جسر فيكتوريا
يعتبر من أقدم جسور دمشق وأخذ اسمه من أقدم فنادقها الذي أعد لاستقبال ملكة بريطانيا الملكة فيكتوريا
يقع جسر فيكتوريا (والذي يعد أول جسر يبنى في وسط المدينة) بجانب نهر بردى، ليربط بين أحياء وأسواق أسست في بدايات القرن العشرين، مثل ساحة المرجة وهي من أقدم ميادين دمشق العامة، وسوق البحصة الذي تخصص حاليا في تجارة الحواسيب وإكسسواراتها، ومحطة الحجاز، وشارعي سعد الله الجابري وبورسعيد (وكان يسمى سابقا شارع الملك فؤاد الأول نسبة لملك مصر قبل أن يتغير الاسم عام 1956 تخليدا لصمود مدينة بورسعيد المصرية في وجه العدوان الثلاثي على مصر.
ويضم الشارعان الأخيران أقدم وأشهر مقاهي دمشق مثل «الهافانا» و«البرازيل». كما يوصل الجسر إلى شارع بيروت حيث مدينة معرض دمشق القديمة ومجموعة من المباني التاريخية.
و ينطلق شرقا من الشارع الفاصل بين ساحة المرجة ومنطقة ساروجة القديمة وينتهي غرباً بجوار فندق «الفورسيزونز» وحديقة المنشية (الجلاء) التي شهدت أول احتفال رسمي سوري بجلاء الفرنسيين عن سورية قبل أكثر من نصف قرن.
ولقد ذكره المؤرخون الدمشقيون، ومنهم عز الدين عربي كاتبي في كتابه «الروضة البهية» المنشور عام 1911م، ووصفه بـ«الجسر العظيم تجاه محطة العجلات والمصنوع من الحديد المحكم». ولكن أعيد بناء الجسر من جديد عام 1925 من قبل الفرنسيين، فأعيد تثبيت ركائزه من الحجر ونقل الجسر الحديدي القديم إلى منطقة باب توما حيث أقيم هناك، كما يذكر المؤرخ الدكتور قتيبة الشهابي. ولكن هذا الجسر الحديدي اي جسر باب توما الحديدي الذي وضع عام 1925 المحكي عنه، تم استبداله بالحالي على ركائز واعمدة حجرية وبالاسمنت المسلح من قبل قيادة القوات البريطانية التي دخلت دمشق بأمر من تشرشل عام 1945 لاخراج الفرنسيين من سورية، وبتمويل منها ليلاحظ السوريون ان الانكليز محبين لهم بعكس الفرنسيين الذين قاموا بعدوانهم المدمر في 29 ايار 1945 وتم فيه تدمير مبنى البرلمان السوري واستشهاد حاميته…
ومن مذكرات عائلتنا ماأرويه حيث عمل في بناء الجسر الجديد شباب عائلتنا المرحومين أبي جورج وعمي نقولا وعمي جوزيف … ورجال منطقتي باب توما والقصاع نظرا لحالة تعطل الاعمال ووقف الحال والفقر المتفشية نتيجة المقاومة الضارية والمقاطعة الشعبية للانتداب الفرنسي في سورية والاضرابات المستمرة لتنفيذ الاستقلال، وخاصة بعد العدوان الفرنسي الهمجي المدمر ولقد خلد امير الشعراء احمد شوقي مأساة دمشق هذه بقصيدته الشهيرة.
وكانت الغاية من تجديد جسر فكتوريا أن يكون أقوى وأوسع لكي يتلاءم مع تطور آلة الحرب الفرنسية الثقيلة كالدبابات وغيرها. وأيضا شهد الجسر عملية إعادة بناء أخرى في ستينات القرن المنصرم بعدما اختفت معالمه تقريبا أثناء تغطية نهر بردى من ساحة المرجة وحتى جوار سينما دمشق الحالية.
أما عن أصل تسمية الجسر، فإنها جاءت من بنائه بجوار «فندق فيكتوريا» وهو أول فندق شيد في دمشق في أواخر القرن التاسع عشر على الطراز الأوروبي في العمارة، وذلك بعدما كانت الخانات القديمة تلعب دور الفنادق في القرون السابقة. وكان «فندق فيكتوريا» يعتبر من أجمل الأبنية المشيدة في دمشق في تلك الحقبة. وكان يحوي أجنحة فرشت على النسق الشرقي وأخرى على النسق الغربي، ويميز بواجهته الأنيقة من جهة الجنوب. وقد أعد الفندق لاستقبال الملكة البريطانية فيكتوريا لكن الزيارة لم تتم بسبب وفاة الملكة عام 1901، غير أن الفندق احتفظ لبعض الوقت بشرف حمل اسمها، قبل أن يأخذ لاحقا اسما آخر هو «فندق قصر الرشيد» بعد انتقال ملكيته من صاحبه الخواجة بترو إلى شخص آخر. وأزيل الفندق نهائيا عام 1955، حين شيد في
مكانه (بناء الحايك) و هو مبنى تجاري إسمنتي يضم مكاتب ومحلات كثيرة. مع هذا، بقي الفندق حاضرا في ذاكرة المؤرخين والمسنين السوريين الذين عاصروه وعاصروا الأحداث التي شهدها والشخصيات الهامة التي نزلت فيه، ومنهم الحاكم العسكري التركي السفاح احمد جمال باشا بطل المشانق في 6 ايار 1916 ومذابح الارمن والروم والسريان وبقية المكونات المسيحية في آسية الصغرى اعوام الحرب العالمية الاولىالذي نزل فيه عام 1916، وبقي مقيما فيه طوال إقامته في دمشق. وكذلك جمال باشا المرسيني الملقب بـ«الصغير» الذي خلف أحمد جمال باشا وبقي فيه حتى أيلول عام 1918. وممن أقاموا في الفندق أيضا الجنرال البريطاني إدموند اللنبي عام 1918، كما أقامت فيه القيادة العسكرية العثمانية طيلة فترة الحرب العالمية الأولى، و«لجنة كراين» الأميركية التي حضرت إلى دمشق للاستفتاء حول الانتداب عام 1919، واللورد بلفور عام 1925 وخرجت المظاهرات الصاخبة الطلابية وشارك بها طلاب تجهيزية مكتب عنبر والتجهيزية الارثوذكسية المعروفة ب(الآسية) والشعبية في دمشق أمام الفندق احتجاجا على هذه الزيارةالعارمة تنديداً به وبوعده فاضطر الى الخروج من دمشق هرباً.
وأيضا أقامت فيه القيادة البريطانية مع دخول الديغوليين عام 1941. وبعيداً عن الساسة، كان من أشهر من نزل فيه الممثل الهزلي الشهير تشارلي تشابلن في زيارته لدمشق لحضور عرض أحد أفلامه.
أما عن المباني التاريخية والهامة المجاورة لجسر فيكتوريا، فأبرزها مبنى فندق «خوّام» أو «المشرق»، الذي أنشئ على الطراز الشرقي وكانت فيه ساحة سماوية تتوسطها بركة ماء تحيط بها أشجار الليمون والياسمين، وصار في ما بعد مقهى «الصفا» ومطعم «سقراط». كذلك فندق «قصر عدن». وفي زاوية شارع بيروت بجوار الجسر من جهة الجنوب أنشئ فندق آخر أخذ اسم فيكتوريا أيضا ولكنه هدم في ما بعد، وأقيم مكانه في خمسينات القرن العشرين فندق «سميراميس» الذي ما زال قائما ويتميز بطرازه المعماري الجميل وشكله المميز وديكوراته الخارجية التي جددت قبل سنوات بشكل فني جميل.
ويجاور الجسر جامع الطاووسية (الخانقاه اليونسية)، الذي بني في العهد المملوكي عام 1382، وجدد البناء عام 1931، بجانب كثير من المباني التي سميت بـ«مباني الطاووسية» وأسست قبل أكثر من نصف قرن، والتي تحيط بالجسر، ويمكن مشاهدته من شرفاتها. كما يمكن مشاهدة كثير من مناطق دمشق وأسواقها القديمة من أعلى الجسر الذي تعبره يوميا آلاف السيارات وحافلات النقل العام التي تربط مناطق دمشق الشرقية بحارات وضواحي مناطق دمشق الغربية والجنوبية.