سبت الاموات ودلالات القمح المسلوق
هل تعلم ماهو سبت الاموات؟ ولم نعيده مرتين في السنة؟ والدلالات التي للقمح المسلوق…
تُقيم كنيستنا الأرثوذكسية الجامعة بكل تلاوينها وقومياتها الانطاكية واليونانية ( القسطنطينية والاسكندرية والاورشليمية واليونان وقبرص) والروسية والصربية والبلغارية والرومانية والجورجية واوربة الشرقية كافة… تذكاراً عامّاً لجميع الراقدين على رجاء القيامة والحياة الأبدية مرّتين خلال السنة الطقسيّة، ويُعرفان ب “سبت الراقدين”.
التذكار الأول: يُقام في يوم السبت السابق لأحد مرفع اللحم (أحد الدينونة).اي قبل الصوم الكبير المقدس باسبوع…
التذكار الثاني: يُقام في يوم السبت الذي يسبق مباشرةً أحد العنصرة.
في “سبت الراقدين” الذي قبل “أحد الدينونة” (أحد مرفع اللحم) اي قبل الصوم الكبير المقدس باسبوع، نذكر جميع أمواتنا الذين رقدوا بالربّ ونُصلّي من أجل راحة نفوسهم، طالبين من المسيح الاله الديّان العادل، والكلّي المراحم أن يكتنفهم برحمته الغنيّة، فالمجيئ الثاني للرب والدينونة العامة لجميع البشر في مُنتهى الأزمنة لم تَحِن بعد، كما نُذكّر في الوقت ذاته أنفُسنا بالتوبة وبُطلان العالم.
وفي “سبت الراقدين” السابق لأحد العنصرة، نعود ونذكُرهم ونصلّي من أجلهم مُجدداً عشيّة عيد حلول الروح القدس وتأسيس الكنيسة المقدسة، وذلك للتأكيد على حقيقة كوننا نحنُ الأحياء الباقين ههنا على الأرض، نؤلّف مع أولئك الذين سبقونا فرقدوا على رجاء القيامة، كنيسة واحدة رأسُها المسيح، وأعضاؤها مترابطين مع بعضهم البعض برباط الروحُ القدس والمحبة، فنصلّي من أجلهم ويُصلّون من أجلنا، وتتجلّى شركتنا الروحية معهم وشركتهم معنا بأسمى صورة عبر سرّ الشكر الالهيّ، أي عندما تُقام خدمة الذبيحة الإلهية من أجلهم، والتي تُقوّي ترابطنا الروحيّ معهم، وترابطهم معنا في الجسد السريّ الواحد، فتبلغُ اليهم صلواتنا ويتعزّون بها وينتفعون منها. لأن الروح القدّس هو علّة الحياة والنعمة والقداسة، فتخصّص الكنيسة هذا اليوم للراقدين وتطلب نعمة الروح القدس لتعزيتهم وراحتهم.
والجدير بالملاحظة أن كلّ سبت في الليتورجيا الأرثوذكسيّة هو مُخصّص للراقدين، كذلك في كلّ قدّاس إلهي يُذكر فيه الراقدون، وتحضر لائحة بأسماء البعض منهم يُقدّمها أقرباؤهم للكاهن..
القمح المسلوق
لماذا القمح المسلوق في تذكارات الراقدين؟
جرى في التقليد الروميّ الأرثوذكسيّ أن يحمل المؤمنون الى الكنيسة في “سبت الراقدين” وفي التذكارات الخصوصيّة للراقدين (جناز الثالث، والتاسع، والأربعين والسنة..) صواني من القمح المسلوق الذي يُعدّونه في المنازل مُزيّناً بالسكّر المطحون وبعض المُطيّبات الأخرى، ويُقدّمونه للكاهن لكيما يُقيم عليه “صلاة النياحة” أو المعروفة باليونانية بصلاة “التريصاجيون”، وذلك في نهاية القداس الإلهي، ذاكراً أسماء الراقدين المقدّمة عنهم.
القمح في المسيحية هو رمزُ القيامة، واشارةٌ للحياة الأبدية التي تعقُب الموت، لنحيا مع المسيح القائم من بين الأموات.
وهذا القمح المسلوق يُسمّى koliva (باليونانية: κόλλυβα)، وفي بعض الأوساط يدعونه “قِلبَة”، وهي لفظٌ مُعرَّب للكلمة اليونانية المذكورة “كوليفا”، وفي أوساطٍ أخرى يُسمّى “رحمة”… وكلّها ترتبط بعلاقة القمح المسلوق بذكرى الراقدين، حيث أن حبّة القمح لا تُثمر ولا تأتي بسُنبلةٍ خضراءَ يانعة إلّا إذا ماتت، حيث يقول السيّد المسيح له المجد: ” إن لم تمُت حبّةُ الحنطة فإنّها تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمرٍ كثير” (يوحنا 24:12).
وهكذا هم المسيحيون المؤمنون الذين رقدوا على رجاء القيامة والحياة الأبدية، يموتون مع المسيح، ليشتركوا معه بمجد قيامته أيضاً (رومية 4:6).
كما أن حبّة القمح التي تنحلّ في الأرض، وينبُتُ منها سُنبلة خضراء جديدة، تُشيرُ الى فساد الجسد التُرابيّ الماديّ وانحلاله بالتراب، واستعادته من جديد جسداً نورانياً ومُمجَّداً على شبه جسد المسيح القائم من الأموات في القيامة العامّة عند مجيئ الرب الثاني “كذلك أيضاً قيامة الأموات، يُزرعُ (الجسد) في فسادٍ ويُقامُ في عدمِ فساد، يُزرعُ في هَوانٍ ويُقامُ في مجدٍ، يُزرعُ في ضَعفٍ ويُقامُ في قوّة” (1 كورنثوس 43،42:15).
معَ القدّيسين أرِح أيُّها المسيح الاله نفوسَ عبيدِكَ. حيثُ لا وجعٌ ولا حزنٌ ولا تنهُّد. بل حياةٌ لا تفنى. ولأن ارغفة القربان من القمح وتقام عليها الذبيحة غير الدموية كمافعل الرب يسوع في العشاء الأخير فصار المؤمنون يقدمون القربان لتذكارات الراقدين كما هو جار عندنا…
ليكن ذكر الراقدين مؤبداً.