متحف، ومركز معارض، و ورش عمل حرفية.
الخاتمة
باختصار يعد مكتب عنبر من اجمل القصور التراثية الدمشقية على غرار شقيقه قصر العظم “متحف التقاليد الشعبية” و”متحف دمشق التاريخي” فقد كان “مكتب عنبر” صرح حضاري هام، ومركز تعليمي رائد كان له أثر كبير في النهضة العلمية والثقافية في عهود مظلمة شهدتها البلاد.
قيل فيه
ظافر القاسمي
“لقد عاش مكتب عنبر من أواخر القرن الذي مضى، إلى أوائل الحرب الثانية، وهو يضم جمهرة المتعلمين في هذا البلد، كان هو الثانوية الرسمية المفردة في دمشق، فكان يمر عليه كل شاب في دمشق”.
الشيخ علي الطنطاوي
“لقد كان عهد مكتب عنبر، جنتي التي خرجت منها ثم لم أعد إليها، فرجعتني إليها يا أخي ظافر بكتابك، أطير من فوق أسوارها العالية، وأبوابها الموصدة، بجناحين من ذكرى وخيال، حتى أدخلها مرة ثانية، فأعيش فيها، في حلم ممتع فتان”.
وقال عنه أيضاً
“أين أنت يا عهود الصبا، ويا مرتع الأحلام؟ تعالي أنظري ماذا صنعت الأيام بتلك الأحلام … ولقد زادني شجناً على شجن، لقد انتزعت قلبي من صدري، فعادت به إلى بيوت دمشق، إلى ذلك الفن الشامي الأصيل، الذي قفز من فوق البحر، فوصل الشاطئ الغربي في إسبانيا، بالشاطئ الشرقي في الشام، وحمل عبقرية العمران، إلى بلاد المغرب والإسبان، فامتلأ بسحرها كل مكان، وبقيت فيه إلى الآن”.