كنيسة القديس حنانيا الرسول الارثوذكسية في الميدان
القسم الثاني…
نشوء كنائس الميدان
وكان لا بد من نشوء كنائس مرافقة، تواكب هذه التجمعات المسيحية أو الجاليات المسيحية النازحة الى هذه المحلة التي كانت بدورها تتبع إلى نفس الأبرشية أي أبرشية بصرى حوران وجبل العرب، والتي ولفقرها لم يكن ثمة مقر لمطرانها، مما ادى الى سهولة التبشير الرهباني الكاثوليكي المدعم بالمساعدات في أوساط الارثوذكس الفقراء، وهذا الاقتناص المنتظم وخسارة الكنيسة الارثوذكسية لعدد كبير من ابنائها التي كانت في القرنين 18 و19 خزاناً ارثوذكسياً، بحيث لم يبق إلا المؤمنين حقاً بالأرثوذكسية وجلَّهم من الفقراء…
وتشير الوثائق البطريركية التي تعود الى عشرينيات القرن 20 ان البطريرك غريغوريوس كان قد وجه المطران المنتخب على الأبرشية زخريا زخريا، في العقد الثاني من القرن 20، “لاقتناء دار تكون مطرانية له يتواجد فيها للرعاية وتحصين الرعية، للوقوف في وجه هذا المد الاحتوائي.” ولاسيما وان الروم الكاثوليك أوجدوا لهم داراً للمطرانية في خبب، اضافة الى وجود سكني كامل في مناطق أخرى، فكان رد زخريا ان فقر الأبرشية يعيق ان يكون للمطرانية دار يقيم فيها، وعلى هذا اشترط على البطريرك ان يُوجد له داراً للمطرانية في الأبرشية، وأقله في محلة الميدان.(1)
ولما كانت البطريركية فقيرة بالمطلق، لذلك نرى البطريرك قد أقام زخرياً “وكيلاً بطريركياً” في دمشق ومطراناً على حوران، ويقيم في دار البطريركية بدمشق لقربها من أبرشيته، وله وكلاء من الكهنة في حوران تتم المتابعة معهم. (2)
اما بالنسبة لمحلة الميدان فقد شهدت هجرة أرثوذكسية قوية عام 1860 من أقضية راشيا وحاصبيا وبعلبك كما سبق بيانه. فصاروا تابعين لأبرشية حوران وجبل العرب. وكان الحضور الراشاني والحاصباني بالذات مكثفاً في المجتمع الميداني عامة والمسيحي الارثوذكسي خاصة وصارت لهم محلة تسمت باسمهم ساحة وحارة الرياشنة. وساحة للتيامنة الحصابنة (ابناء وادي التيم) ولهم نفوذهم في كنيسة حنانيا الرسول.(3)
وعلى هذا الاساس لم يتمثل الميدان المسيحي الارثوذكسي في المجلس الملي البطريركي الدمشقي، وحتى ثلاثينات القرن 20 بعد مطالبات مكثفة ومشاحنات طويلة طالت ثلاثة عقود ونيف، من رعية الميدان للبطريرك غريغوريوس الرابع لالحاقهم بأبرشية المقر البطريركي. ولم يتحقق ذلك الا مع بداية عهد البطريرك الكسندروس طحان (1931-1958).
واستناداً على ماسبق فقد نشأت ثلاث كنائس في محلة الميدان وهي:
1- كنيسة القديس حنانيا الرسول الارثوذكسية التي سندرسها بالتفصيل وهي الأقدم وتعود الى الربع الأول من القرن الثامن عشر، وفق مخطوط يعود الى منتصف القرن 18 يؤرخ لها موجود في مكتبة الاسد بدمشق.
2- كنيسة سيدة النياح للروم الكاثوليك وسنلقي عليها الضوء تالياً.
وهي تلي كنيسة حنانيا الرسول بحائط مشترك ونشأت في العقد الثامن من القرن 19.
وكلتا الكنيستين في حي القوره شي.
3- كنيسة القديس جاورجيوس للروم الكاثوليك في حارة باب مصلى أي أول الميدان التحتاني وعليها تاريخ إحداثها في عام 1876م.
وفي هذا المقام فقد تحقق لدينا هذه الواقعة أدناه، بعد بحث مستفيض طال زمناً طويلاً، ننفرد ونختص بها، وهي انه تحقق لدينا أن أصل كنيسة القديس حنانيا الرسول مطرح بحثنا هو دير في الموقع ذاته باسم دير القديس حنانيا الرسول.
دير القديس حنانيا الرسول
لما كان لايوجد ثبت دقيق لتاريخ بناء كنيستنا المنوه بها إلا من شهادات شفهية لمسنين ومنهم جدي فارس رحمه الله كون عاش طفولته وصبوته وفتوته فيها قبل ان ينطلق وأمه وأخته الصغرى الى القصاع للاستقرار فيها، وهؤلاء المسنين الذين راجعتهم هم من أحفاد الميادنة الارثوذكس الأصلاء، وقد أجمعت شهاداتهم المحفوظة عن ذويهم بالتواترإلى أنها كانت موجودة مطلع القرن 18، وبدورنا لاحظنا ان المخطوط المحكي عنه حدد 1715، مع التباين في التواريخ المحددة حالياً على جدران الكنيسة.
فعلى باب الحرم الخارجي في الحارة تاريخ 1815، وعلى باب الكنيسة الشمالي داخل حرم الكنيسة الداخلي والمفضي الى محلة مدرسة حنانيا الرسول تاريخ 1860 وقد حدد المؤرخ الدمشقي العلامة محمد كردعلي في كتابه الشهير،”خطط الشام” تاريخ بنائها في عام 1862.
لقد فتح هذا الأمر باب شهوتنا للبحث ولتحديد التاريخ الدقيق لوجود هذه الكنيسة، لاسيما والمخطوط يشير الى مطلع القرن 18. وهو يعود الى منتصف القرن الثامن عشر. من خلال ورقه والحبر الذي كُتب به وماعليه من منمنمات ورسوم، وغلافه…
ان هذا الامر محل نظر برأينا، ويشير الى ان هذه الكنيسة كانت موجودة في هذا التاريخ، وأكيد موجودة منذ ما قبل، والسبب في ذلك أنه منذ الفتح الاسلامي لبلاد الشام طُبقت القاعدة الاسلامية الشرعية التي تمنع إقامة أية كنيسة أو ديرجديدة، فقط تبقى الكنائس والأديرة والصوامع الرهبانية على حالها، إن لم تُصادر وتغلق لأسباب محددة(4) او تحول الى جوامع ومساجد ككاتدرائية دمشق التي على اسم يوحنا المعمدان وبقية كنائس دمشق بقسميها الشرقي والغربي وكل كنائس الغوطة المحيطة.
في حال احتياج هذه البيَعْ من كنائس وأديرة إلى ترميم يمتنع على الرئاسات الروحية القيام بترميمها بدون موافقة مسبقة وخطية، وكل مخالفة تستدعي العقاب الشديد لدرجة إعدام من قام بذلك، كما حصل في منتصف القرن 18تقريباً (5) لثلاثة من وكلاء كنيسة مريم(المريمية)، وجدوا ان هناك تصدعاً شديداً في حائط المريمية ممايشكل انهياره خطراً على الرعية في ليلة الهجمة (الفصح) ويجب الترميم بسرعة فائقة خوفاً من انهياره، فقاموا بالترميم سراً دون موافقة، هؤلاء استشهدوا شنقاً بجانب جدار الكنيسة المرمم بأمر والي دمشق العثماني في منتصف القرن 18 فجر ليلة الهجمة، مع هدم الجدار…
لم تتصل لنا أية معلومات سواء مكتوبة أو مخطوطة أووثائقية في وثائقنا البطريركية عن طلب الترميم وعباراته، وكيفية تقديمه في الفترة ما قبل الاحتلال العثماني لديارنا الشامية السنة 1517 بسبب تلف كل الوثائق في التدمير المتلاحق للمريمية والدار البطريركية وعددها سبعة تدميرات، ثم حصل التدمير الثامن الشامل في مذبحة 1860، وقد لاحظنا في ما بعد هذا التاريخ (6) أن الإجراءات كانت معقدة تتم بطلب من الرئاسة الروحية الى محكمة المحلة، وكانت “محكمة البزورية الشرعية” بموجب الاختصاص المكاني ومجاورتها لدار البطريركية، فتقوم بالمشاهدة الميدانية للمنوي والمطلوب ترميمه المكان،ويرفع القاضي تقريره الى مفتي دمشق والوالي ومنه الى شيخ الاسلام في الاستانة، ووزارة العدلية والمذاهب، فكانت اجراءات طويلة ومعقدة بشدة، كان القرار إيجاباً او سلباً يصدر من الصدر الاعظم ( رئيس الوزراء العثماني) بعد الفتوى الشرعية من شيخ الاسلام ثم وزارة العدلية في الاستانة…
أما في مرحلة الحملة المصرية على بلاد الشام من 1831-1840 فكان يكتفى بأمر من قائد الحملة ابراهيم باشا ابن محمد علي وقد تم كل الترميم في تلك المرحلة بهذه الطريقة.
لذلك إن القول ببناء الكنيسة في التاريخ المحدد في المخطوط وفقاً لهذه القرائن غير دقيق، وعلى الأغلب ووفق شهادات الشهود، وتاريخ المخطوط فإن هذا التاريخ هو تاريخ الترميم أو إعادة البناء وليس البناء…
تابعنا البحث وعدنا الى زمن الامبراطور يوستنيانوس الأول فوجدنا انه كما أسلفنا بنى بعد بنائه في العام 517مسيحية دير سيدة صيدنايا البطريركي، الكاتدرائية المريمية
بنى في العام ذاته العديد من الاديرة الرهبانية والكنائس في منطقة دمشق وجنوب سورية، في طريق حجه إلى القبر المقدس، تقرباً لله، ليقدم الشكر على انتصاره على الفرس. ومما بناه كان هذا الدير وعلى اسم حنانيا الرسول(7) في مكان لايبعد عن موقع دير رؤية بولس الرسول في تل كوكب، الذي يعود الى القرن المسيحي الاول على طريق دمشق الجولان وفلسطين، وأوقف لدير حنانيا الأوقاف، كما فعل مع كل الاديرة والكنائس التي بناها، وجعله استراحة للحجاج الحاجين الى الديار المقدسة، ويقوم الرهبان على خدمتهم، وكل هذه الاديرة اندثرت بشتى الطرق، ماعدا دير القديس حنانيا الرسول.
لذلك فقد تحقق لدينا ان كنيسة القديس حنانيا الرسول كانت ديراً رهبانياً يعود تاريخ بنائه الى عام 517م بأمر الامبراطور يوستنيانوس الاول، وهو الذي تحول بعد تمادي الزمان من دير الى كنيسة آلت للاندثار، كما حصل للعديد من الاديرة التي تحولت الى كنائس بانتهاء الرهبنة فيها.
ولما كان الوجود المسيحي في محلة الميدان قد بدأ يتنامى منذ العهد المملوكي مع التجار، وكان المسيحيون يقومون بالصلاة في كنيسة هذا الدير المتداعي، ولما كان من غير المسموح (كما أسلفنا) تلبيتهم بإيجاد كنيسة جديدة لهم، فقد صدر الإذن الشرعي بترميم دير حنانيا الرسول في تاريخ 1715 وفق الاصول الشرعية كما اسلفنا، وهذا مايفسر وجود الكنيسة داخل هذا الحرم الذي يوحي بأنه بيت كما بقية البيوت المجاورة.
كنيسة سيدة النياح للروم الكاثوليك
هي الكنيسة الكاثوليكية التي تلي في الزقاق كنيسة القديس حنانيا الرسول وتلاصقها بالجدران…
وفق شهادات مسنين من ابناء المحلة من الكاثوليك والارثوذكس تابعناهم، وبخاصة الكاثوليك، عرفنا منهم أن أصل هذه الكنيسة هو بيت سكني لعائلة أرثوذكسية مجاورلكنيسة حنانيا الرسول الارثوذكسية(8)
في حين اقتصر الوجود الكاثوليكي على ساحة وحارة باب مصلى في الربع الأخير من القرن 19 مع وجود ارثوذكسي.
وقداعتنقت هذه العائلة المجاور بيتها لكنيستها للمذهب الجديد “الكثلكة”. (9)
بعد فترة وقبيل فترة الصوم الكبير تم شراء بيت ثان ملاصق من عائلة جديدة اعتنقت المذهب الجديد بدورها، وتم تحت جنح الظلام سراً وبسرعة مطلقة (خوفاً من العقاب) وصل البيتين من الداخل ببعضهما، وتحويلهما الى بيت كبير واحد، وفيه كنيسة على إسم سيدة النياح تحمل اسم كاتدرائية دمشق الكاثوليكية في حارة الزيتون مع دار البطريركية الكاثوليكية، مع بقاء البيتين سكنيين في العلن وأمام المارة،(10) وكان يتم ترحيل الردم ليلاً بالتنسيق مع حارس باب الحارة(11) الذي كان مسيحياً معتنقاً الكثلكة بدوره، وشباب الطائفة…
من 1831-1840استمرت الحملة المصرية على بلاد الشام التي يدين لها مسيحيو بلاد الشام وقائدها ابراهيم باشا بتوفير مناخ الحريات الدينية ومنهما اباحة ترميم الكنائس، وفرضت عليهم الواجبات ذاتها التي لمواطنيهم المسلمين، لذا قاتلوا في صفوفها كما فعل الامير بشير الشهابي الماروني ضد الجيوش العثمانية، وبعد جلاء الحملة المصرية عادت الامور كما كانت بقيودها، وبعد حرم القرم وعقد الاتفاقية بنتيجتها عام 1856 واعتراف الدولة العثمانية بتساوي مسيحييها مع المسلمين في الحقوق والواجبات ،وخاصة بناء كنائس جديدة ككنيسة القديس يوحنا الدمشقي بجانب الآسية او ترميم الكنائس القديمة انما بشرط الموافقة المسبقة وقد تكون بدون فتاوى شرعية، واعلنت مراسيم المساواة بين الرعايا القومية المنضوية تحت الخلافة العثمانية، وبين الاديان والمذاهب.
اما بالنسبة للكثلكة بين صفوف الميادنة كما اشرنا (12) فقد اتت بنتيجة الاضطرابات الأرثوذكسية المستمرة العسيرة بين الميادنة والرياشنة في محلة الميدان حصراً بسبب خلافات على وكالة الكنيسة وصواني اللم وادارة مدرسة حنانيا الرسول وبقية المؤسسات كجمعية دفن الموتى، ونظراً لقيام الرياشنة ببسط اليد عليها فقد ادى ذلك الى احتجاج الميادنة الأصلاء وخروجهم عن كنيسنهم الأم الى الكثلثكة كما هي العادة في كل مكان، وبذلك خرجت العديد من عائلات الميدان الارثوذكسية الاصيلة وهي عائلات معروفة، وصار لها الريادة في طائفتها الجديدة، لذا نقص عدد الميادنة الارثوذكس لصالح زيادة عدد الرياشنة الارثوذكس.
اضافة الى هذه الحادثة التي تنامى بسببها عدد الكاثوليك في الميدان، كانت هجرة الحوارنة الكاثوليك الى المحلة واستقرارهم في مطارحها المسيحية الثلاثة وهي القرشي والموصلي وباب المصلى… فزاد عدد الكاثوليك وقتها عن الارثوذكس وخاصة في باب مصلى.
اما كنيسة القديس حنانيا مطرح بحثنا فقد كانت مجمعاً متكاملاً يحوي بالاضافة الى الكنيسة، بيت الكاهن، وصالون للرعية، ودار مدرسة حنانيا الرسول المختلطة الابتدائية وادارتها، ومقر جمعية حب الرحمة الخيرية، ولجنة القديس حنانيا الرسول الخيرية الارثوذكسية لدفن الموتى في الميدان، حيث كانت تمتلك وتدير مدفناً خاصاً للميادنة في “منطقة تل العظام” المجاورة لمقبرة القديس جاورجيوس الارثوذكسية، قبل ان يتم بيع العقار ونقل المدافن الى مقبرة القديس جاورجيوس الحالية (دوار المطار) وخاصة بعد إلحاق الميدان أرثوذكسياً بالمقر البطريركي وصار يتمثل بالمجلس الملي البطريركي الدمشقي.
بكل أسف فقد تم اغلاق هذه الكنيسة الجميلة وقلع ايقونسطاساتها التي على الاعمدة والايقونات… الى كنيسة القديس يوحنا الدمشقي للروم الكاثوليك في حي ابو رمانه المحدثة في ثمانينيات القرن20 ، ولما زرتها وشاهدتها بوضعها المحزن عياناً تذكرت كم عانى الأجداد الذين أوجدوها اواخر القرن 19 تحت جنح الظلام تحت خطر القتل… وتساءلت “هل نخرب كنيسة أثرية لنظهر كنيسة جديدة…؟”
ملاحظة
ابتعدنا في ماسبق ما امكننا عن الشهادت الشفهية في حال تعارضها بين الفريقين الميداني والراشاني التي حفظت بالتواتر بين احفاد متزعمي الفريقين التي حصلنا عليها، فكانت متعارضة وتحمل هوى أصحابها، واكتفينا بالوثائق البطريركية.
القديس الرسول حنانيا
الاسم
اسم حنانيا عبري يعني “رأفة الله”
“إذا كان المثل الشائع يقول إن أردت أن تعرف نعمة الله عليك أغمض عينيك، المسيحيّة تقول:” إن أردت أن تعرف نعمة الله عليك إفتح عينيك لتشاهد أن الله تجسّد وصار إنسانًا من أجلك.”
السيرة الذاتية
هو حنانيا، التلميذ المذكور في الإصحاح التاسع من سفر أعمال الرسل. وكان يهودياً دمشقياً وجيهاً بين قومه، ولما سمع بأخبار يسوع في اورشليم وتتبع هذه الأخبار، فبادر الى تأسيس أول جماعة مسيحية في التاريخ خارج فلسطين، وكان الرب يسوع لايزال يبشر، ذهب الى اورشليم ليعاين معجزات الرب يسوع وجاهياً، وكان من عداد الرسل السبعين الذين حل عليهم الروح القدس بعد صعود الرب يسوع الى السماء وحلول الروح القدس على رؤوس السبعين في علية صهيون يوم العنصرة، وكان حنانيا منهم لذا دعي رسولاً.
عاد الى دمشق وتابع مع جماعته المسيحية في قبو بيته الكائن بالقرب من باب دمشق الشرقي،حيث جعل منه كنيسة بعيداً عن اعين السلطات…
عندما جاء شاول على رأس القوة العسكرية– الذي صار بولس الرسول فيما بعد- وكان شاول قد انطلق من أورشليم مزوداً برسائل من رئيس الكهنة إلى الجماعات اليهودية في دمشق حتى إذا ما وجد أناساً تبعوا يسوع المسيح، رجالاً ونساء، ساقهم موثقين إلى أورشليم، لأن اليهود هناك كانوا يعودون في شؤونهم الناموسية إلى رئيس الكهنة في أورشليم.
وفي الطريق ظهر الرب يسوع لشاول في نور من السماء فسقط شاول على الأرض وسمع صوتاً يقول له: “شاول، شاول لماذا تضطهدني؟!”
فارتعد وتحيّر جداً. ثم سأل: “يا رب ماذا تريد أن أفعل؟!“، فقال له الرب أن يدخل إلى المدينة فيقال له ماذا ينبغي أن يفعل. فدخل، وكان لثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب ولا يبصر منظراً رسولاً من عند الله وهو يصلي.
هذا الرسول الذي بعث به الرّب يسوع المسيح إلى شاول هو إياه حنانيا الذي نحتفل بتذكاره اليوم.
جاء في سفر أعمال الرسل أن الرّب قال لحنانيا في رؤيا أن يذهب إلى الزقاق المسمّى المستقيم، وهو الذي يطل عليه مقرّ البطريركية الانطاكية الارثوذكسية اليوم، ويسأل في بيت المدعو يهوذا عن رجل طرسوسي اسمه شاول رأى في رؤيا رجلاً اسمه حنانيا داخلاً وواضعاً يده عليه لكي يبصر.(13)
فتهيّب حنانيا الأمر، للوهلة الأولى، لأن شاول كان معروفاً في المدينة كلّها كم من الشرور صنع بالقدّيسين الذين في أورشليم، وإنّه جاء إلى دمشق بنيّة القبض على المزيد من المؤمنين وزجّهم في السجون بأمر من رئيس الكهنة.
لكن الرّب هدّأ من روع حنانيا قائلاً له: “ اذهب، لأن هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك بني إسرائيل، لأني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي”.
فمضى حنانيا كما أمره الرّب ودخل البيت ووضع يديه على شاول قائلاً: “أيها الأخ شاول، قد أرسلني الرّب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيه لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس”.
فللوقت وقع من عيني شاول شيءٌ كأنّه قشور فأبصر في الحال، وقام فاعتمد وتناول طعاماً فتقوّى.
هذا كل ما يذكره “سفر أعمال الرسل” عن حنانيا.
لكن، ورد في التراث أنه أحد الرسل السبعين وأنه جُعل أسقفاً على دمشق وبشّر بالكلمة في بيت جبرين الفلسطينية ،وأتى بالعديد من الوثنيين إلى الإيمان، وأعطاه الله موهبة صنع العجائب. ويقال أن عمله البشاري في بيت جبرين كلّفه حياته وأنه مات رجماً.