تبيان المسائل وحل المشاكل في سرد الحوادث الخلاصية…
هل أمضى يسوع المدفون في القبر ثلاثة ايام في القبر؟
توطئة
لما كان موت المخلص على الصليب ودفنه بالجسد وقيامته في اليوم الثالث من الاموات من اهم قواعد الايمان المسيحي رأينا مفيداً أن نثبت حل أهم مايتولد في ذهن القارىء البسيط من المشاكل والمسائل التي توهم وجود اختلاف، وعدم اتفاق بين البشيرين الالهيين في سردهم تلك الحوادث الخلاصية.
ولكي يسهل علينا حل هذه المشاكل والمسائل يجب علينا أن ننتبه للأمور الآتية، وهي
– اولاً: ان البشيريين الأربعة لم يكتبوا بشاراتهم الانجيلية في وقت واحد بل كتب اولاً متى ثم مرقس ثم لوقا ثم يوحنا.
– ثانياً: ان مايذكره الواحد منهم من أقوال المسيح وأعماله بتطويل وتصريح قد يذكره الآخرون باقتصار وتلميح لا بل كثيراً مايغفل الواحد منهم تمام الاغفال ذكر ما أورده الآخر أو يذكر ما أضرب عنه الآخر.
– ثالثاً: ان البشائر الأربع والحالة هذه تكمل احداها الأخرى ويفسر بعضها بعضاً.
ولهذا من مقابلتها بعضها مع بعض يمكننا أن ندرك تقريباً كل قول أو عمل أو حادث جرى في حياة المخلص على الأرض ماعدا تلك الأقوال والأعمال والحوادث الكثيرة التي لم يرَ البشيرون حاجة الى تدوينها فحفظ النقليد أهمها الى أن دونها آباء الكنيسة ومعلموها الأعلام. وهذه هي التي أشار اليها البشير يوحنا في آخر انجيله اذ قال” وأشياء أُخر صنعها يسوع لو انها كتبت واحدة فواحدة لما ظننت ان العالم نفسه يسع الصحف المكتوبة.” (يو25:21)
واذ عَلِمنا هذا فنقول
اولاً
من جهة الساعة التي عُلق فيها المخلص على الصليب فلا يذكرها الا البشيران مرقس ويوحنا. ولكن على صورتين، أما الأول فيقول” وكانت الساعة الثالثة فصلبوه” (مر25:15)، وأما الآخر فيقول” وكان استعداد الفصح وكان نحو الساعة السادسة… حينئذ أسلمه بيلاطس اليهم ليصلبوه” (يو 18: 16و14). فكيف يمكننا التوفيق بين ساعة مرقس الثالثة وساعة يوحنا السادسة؟
يمكننا التوفيق بينهما على ثلاثة أنواع وهي
اولاً لما كان النهار منذ شروق الشمس حتى غروبها يؤَلف من اثنتي عشرة ساعة، وكان اليهود يقسمونه الى اربعة أقسام كل منها يسمى باسم الساعة التي يبتدىء منها، فكانوا يقولون للقسم الأول الساعة الأولى، وللقسم الثاني الساعة الثالثة، وللقسم الثالث الساعة السادسة، وللقسم الرابع الساعة التاسعة. كذلك أيضاً الرومانيون كانوا يقسمون بياض النهار أربعة أقسام ولكنهم يسمون كل قسم منها باسم الساعة التي ينتهي فيها. فكان القسم الأول يسمى عندهم الساعة الثالثة، والقسم الثاني الساعة السادسة، والقسم الثالث الساعة التاسعة، والقسم الرابع الغروب.
وبناء على هذا تكون ساعة مرقس الثالثة على حسب اصطلاح اليهود هي ساعة يوحنا السادسة على حسب اصطلاح الرومانيين أي هما كلتاهما القسم الثاني من النهار وبالتالي تكون روايتا البشيرين على اتفاق تام.
ثانياً ولو اعتبرنا كون البشيرين مرقس ويوحنا يسردان رواية صليب المخلص على اصطلاح حسابي واحد هو الاصطلاح اليهودي الثابت تاريخياً أكثر من الاصطلاح الروماني لأمكننا التوفيق بينهما من نص الكلام نفسه. لأن البشير مرقس بقوله ان المخلص صُلب في الساعة الثالثة يعني ان ذلك كان في القسم الثاني من النهار وهو يجري حسب اصطلاح اليهود كما قلنا آنفاً من الساعة الثالثة الى الساعة السادسة. واما البشير يوحنا فبقول أن بيلاطس أسلم يسوع الى اليهود ليصلبوه نحو الساعة السادسة يعني ان ذلك كان قُبيل الساعة السادسة أي قبل دخول القسم الثالث من النهار فيكون داخلاً في القسم الثاني أي في الساعة الثالثة وفقاً لما رواه البشير مرقس بالتمام.
ثالثاً واخيراً يمكننا التوفيق بينهما اذا قلنا أن البشير مرقس قد دوَّن الساعة التي فيها اصدر بيلاطس حكمه بصلب المسيح، وأما البشير يوحنا فقد دوَّن الساعة التي فيها صلب الرب يسوع، ويؤيد هذا القول القديس أغناطيوس المتوشح بالله أسقف أنطاكية، وأحد تلامذة القديس يوحنا الرسول اذ يقول:” ففي الجمعة الساعة الثالثة اقتبل يسوع الحكم من بيلاطس بسماح من الآب.” وفي الساعة السادسة صُلب، وفي الساعة التاسعة أسلم الروح.”
ونرد نحن بخلاصة مفيدة على من يقول ان يسوع لم يقضِ ثلاثة ايام في القبر، أو يسأل أين الايام الثلاثة وهي في مصطلحنا 72 ساعة، بمعنى اوضح هناك مشكلة حول الأيام الثلاثة وكيفية عدها وقياسها، لأننا نعرف ان المسيح دفن عند الساعة الثالثة من بعد ظهر الجمعة العظيم، وقام صباح الأحد يقول القديس يوحنا الدمشقي تفسيراً بأن هناك فعلياً ثلاث ليال وثلاث نهارات كان فيها المسيح في القبر.
في تفسير ظروف الصلب، نقول أنه بحسب العهد القديم، سمى الله العتمة ليلاً والنور نهاراً، فالظلام الذي ساد عند الصلب من الثانية عشر الى الثالثة من بعد الظهر هو ليل، لأن الشمس لم تظلم من أي سحابة أخفت اشعتها، وهكذا يكون الظلام قد وقع على كل العالم لأن قوة النور التي تأتي من جسم الشمس اختفت من الساعة الثالثة حتى مغيب الشمس يكون نهاراً، هذا يكمل أو ليل ونهار. ومن ثم هناك ليل الجمعة وصباح السبت اللذين يُحسبان ثابتين. اما نهاية ليلة السبت وبداية فجر الأحد حين قام المسيح فيشكلان الليل والنهار الأخيرين…وهو تفسير منطقي…
نتابع نحن القول بشكل اوضح
ان اليوم الليتورجي او الطقسي المبني على مايقوله الكتاب المقدس في العهد القديم يبدأ من المساء، “وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً”. وبالتالي فإن اليوم الليتورجي يبدأ من المساء…
عندما القي القبض على يسوع وحوكم، وكان يوم الخميس مساء اي مانسميه ليتورجياً “الخميس العظيم المقدس” وفيه تناول الرب يسوع العشاء الأخير مع تلاميذه، وفيه ناول اول لقمة ليهوذا الاسخريوطي فخرج لتسليمه، وبعد العشاء انتقل يسوع وتلاميذه الى بستان الزيتون حيث جاء الجنود مع يهوذا، وسلم الرب بقبلة اليهم، وتم سوق الرب الى مجمع اليهود حيث حاكموه، ثم انتقلوا به الى دار الولاية في ليلة طويلة متعبة للجميع وبالذات لبيلاطس، حيث حكم عليه بالصلب بعدها بناء على طلب اليهود باصرار واطلاق باراباس.
نسمع في الكتاب المقدس التوقيتات: الساعة الاولى والثالثة والسادسة والتاسعة والثانية عشرة وهي توافق في مفهومنا الحالي: الأولى يعني الساعة الساعة السادسة صباحاً، والساعة التاسعة توافق في وقتنا الحالي الساعة التاسعة في الضحى، اما الساعة السادسة وفق مصطلح اليهود فتوافق الساعة الثانية عشرة ظهراً عندنا، اما الساعة التاسعة فتوافق الساعة الثالثة بعد الظهر عندنا، والساعة الثانية عشرة توافق الساعة السادسة مساء عندها يدخل اليوم كما اسلفنا…
يوم الجمعة صلب يسوع في الساعة السادسة اي في الساعة ال12ظهراً في توقيتنا الحالي، واسلم الروح على الصليب، ودفن في يوم الجمعة، لأنه في التقليد الليتورجي اليهودي حيث يعيدون حادثة الخروج من ارض مصر وهو عيد الفصح الناموسي لديهم (وعند الاستعداد للخروج من ارض مصر كان يتم ذبح الخروف المعد للعشاء بين العشائين) اي بين العصر اي الساعة التاسعة وفق نهار اليهود والساعة الثالثة بعد الظهر وفق نهارنا الحالي، والمغيب اي الساعة الثانية عشرة في اصطلاح اليهود، وهو عندنا اليوم الساعة السادسة مساء عند المغيب.
هم دفنوه بين الثالثة والسادسة سريعاً قبل دخول يوم السبت لانهم لايعملون يوم السبت عموماً، وخصوصاً انه كان هذا السبت عظيما اي يوم عيد الفصح الناموسي عندهم، ولايجوز عندها “ان تبقى الاجساد معلقة على الصليب يوم السبت…”
اذن في يوم الجمعة تم الصلب والدفن، وهذا هو اليوم الاول للدفن، اما اليوم الثاني فكان يوم السبت الذي بدأ في الساعة السادسة عند الغروب اما اليوم الثالث فهو من مساء السبت اي غروب الاحد الى ان اعلنت القيامة فجراً…
فبهذا تكون الايام الثلاثة (ووفق معتقد حساب اليهود ومصطلحهم الذي حكينا به، ومابشر به اشعياء النبي ورواية يونان وبقائه ثلاثة ايام في بطن الحوت) بلياليها لأن يوم اليهود يبدأ من الليل.
ثانيا
ان البشيريين الأربعة يقولون باتفاق أنه قد صُلب لصان مع يسوع الواحد عن اليمين والآخر عن اليسار، ويسوع في الوسط، غير ان متى ومرقس يقولان ان اللصين كانا يعيران يسوع (مت 44:27 ومر32:15) في حين ان لوقا يؤكد ان أحد اللصين فقط كان يجدِّف على يسوع(لو39:23). فكيف يمكن التوفيق بين رواية متى ومرقس ولوقا؟
فنجيب أنه في بادىء الأمر كان اللصان كلاهما يعيران يسوع كما يذكر البشيران متى ومرقس، ومن ثم تاب احدهما أي لص اليمبن وأما الآخر أي لص اليسار فلم يتب بل صار أيضاً يجدف على يسوع وهذا مايذكره لوقا.
ثالثاً
ان المخلص كثيراً ماسبق فقال لتلاميذه عن أنه مزمع أن يُسلم الى أيدي الناس فيقتلوه ولكنه في “اليوم الثالث يقوم”(مت 31:16 و23:17 و19:20 ومر31:9 و34:10 ولو22:9 و33:18).
لا بل سبق أيضاً فقال لهم أنه بدفنه وقيامته ستتم آية يونان النبي، اذ قال ” أنه مثلماً كان يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليال، كذلك يكون ابن البشر في قلب الأرض ثلاثة ايام وثلاث ليال” (مت40:12).غير ان البشيرين متى ومرقس ولوقا (مت 46:27 و50 ومر 34:15 و47 ولو 44:23 و46) يقولون باتفاق أن موت المخلص على الصليب كان نحو الساعة التاسعة من يوم الجمعة اي قبل غروب الشمس بثلاث ساعات فيكون دفن جسده في القبر قد تم قبل انتهاء نهار الجمعة أي قبل غروب الشمس بنحو ساعة أو أقل. واما قيامته من القبر فكانت عند بزوغ فجر نهار الأحد بحسب شهادة البشيرين الاربعة (مت 1:28 ومر 2:16 ولو 1:24 ويو 1:20). فأين الأيام الثلاثة والليالي الثلاث التي اقامها المخلص في القبر وفقاً لآية يونان النبي؟
فالجواب هو انه لما كانت كل آية أو نبوة من آيات العهد القديم ونبواته الرمزية ترمي الى غرض جوهري وهو اظهار حقيقة او أكثرمن حقائق عمل الفداء العظيم بربنا والهنا يسوع المسيح كان الغرض الجوهري من آية يونان النبي هو الاشارة الى دفن المخلص في قلب الأرض أي في القبر ومن ثم قيامته من القبر في اليوم الثالث من يوم دفنه كما برز يونان من بطن الحوت في اليوم الثالث من يوم دخوله اياه:
ثم من المعلوم أن اليوم الكامل يتألف من 24 ساعة، فقول الكتاب” ثلاثة ايام وثلاث ليال، يعني ثلاثة نهارات وثلاث ليال اي ثلاثة ايام كاملة كل منها يؤلف من 24 ساعة تبتدىء عند اليهود وتنتهي بغروب الشمس دائماً . وكل مايحدث في مدة هذه الاربع وعشرين ساعة سواء كان في أولها أو في منتصفها أو في آخرها يعتبر ويقال انه حدث في يوم واحد. فلما كان دفن جسد المخلص في القبر قد تم في يوم الجمعة (وان يكن في الساعة الأخيرة منه) وقيامته من القبر قد تمت في يوم الأحد (وان يكن في منتصف ليله) عرفنا أن المخلص حقاً قام من القبر في اليوم الثالث من بعد دفنه في قلب الأرض كما سبق له المجد فقال هذا لتلاميذه مراراً عديدة قبل آلامه وموته، على ما أوردنا آنفاً، ومن ثم حقق أيضاً بعد قيامته لرسله الأحد عشر الذين ظهر لهم وهم مجتمعون في اورشليم وقال لهم:”هكذا كُتب وهكذا كان ينبغي للمسيح أن يتألم وان يقوم في اليوم الثالث من بين الأموات”(لو46:24).
رابعاً
ان البشيرين مرقس ولوقا يذكران أمراً لايذكره البشيران الآخران متى ويو، وهو ان النساء اللواتي أتين مع يسوع من الجليل بعدما تبعن يوسف ونيقوديموس، وأبصرن القبر، وكيف وُضع فيه جسد يسوع رجعن الى المدينة، واشترين حنوطاً واطياباً. لكن في ذلك اختلافاً اما مرقس فيقول” ولما انقضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم ام يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويحنطن يسوع”(مر1:16). وأما لوقا فيقول” وكان يوم الجمعة وقد أخذ السبت يلوح وكانت النساء اللواتي أتين معه من الجليل… فأبصرن القبر وكيف وضع فيه جسده. ثم رجعن وأعددن حنوطاً وأطياباً وفي السبت استرحن على حسب الوصية” (لو 54:23 -56). فيظهر من كلام لوقا أن النسوة اشتنرين الحنوط والأطياب يوم الجمعة وليس بعدما انقضى السبت كما يقول مرقس فكيف يمكن التوفيق بينهما؟
ان هذا الاختلاف الظاهر بين روايتي البشيرين يزول اذا انتبهنا الى قول لوقا “أعددن” والى قول مرقس”اشترين”. ثم أن قول لوقا “وكان يوم الجمعة وقد أخذ السبت يلوح” يعني وقت الشفق وهو الحمرة في الأفق من غروب الشمس الى حلول الظلام الحالك. واذا علمنا هذا فيكون المعنى أن النسوة عندما تبعن يوسف ونيقوديموس ونظرن القبر الذي فيه دُفن جسد يسوع، قفلن راجعات الى المدينة ولكنهن لم يصلن الى محلات بائعي الحنوط والأطياب حتى كان وقت الشفق أي قبل غروب شمس نهار الجمعة وقرب حلول بدء يوم السبت فاضطررن ان يتفقن فقط مع بائعي الحنوط والأطياب على ثمنها ويعددنها بدون ان يدفعن ثمنها او يأخذنها وذلك لدخول يوم السبت الذي يأمر الناموس بالاستراحة فيه من كل عمل. (هذا مارواه لوقا).
ولما انقضى السبت ذهبت النسوة الى بائعي الحنوط والأطياب واشترينها اي دفعن ثمنها وأخذنها ( وهذا مارواه مرقس) فتأمل.
خامساً
ان البشيرين الأربعة يقولون باتفاق أن ذهاب النسوة حاملات الطيب الى قبر يسوع كان في اليوم الأول من الأسبوع أي يوم الأحد باكراً جداً، أي في بدء ظهور نور فجر نهار الأحد. لأن البشير متى يقول” وفي غلس السبت المسفر عن أول الأسبوع” (مت1:28) والبشير مرقس يقول” وباكراً جداً في أول الأسبوع” (مر2:16) والبشير لوقا يقول” وفي اول الأسبوع باكراً جداً” (لو1:24) والبشير يوحنا يقول ” وفي اول الأسبوع… وفي الغداة والظلام باقٍ” (يو1:20).
غير أن مرقس حالاً بعد قوله ” وباكراً جداً في اول الأسبوع” يقول ” وقد طلعت الشمس” (مر2:16) فيظهر مخالفاً لنفسه ولسائر البشيرين. فكيف يمكننا إزالة هذا الاختلاف؟.
ان هذا الاختلاف يزول اذا عرفنا أن البشيرين الثلاثة متى ولوقا ويوحنا انما يذكرون الوقت الذي فيه خرجت النسوة من بيوتهن في المدينة وشرعن في المسير بدون أن يذكروا لنا الوقت الذي فيه وصلن الى القبر. وأما البشير مرقس فيذكر لنا الوقتين لأنه بقوله ” وباكراً جداً في أول الأسبوع” يشير الى وقت شروع النسوة في المسير كما يرويه البشيرون الآخرون. وبقوله ” وأتين القبر وقد طلعت الشمس” يشير الى أن وصولهن الى القبر كان بعد طلوع الشمس وذلك لبعد المسافة بين بيوتهن في المدينة وبين القبر في البستان خارج المدينة.
سادساً
يظهر اختلاف في رواية البشيرين الأربعة عن رؤية النسوة حاملات الطيب ملاكاً أو ملاكين وخارج القبر أو داخله. لأنه أولاً: أما متى ومرقس فيذكران ملاكاً واحداً وأما لوقا ويوحنا فيذكران ملاكين. وثانيا: أما متى فيقول أن “الملاك كان جالساً فوق الحجر خارج القبر”( مت 28 :2-7) ويوافقه لوقا بقوله “ان الملاكين ظهرا للنسوة خارج القبر”( لو 24 :4-7)، وأما مرقس فيقول ان الملاك كان جالساً في الجهة اليمنى من القبر أي داخل القبر (مر 16 :5-7) ويوافقه يوحنا بقوله “ان الملاكين كانا جالسين واحداً عند الرأس والآخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعاً أي داخل القبر”(يو 20: 11-13). فكيف يمكننا إزالة هذا الاختلاف؟.
ان هذا الاختلاف أيضاً انما هو بحسب الظاهر فقط، والحقيقة هي أنه ظهر للنسوة ملاكان كما يقول لوقا ويوحنا. لكن متى ومرقس لم يذكرا الا الواحد منهما الذي تكلم مع النسوة. ثم أن النسوة لما وصلن الى القبر كان أحد الملاكين جالساً على الحجر المدحرج عن باب القبر، والثاني واقفاً بالقرب منه ثم دخلا كلاهما القبر كدليلين للنسوة. فلما دخلت النسوة أيضاً الى القبر رأين أحدهما جالساً في الجهة اليمنى من القبر أي عند الرأس والآخر عند الرجلين.
سابعاً
ان البشير مرقس يقول: ان النسوة بعدما خرجن من القبر هربن”ولم يقلن لأحد شيئاً لأنهن كن خائفات”(مر8:16). واما البشيرون الآخرون فيقولون أنهن رجعن الى القبر وأخبرن الرسل بكل مانظرن وسمعن (مت8:28 ولو 9:24 ويو 2:20). فكيف يمكننا التوفيق بين رواية مرقس ورواية بقية البشيرين الثلاثة؟.
فنقول أن الروايتين كلتيهما صادقتان والمعنى هو أن النسوة حينما خرجن من القبر كنَّ بهذا المقدار مضطربات من الخوف والحيرة حتى انهن أخذن يركضن سريعاً بدون أن يقلن لأحد شيئاً وهن ماشيات في الطريق كما يذكر مرقس البشير. ولكن حين وصولهن الى حيث كان التلاميذ مجتمعين أخبرن الأحد عشر رسولاً وسائر تلاميذ الرب بكل مانظرن وسمعن كما يروي بقية البشيرين.