الانسحاب الأميركي…ومصير الاكراد
انتهت مسرحية داعش عملياً او كادت الا من الجيب الصغير قرية الباغوز في دير الزور…
اميركا ستترك من 200-400 جندي اميركي بعد الانسحاب…حسب الناطقة باسم البيت الابيض اليوم
الجدل يهز الادارة الاميركية من صدقية قراراتها…
هل تفعل واشنطن ذلك تنفيذا للهاتف الذي جرى بين ترامب واردوغان بغزل مؤقت…
او هل هو وسيلة للضغط على الحلفاء الاوربيين لابقاء قواتها في شرق الفرات وهل هو لحماية الاكراد من داعش الذي يشهرونه كسلاح او ضد الوصول السوري الى كامل الحدود السورية مع تركيا…
هل هي لايقاف مفاوضات الاكراد مع الحكومة السورية؟
في الحقيقة مع تباين المواقف في السياسة الاميركية فالغموض يلفها وتتناقض في كل دقيقة،التهديد الأميركي بالتخلي عن التنظيمات الكردية في سورية، يضع هذه التنظيمات أمام ضرورة إعادة تقويم مراهناتها على دعم واشنطن والدول الغربية في انشاء الفدرالية في سورية.
لكنه يضعها أمام إعادة تقويم عمق الأزمة الفكرية والسياسية، في المراهنة على مقولات الديمقراطية الليبرالية الجديدة الداعية إلى تفتيت الدولة في إنشاء كيانات عرقية واثنية وطائفية.
التخلّي عن التنظيمات الكردية هو في سياق مستجدات السياسة الأميركية التي تسميها “الانتهاء من محاربة داعش.
تهديد قائد قوات التحالف الجنرال بول لاكاميرا بوقف مساعدة التنظيمات الكردية، إذا تحالفت مع روسيا والدولة السورية، هو تحصيل حاصل لما كان متوقعاً منذ زمن بعيد نظراً لما تشتهر به واشنطن في التخلّي عن حلفائها ما أن تتغيّر سياساتها. ففي أميركا يشيع القول المعروف بأنه لا يوجد تحالفات دائمة بل توجد مصالح دائمة.
التخلّي عن التنظيمات الكردية هو في سياق مستجدات السياسة الأميركية التي تسميها “الانتهاء من محاربة داعش”. فقد وفّرت التنظيمات الكردية لأميركا الادعاء بمحاربة “داعش” إلى حين انتهاء دورها في جيب قرية “الباغوز”، ووفرت لها الاستناد إلى حلفائها في طموحات تفتيت الدولة السورية في سبيل “السلام في الشرق الأوسط” مع “إسرائيل” فضلا عن المشاركة في توزيع الغنائم السورية بدعوى الاستقرار والازدهار.
اضطرار ترامب إلى الانسحاب من سورية، بسبب هزيمة المشاريع الغربية والخليجية، تدفعه إلى البحث عن التكيّف مع المستجدات من دون الحاجة إلى التنظيمات الكردية بل على حسابها بالصلة مع الحليف التركي الأكثر رسوخاً على أمل ما يتفق عليه ترامب والدول الغربية بما يسمى منع إعادة الإعمار والعملية السياسية بما يُطلق عليه الإصلاحات الدستورية ومحاربة النفوذ الإيراني في سورية.
في هذا السياق يذهب أشد المعارضين للانسحاب من سوريا، رئيس القيادة المركزية للقوات الأميركية جوزيف فوتيل، لإبلاغ قوات سوريا الديمقراطية ما سماه ” اليوم التالي للانسحاب” وهو اليوم الذي بات معروفاً في شهر نيسان وعد انسحاب القوات إلى الأراضي العراقية. وعندما طالبه مظلوم كوباني بإبقاء 1000أو 1500 ونشر قوات دولية لحماية الأكراد من التهديدات التركية، جاء الرد أوضح من عين الشمس في قول فوتيل ” ليس هذا المسار الذي نمضي فيه في الوقت الحالي”.
قيادة التنظيمات الكردية لا تريد أن تصدّق نهاية مراهناتها على واشنطن والدول الغربية، بعد أن تشبّعت بأوهام الفدرالية وتشبّعت أكثر من ذلك بأساطير الديمقراطية الغربية كما عبّر القيادي ألدار خليل بالقول: “تلك الدول لديها التزامات سياسية وأخلاقية” ونتيجة هذه الأساطير يحلم بأن تقوم الدول الأوروبية ولا سيما فرنسا في “نشر قوات دولية أو حماية أجوائنا” أو سنكون مجبرين للتفاهم مع دمشق لإرسال قواتها إلى الحدود. والمشكلة في هذا التعبير أن التنظيمات الكردية ستذهب للحوار مجبرة وليس نتيجة إعادة تقويم تجربتها ومراهناتها. وفي هذا السياق تدعو رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام محمد في صحيفة الغارديان البريطانية، إلى نشر قوات دولية.
بسبب الاضطرار وتغيّر موازين القوى الصادمة للتنظيمات الكردية، يرى المجلس العسكري لقوات سوريا الديمقراطية أن مستقبل التنظيمات هو في العلاقة مع الحكومة السورية كما أوضح الرئيس الأسد وأن الحل هو الحوار ضمن إطار سوريا الموحّدة. وما يضطر التنظيمات الكردية إلى هذا السبيل هو التوجّه الأميركي للتخلّي عنها لمصلحة إعادة توطيد تحالفها الاستراتيجي مع تركيا، ولا سيما إذا فشلت مساعي توسّع النفوذ الأميركي في العراق بحسب ما تتطرّق إليه بعض التوقعات الأميركية والغربية. وقد تكون إشارة الرئيس الأسد إلى ما وصفه “بعميل صغير” هي في هذا السياق.
المراهنات الكردية على واشنطن والدول الأوروبية، هي أضغاث أحلام وصلت إلى خواتيمها. وهو أمر يستدعي حواراً داخلياً معمقاً في الأسباب والنتائج. لكنه يستدعي البحث عن رؤية فكرية وسياسية بديلة لأساطير الليبرالية الجديدة بشأن ديمقراطية الأعراق والطوائف لتفتيت الدول وتسهيل السيطرة على السياسات الخارجية والدفاعية والاقتصادية ــ الاجتماعية.
( قاسم عز الدين بتصرف واضافات)