ماهي ” ثلجة الأربعين ” ؟
تمتلئ ذاكرة مجتمعنا بالعديد من الأحداث المميزة التي تركت تأثيراتها الإيجابية أو السلبية على مسيرته، وفي مختلف جوانب حياته الاجتماعية والاقتصادية والتي بقيت محطات هامة في الذاكرة الجمعية.
وتركت لنا تلك الأحداث مصطلحات شائعة لدى المؤرخين والمواطنين الذين اعتمدوها لتحديد التواريخ المحلية لمناطقهم، ومن تلك الأحداث الهامة ما سمي بـ” ثلجة الأربعين” في حلب.
كان ذلك في عام 1911م، حيث تساقطت الثلوج بغزارة على حلب لمدة 40 يوما، فأغرقت المدينة وأغرقت الشوارع وأبواب البيوت بحلب، حيث انخفضت خلالها درجات الحرارة في أغلب الأيام إلى ما دون 17 درجة مئوية.
وتوفي على إثر ذلك مئات المدنيين من مدينة حلب بسبب البرد والأمراض، ومن الذين انقطع الطريق بهم، إضافة إلى عرب البوادي الذين كانوا يسكنون الخيم.
ووصلت سماكة الثلج في معظم شوارع المدينة إلى مترين، وبالتزامن مع الهطول المستمر للثلوج حصلت موجة برد شديدة جداً حولت الشوارع إلى قطع من الجليد.
وأدت ثلجة الأربعين إلى توقف حركة القطارات والنقل وانعزلت حلب عن دمشق لمدة ثلاثين يوم، نفقت الحيوانات وقدر عدد الأغنام التالفة بنصف مليون في المناطق حول حلب.
وألزمت الحكومة أصحاب حمامات السوق أن يفتحوها ليلاً لمبيت الفقراء التماساً لدفء الحمامات العامة التي لا نار فيها.
وتشققت الأعمدة الحجرية في بعض المساجد والتي يزيد عمرها على ستمائة سنة من شدة البرد مما يدل على أنه لم يأت مثل هذا البرد منذ ستمائة سنة قبل ذلك.
وكان لهذا الحدث عمق وتأثير على حياة المواطنين في مختلف مجالات حياتهم، وبات مصطلح ” ثلجة الأربعين” يتردد كثيراً في أحاديثهم حتى اعتمدوه، وأصبح تأريخاً يرتبون بموجبه أحداثهم المحلية، الاجتماعية، الاقتصادية وغيرها.
ونقلت مواقع مختصة بالتراث، عن المعمر “حسين صاغر” وهو من مواليد (بعد ثلجة الأربعين) بتسع سنين أي العام 1919 الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي سادت أيام “ثلجة الأربعين” باعتباره ينتمي إلى الجيل الأقرب لتلك الفترة.
يقول المعمر “كان والدي يحكي لنا دائماً عن ذلك الشتاء القاسي الذي لم يتكرر، فقد نزلت الثلوج بكثافة في المنطقة لمدة أربعين يوماً، بحيث وصلت سماكة الثلج إلى أكثر من مترين ونزلت درجات الحرارة إلى أدنى مستوى لها في قرانا”.
وتابع صاغر ” أدى ذلك إلى شل الحركة التجارية تماما بسبب انقطاع الطرق بين القرى ومدينة حلب وغيرها من المدن، وكذلك توقفت حركة القطارات التي تمر بالمنطقة”.
كما توقف سير القوافل التجارية وحركة البائعين المتجولين الذين كانوا يجوبون القرى للقيام بعمليات البيع والشراء وارتفعت أسعار الحطب الذي كان يستعمل في إشعال مدافئ الحطب وأعمال الطبخ بشكل جنوني، واعتمد الناس على طحين الشعير في صناعة الخبز بسبب نفاذ احتياطي البيوت من طحين القمح.
وأضاف “أسوء من ذلك فقد أدت “ثلجة الاربعين” إلى موت العديد من المسافرين على الطرق بعد انقطاعها وهلاك الألاف من رؤوس الغنم والماعز والدجاج المنزلي نتيجة البرد والجوع بسبب انحباسها طويلا في الحظائر.
كما ماتت الكثير من الحيوانات البرية مثل الثعالب والضباع والأرانب لعدم قدرتها على تحمل البرد الشديد، أما الأشجار فقد يبس الكثير منها تماماً مثل أشجار الرمان والتين والجوز وغيرها.
وبقي مصطلح “ثلجة الأربعين” عالقاً في الذاكرة الشعبية حتى اليوم، وصار نقطة مميزة اعتمدها الناس لتحديد تواريخهم وترتيبها بموجبه، كأن يُسأل شخص عن تاريخ ولادته، ويجيب بعد “ثلجة الأربعين”، أو قبلها.