النقيب الشهيد عارف العبد الله من مؤسسي الجيش السوري ورمز من رموز الجلاء
مقدمة
سورية تسمية وطن لها سحر في نفوس ابنائه البررة تدفعهم الى بذل الذات لأجل حمايتها من الأخطار والعدوان…
علمنا ابن بلدة السقيلبية الأبية الثائرة بلدة السباع المناضلين…سقلب الصمود والايمان التي وعبر كل التاريخ بكل ادواره قاومت كل محتل وغاصب للأرض من جهة، وكل معتدٍ على الكنيسة وابناء الايمان المسيحي ولازالت تقدم التضحيات، ويرتقي منها الشهداء يومياً خاصة في هذا العدوان الكوني والتكفيري الغاشمي دفاعاً عن الام سورية الحبيبة…
هذا النضال والحس الوطني الموروث رضعه ابناؤها (ولازالوا) مع حليب الطفولة من صدور امهاتهم هم يصلون لله الحاميقبل الانتقال الى جبهات الصمود، متكلين على الرب الحامي وشفيعتهم السيدة العذراء فائقة الطهر، والقديس جاورجيوس شفيع الجنود والمناضلين ثم يعودوا بعدها الى ممارسة دراستهم وتحصيلهم العلمي بكل مستوياته (فالسقيلبية مدينة العلم) وللعمل في الزراعة والاعمال الحرفية التي برعوا بها…
بلدة السقيلبية مالكة اروع حس وطني دفاق طال الجميع /كما سبق القول/ فكانت مع شقيقاتها في الجغرافيا والايمان كمحردة، للتحررمن نير الاتراك العثمانيين واستعمارهم البغيض المتخلف الذي طال لأربعة قرون عثمانية من الجهل والاستعباد بامتياز وخاصة للمسيحيين مما دفع الكثيرين منهم في عهد السلطان الدموي عبد الحميد الى الانخراط في الجمعيات والاندية السورية في الشتات للتحرر…وقدم هؤلاء مع اخوتهم من كل اديان الوطن ومذاهبه ذواتهم طعاماً للمشانق الشرهة في عهد الطاغية السفاح جمال…عام 1915 و1916
ومالبث المنتصرون الحلفاء من افرنسيين وانكليز الا وتقاسموا فيما بينهم اراضي العدو المهزوم الامبراطورية العثمانية في بلاد الشام حيث كانت اتفاقية سايكس بيكو 1916 قد قسمتها بغدر ووعد بلفور 1917 المشؤوم المانح ارض فلسطين لليهود، وجاءت معاهدة سيفر 1920 لتنهي كليا هذه الامبراطورية المتداعية…
التحق بالثورة العربية الكبرى التي كانت بقيادة امير مكة الحسين وابنه فيصل الكثير من الاحرار الشوام والعراقيين وكانت منهم نخب مسيحية متميزة من كل بلاد الشام ومدنها وبلداتها ومنها حماة وريفها فهي ارض نضال مستمر.
ولما احتل الاستعمار الفرنسي سورية والاستعمار البريطاني فلسطين للتمهيد لقيام الكيان العبري في فلسطين وفق وعد بلفور، وشمل احتلالهم ارض العراق قامت هذه النخب المسيحية بالتصدي له ودحض ذرائعه المتلطية تحت ستار الدين كما كان الاستعمار العثماني…وكانت الكنيسة من القمة عبر البطريرك غريغوريوس حداد الى القاعدة في اصغر بلدة مسيحية بقيادة كل رجال الاكليروس فازدادت هذه النخب المقاومة لتشتمل على كل المسيحيين وخاصة في ارياف حمص وحماة وادلب وجسر الشغور وحلب واللاذقية وانطاكية وكيليكيا حيث قما تجد مسيحياً موافقاً على هذا الاستعمار وهكذا صارت قاعدة وارضية مقاومة للوجود الفرنسي المحتل…
من هذه البيئات الشعبية الارضية كانت القرى المسيحية الارثوذكسية في ارياف حماة وادلب واولها كانت بلدة السقيلبية وشقيقتها محردة وكفربهم و…
في هذا الجو التحرري كانت عائلة العبد الله الوجيهة في السقيلبية التي منها علمنا…
وقد زودني الصديق السيد نابل العبد الله سبع السقيلبية قائد الدفاع الوطني في السقيلبية بالمعلومات والصور التي وظفتها في كتابة هذا المقال ويحلو لي ان اوثق مقدمة مرسله لي وهو التالي:
نحن لانهزم والنصر حليف عتيق لنا .
اول ضابط بالسقيلبية وأول شهيد فيها هو:
النقيب عارف العبد الله البطل الثائر…”
الولادة والنشأة
في اليوم الثالث من شهر آذار لعام \ 1915 \ وكانت السنة الاولى من الحرب العالمية الاولى قد طوت اجنحتها لتدخل السنة الثانية في هذه الحرب الضروس التي دامت اربع سنوات (1914- 1918) مترافقة مع جوع وموجات هائلة من الجراد التي لم تبق ولم تذر من ارزاق فانتشرت المجاعة المخيفة وخاصة في الارياف اضافة الى سوق ابناء الوطن بالجملة الى القتال مع الجيوش العثمانية حيث نيران الحرب الأولى تندلع في كل مكان ملتهمة بشراهة أبناء الحياة، غادر الشيخ سعيد العبد الله وابنه الوحيد عبدالله إلى حماه لمتابعة بعض القضايا الهامة تاركين في منزلهم الرابض فوق رابية بيضاء في الجهة الغربية من قرية السقيلبية – آنذاك – سيدة شابة تشعر وتحس أن موعد ولادتها غداً قريباً بل وشيكاً وما هي إلا ساعات معدودة حتى جاءها المخاض منذراً بولادة الطفل فأحضرت القابلة (الداية)
وكان في حضرتها مجموعة نساء من الأهل والمقربين وقد بسطوا أكفهم برجاء إلى الباري تعالى كي يخلص روحاً من روح بالسلامة، وأن يفرح قلب الوالد بمولود ذكر
وانطلقت صرخة بكاء مولود صغير تلتها زغاريد النساء لتعلن للملأ ولادة طفل ذكر جميل وعلت الزغاريد وانتشرت مثل موجة بيضاء تزف البشرى إلى آذان جميع أبناء القرية
الجميع يزغرد ابتهاجاً وكان لابد من إرسال من يحمل البشرى إلى حماه ، إلى الأب والجد
فغادرا على عجل قاصدين القرية لرؤية المولود الذي زين وجوده ديار الأهل وضَّوع فوقها عبق الهناء وقامت الأفراح لسبعة أيام متتالية شارك فيها الأهل والأصدقاء والأقرباء وضيوف من القرى المجاورة
ونشأ الطفل عارف في اسرة عريقة في انتمائها الروحي والكنسي والمثابرة على تأدية واجباته الروحية واخلاصه للايمان المسيح الارثوذكسي، وتتلمذ في مدرسة هذه الاسرة والبلدة العالية في حب الوطن فتلقف كبقية اطفال البلدة التغذية الوطنية والروحية في مدرسة الكنيسة.
علمنا عارف بن عبد الله بن الشيخ سعيد العبد الله من مشايخ السقيلبية…
دراسته
وعندما بلغ الطفل سن التعليم التحق بالمدرسة الأهلية التابعة للكنيسة في قرية السقيلبية ليتلقى تعليمه الأول على يد المعلم والمربي الأديب حبيب الرحمن الدمشقي وبعد انقضاء السنوات الثلاث أرسله والده إلى مدرسة دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي الحميراء في قضاء تلكلخ ليتتلمذ على يد المعلم جورج كنعان الذي اهتم بتلقين التلميذ عارف مبادئ وقواعد اللغتين العربية والفرنسية وبعد هذه المرحلة من الإعداد الجيد التحق التلميذ عارف العبدالله بكلية الشيباني في حلب التي كان يشرف على إدارتها وتيسير شؤونها العلمية الأب البرتو الايطالي وكان التلميذ عارف مثالاً للأدب والتهذيب والنجابة والاجتهاد.
ثم انتقل من كلية الشيباني الى الكلية الإنجيلية بحمص ليتعلم العلوم العربية والفرنسية والانكليزية تحت عناية وإشراف الأستاذين القديرين مسوح وجورج كنعان وكان التلميذ يثبت جدارة بالنجاح والتفوق على اقرأنه ثم أكمل المرحلة الثانوية في الكلية الارثوذكسية الحمصية / الغسانية…
في الكلية الحربية بحمص
بعد نيله الشهادة الثانوية تقدم إلى فحص الكلية الحربية بتاريخ 10/9/1936 التي كانت قد احدثت عامئذ وتحت ادارة الجيش الفرنسي المحتل فنجح في اختبارات القبول، ودخل المكتب الحربي وتخرج برتبة “سبيران” (معاون ضابط) وبعد انقضاء سنتي الدراسة حصل بتفوق على شهادتين (شهادة الاستحقاق وشهادة في قيادة الفرقة).
ضابطاً في الجيش الفرنسي
بعد تخرجه من المكتب الحربي تم تعيينه في حماه برتبة معاون ضابط، وكانت أول مشاركة حربية له في بلدة باكو باسي على الحدود التركية في معركة قوية بمواجهة العصابات الكردية، حيث خاض أول معاركه بشجاعة ملفتة للقيادة فمنح وسام الشرف.
بعد انتهاء العمليات الحربية مع الأكراد انتقل إلى حلب وكان برتبة ملازم (سولبيان) وعمل تحت إمرة القومندان البستاني.تم تعيينه قائداً للفوج السادس في دير الزور.
تم ترفيعه إلى رتبة ملازم أول (بيبتان) وعمل تحت إمرة الكابتن خليل الحلو الذي كان يعتمد على هذا الضابط الشاب عارف العبدالله بعد أن لمس فيه تلك الروح العسكرية العالية والانضباط والشجاعة والاقدام على تنفيذ المهام والذكاء وحسن التدبير…
النضال ضد الفرنسيين
يقول السيد نابل العبد الله عن علمنا: “كان حليفاً للزعيم الوطني المناضل ابراهيم هنانو ووضع ابراهيم هنانو أثناء الثورة زوجته وأبنته في بيت جدي بالسقيلبية كأمانة أثناء العمل بالثورة”
حارب علمنا ضد جيوش حكومة فيشي الفرنسية التي كانت تحت امرة الالمان النازيين المحتلين لفرنسا. وبعد انتصار قوات فرنسا الحرة بقيادة الجنرال ديغول رفض الالتحاق بالجيش الديغولي بقيادة كاترو عام 1941 الذي دخل ومعه القوات البريطانية الى دمشق.
لذا اعتقله الفرنسيون بتهمة خيانة الشرف العسكري وأودعوه سجن حلب المركزي لمدة /15/ يوماً حيث أكد رفضه الالتحاق مجدداً بالقوات الفرنسية، وأكد عزمه ورغبته في الالتحاق بنواة الجيش السوري التي بدأت بالولادة.
في أثناء وجوده في السجن بحلب كتب إلى وكيل مطران حلب الانطاكي الارثوذكسي ( وكانت سدة المطرانية شاغرة) وكان وقتها المرحوم الارشمندريت يوركي أبيض وكيلاً للمطران، وكتب إلى محافظ حلب نبيه مارتيني يلتمس منهما البحث عن طريقة سريعة لاخلاء سبيله… فخرجت المظاهرات من المدارس الارثوذكسية الحلبية تطالب باطلاق سراحه، بالمقابل
تجاوب محافظ حلب مع صرخة هذا الشاب الوطني الملازم اول عارف وأوعز إلى مدارس حلب لتقتدي بموقف المدارس الارثوذكسية وتعلن الإضراب وتخرج بمظاهرات واوعز ايضاً الى الجماهير الحلبية بكل فئاتها للتظاهر ضد السلطات الفرنسية وفعلا ظهر هذا الموقف الطلابي الحلبي بالمظاهرات الطلابية الصاخبة التي قادها الارشمندريت مبيض والاكليروس الارثوذكسي مطالبة باطلاق سراح الملازم اول عارف من السجن منددة بالسياسة الفرنسية وإقدامها على اعتقال وسجن الضباط الوطنيين وقد شملت هذه المظاهرات لاحقاً كل شرائح المجتمع الحلبي ضداً لممارسات الاحتلال الفرنسي … وشهدت حلب في هذه المظاهرات الطلابية أكبر مظاهرة للبنات كانت على رأسها ابنة زعيم ثورة الشمال المناضل ابراهيم هنانو وفاءً منها لما لقيته من رعاية وحماية وإكرام في بيت الشيخ الياس العبدالله في السقيلبية يوم كانت برفقة والدها وهو يحارب الفرنسيين حيث أودعها والدها أمانة في عنق السقيلبية في هذا البيت العريق.وفق شهادة السيد نابل العبد الله حيث قال: “وكان لأبنة هنانو الدور الأكبر بإخراجه من سجن قلعة حلب…”
رضخت السلطات الفرنسية لمطالب المتظاهرين وأطلقت سراح الضابط الوطني عارف العبدالله ليلتحق بحركة الضباط الوطنيين…
قام محافظ حلب وتقديراً منه آنذاك لعلمنا الملازم الاول الشاب عارف وقد تحرر من ربقة السجن الفرنسي باستقباله في مكتبه مهنئاً وقدم له هدية تذكارية تليق بضابط وطني والهدية كانت عبارة عن مسدس حربي من عيار 9مم وأقام حفلاً تكريماً يليق به في نادي الضباط بحضور الضباط الأحرار حيث ألقيت الكلمات الحماسية المهنئة لهذا الضابط السقيلبي المقدام.
رفع إلى رتبة “رئيس” نقيب حالياً في /18/ نيسان /1945/ مع باقي ضباط الجيش الوطني .
تشكيل حركة الضباط الوطنيين السوريين واستشهاده
تشكلت من الضباط الوطنيين في جيش الشرق الفرنسي والقوات الفرنسية الاخرى حركة وطنية عارمة سعت لتشكيل الجيش السوري الوطني بمعزل عن التبعية الفرنسية وقد أعلن اتباع تلك الحركة عدم طاعتهم للفرنسيين وتمردهم على أوامرقياداتهم الفرنسية العسكرية وانشقوا والتحقوا بحركة الضباط الاحرار وخاصة في المنطقة الشرقية من سورية
فقامت هذه الحركة باسناد مهمة جمع هؤلاء من جنود وصف الضباط والضباط الاحرار الى النقيب عارف العبد الله، وكلفته بمهمة السفر إلى دير الزور لهذه الغاية بعد ان انشق العديد منهم عن القطعات العسكرية الفرنسية فسعى ونجح بتجميعهم تحت قيادة هذه الحركة ووضع الاساس للمتابعة من الآخرين.
استشهاده وجنازته
بعد نجاحه السريع في مهمته وضم هؤلاء الضباط الى حركة الضباط السوريين الأحرار الذين منهم تشكلت نواة الجيش الوطني السوري عاد الى حلب. في طريق عودته حدث المكروه وحلت يد القدر وترجل علمنا عارف الفارس الوطني ليسلم الروح الزكية الى باريها إثر حادث أليم ومفجع إذ تدهورت السيارة التي كانت تنقله مع عدد من جنوده على بعد 25 كم من دير الزور. حيث يجمع عارفوه ومنهم الصديق نابل ان المخابرات الفرنسية هي قتلته بتدبير هذا الحادث لكونه قام بشق الجيش الفرنسي وتجييش الضباط السوريين للالتحاق بحركة الضباط الوطنيين وهم وهو منهم نواة الجيش السوري الوطني.
وفي مستشفى دير الزور الوطني وفوق سرير أبيض يحمل فوقه علماً ورمزاً للمجد الوطني السوري تحركت يد بيضاء مخضبة بدم أحمر قانٍ تودع رفاق السلاح الذين التفوا حوله باكين، ولفظت شفتاه: “بخاطركم، خاطركم” وفاضت روحه الطاهرة.
وكان ذلك في ليلة السبت /8/ أيلول /1945 واحضر جثمانه الى مدينته السقيلبية بموكب مهيب رسمي وشعبي تواكبه ثلة من الجيش الوطني السوري الوليد وعدد من رفاق درب علمنا… منهم السادة: نجيب ريشة، بدري ريشة، إبراهيم وأمين عبدو ليُصلى عليه صباح يوم الأحد التالي /9/9/1945 في كنيسة القديس جاورجيوس بالسقيلبية التي شهدته طفلا وفتى وشابا مصلياً ومتمماً واجباته الوطنية وقد رئس صلاة الجنازة مثلث الرحمات مطران حماة اغناطيوس حريكة الوطني الكبير.
وحضر مراسم الجنازة عدد كبير ممن سمعوا بالخبر الفاجعة وجاءوا على عجل من كل حدب وصوب من المحافظات والمناطق السورية نذكر منهم: السيد بشير بك قائد الجيش السوري الوطني بحماة والملازم عبد المسيح داغوم ترافقهما ثلة من حرس الشرف لوداع فقيد الوطن، اضافة الى رفيقه في السلاح الدكتور زكريا مسقوف وألبيرت مسقوف،راشد السيوفي وجرجس شهدا وهؤلاء جميعاً من مدينة حماه ومن بين الذين حضروا أيضاً: سقر خرفان وعبدو محمود وحسن وخرفان بن شيبان وعلوش وكرمو أبناء شلي وليد، رفعت آغا الرشيد وأخوانه نجيب ورشيد وممدوح والشيخ حسن السموع من التوينة والسيد محمد بك جنيد على رأس وفد كبير من وجهاء وأهالي بلدة سلحب القريبة والمجاورة لبلدة محردة وخالد آغا الدرويش ونجيب آغا البرازي وخالد بك العظم وولده نزيه بك العظم والسيد حنا أفندي عبيد وسليمان بك مدير خان شيخون وحكمت آغا اليوسف من خان شيخون والسيد خليل أفندي كلاس جاء على رأس وفد كبير من الشباب الوطني بحماه .
وبعد انقضاء مراسم التشييع والتأبين وقف الخوري الشاب شحود عبدوش بجوار نعش صديقه الشهيد النقيب الشاب عارف العبدالله الديبو فرثاه بكلمة مؤثرة جداً جاء فيها:
“فقيدنا عارف ياقوم شاب، خلق ليخدم الإنسانية وليدافع عن الفضيلة، فما نطق فمه بغير الحق، الذي عاش وقضى من أجله، هو الكاتب الأديب، هو سمير المجالس والمجتمعات، هو الرجل الذي نذر روحه لخدمة وطننا الحبيب , فلم يتقاعس يوماً مذ سمع صوت الوطن يناديه فهجر الخدمة في صفوف الجيش الفرنسي وانضم إلى إخوانه الضباط الأحرار ليشكل معهم النواة الوطنية الحرة لجيش حر يناضل ضد الوجود الفرنسي.
أيها الأخوة إن كانت عظمة الرجال تقاس بما يقدمونه من منافع عامة، فمن أولى بفقيدنا بالإكرام لقد كرس حياته لخدمة الجميع ولهذا وجب علينا أن نجله ونعظمه. وإذا كانت عظمة الرجال تقدر بمقياس العلم والأخلاق الحسنة فإن لفقيدنا مكانة سامية ومرموقة في هذا الميدان حتى كاد أن يكون فرداً فريداً في توقد الذكاء ووفرة العلم وسعة الإطلاع.
فقيدنا الشاب عارف رجل المروءات خادم الفضيلة وحارث القيم، لقد اهتزت البلاد لنبأ نجم سطع ثم أفل، بدراً كنا نهتدي بضيائه تبدد الظلمات لترينا نافذة النور والحرية.”
وبعد انقضاء كلمة رثاء الخوري شحود وقف السيد أمين جميل العبدالله إلى جوار نعش الفقيد ليقول بالراحل الكبير الرثاء الذي يليق:
“مات الشباب فيا حشاشة ذوبي………. أسفاً عليه ويا دموع أجيبي
عرفتك ياعارف، عرفت فيك الشباب المتدفق بأحلى مظاهره وأحسن أحواله، عرفتك يا ابن العم فعرفت فيك الرقة واللطافة والسيرة الحسنة، عرفتك يازين الشباب فعرفة فيك المثل الأعلى للشبيبة الناهضة، لقد قضيت هذه الحياة القصيرة من عمرك في السعي والعمل لخدمة الوطن والإنسانية فبذلت بسخاء كل تملك ولم تبخل بالروح في سبيل إتمام الواجب فأنت إن رحلت فذكراك حية إلى الأبد:
فإنّا إن بكيناه بكينا …………………. هماماً حاوياً جلّ السجية
وإنّا إن ندبناه ندبنا……………………ينابيع المروءة والحميّة
فتباً يا زمان عليك دوماً……………… وبئساً للحياة الدنيوية
كان قرار البلدة روحيا واجتماعيا ان يتم دفنه بقبر خاص به في فناء الكنيسة التي عشقها تكريما لنضاله،
ثم قدم الانجيل المقدس بغلاف من الفضة ليودع على مائدة الكنيسة تذكارا مقدساً مؤبداً لراحة نفسه
قيل في اربعينه
بتاريخ 18/ تشرين الثاني عام 1945 حيث تصادف ذكرى مرور أربعين يوماً على رحيل فقيد الوطن النقيب عارف عبدالله ديبو قدم الشاعر توفيق حيدر مرثية مؤثرة تبين مدى تفجع الغاب بسهله وجبله ومشاركته لإخوانه في السقيلبية مصابهم الجلل
مالي شمس النهار تحجبت ……………وتلفلفت بملآة من قار
وسطا الظلام على الضياء………………..بكتائب من جيشه وبجحفل جرار
وعلا النواح بأمنا سورية…………………..وبسائر الأمصار والأقطار
وبكل قلب للعروبة حسرة………………..مابيننا تزكى بشعلة من نار
والناس بين مصدق ومكذب………………ومولول من تلكم الأخبار
حتى أتى الخبر الأكيد بموته……………. والبرق سطر أحفاً للقاري
وغدا به الوطن العزيز مفجعاً…………….بأجل ما فيه من الأحرار
وجروح جثمان العروبة قد ج……………..رت بالدم والأحزان كالأنهار
بدم الشهيد تطيبوا وتمرغوا…………….. وتنشقوا من جرحه الفوار
الحواشي
(1) بتاريخ 15\تموز 1945 كتب الشاب رستم بن الشيخ عبد الكريم الرستم من مكان اقامته في بشري في لبنان إلى
صديقه وقريبه عارف العبدالله رسالة جاء فيها :” قبلة من عيونك سررت جداً لالتحاقكم بالقوات الوطنية وتراني بغاية الشوق لرؤيتكم وتهنئتكم”
(2) بتاريخ 29/ تموز 1945 كتب الضابط عارف العبدالله رسالة إلى والده في السقيلبية
جاء فيها :” الحالة لم تستقر عندنا ونحن في دور استلام والحالة في تحسن مطرد وعما قريب ستعود المياه إلى مجاريها
لا شيء جديد عندنا يستحق الذكر سوى أننا غداً أو بعد غد سنستلم نهائياً جميع الثكنات والجنود الذين لا يزالون عند الفرنسيين وبهذا نكون قد تخلصنا من هذه العقبة…”
مصادر المقال:
مازودني به الصديق المناضل نابل العبد الله (قائد الدفاع الوطني في السقيلبية وهو السائر على درب النضال ابن هذه العائلة الوجيهة في المجتمع السقلبي والحموي والكنيسة والوطن…) وهو الذي لفتني الى هذا العلم الوطني الشهيدالنقيب عارف العبد الله من مقات وصور وشهادات منه…
-السقيلبية- غيث العبدالله 1 آب2017
-المحامي معتز البرازي جريدة الفداء الحموية العدد 15853 – 22تشرين الأول 2018
الصور من ارشيف السيد نابل العبد الله
“الخيل هي من نسل خيول الاجداد”
” السلاح الفردي”
“والفرد (المسدس) بيدي (نابل العبد الله) هو فرد محافظ حلب (نبيه مارتيني) تحت حكم الفرنسين وأهداه لعمي ومن ثم لوالدي والان بمنزلي.”
” الصورة التي تبدو بها صديقتنا فانسيا ( الصحفية البريطانية التي تغطي نضال اهلنا في السقيلبية) وهي امام مدخل بيت جدي (نابل) ويبدو على القنطرة شعار الصليب والهلال الذي وضعه جدي على مدخل القصر الذي اعاد ترميمه بعام ١٩١٦ وأحجاره وأحجار الكنيسة من قلعة المضيق أفاميا ونقله رجال السقيلبية على الأكتاف وعمروا الكنيسة ومنزل جدي اكراماً لما قدمه من مال ومقاومة في مقاومة العثمانين وفي عمار السقيلبية”