خربشات سياسية
إضاءة صغيرة ومختلفة على سوتشي …
خلافاً لأغلب المنظرين وابتعاداً عن “التحليل الخنفشاري” و”فوضية متصدري المنابر الاعلامية حول سوتشي”
تعالوا لنقف على هذا الحدث الكبير بتأنٍ وموضوعية… فما يميز سوتشي عن غيره من إفرازات الحرب الكونية على سورية ليس استبعاد المطالبة بتنحي الرئيس فهذا الموضوع ليس من إنجازات سوتشي… وليس استجرار المعارضة الى مؤتمر برعاية روسية بعيداً عن الأمم المتحدة والرعاة الكلاسيكيين والمرجعيات المقولبة، بل ان ما يميز سوتشي أمور كثيرة أهمهما أمران لم يتحققا لاي مجلس في التاريخ وهما:
الاول: انه أول مؤتمر في التاريخ ينجح لمجرد انعقاده (الشروع) وقبل الاتفاق على بنوده وبمعزل عنها.
والثاني: انه أول حالة دبلوماسية في الحرب السورية تغيَّر واقع الميدان، ولا يغيرها أو يؤثر فيها الميدان، ولكنها دعمته ودعمها…
وكونه نجح بمجرد انعقاده، فهذا يرجع للمنغصات والعراقيل التي سبقته وواكبته، وتم “استسلام الأطراف التي حاولت افشاله بمجرد انعقاده” وهذا أمر محتوم بالنسبة اليها…
فالتهديد والوعيد وتسريع عملية عفرين، وسياسة أمريكا حولها، وضغط السعودية على أدواتها داخل سورية وخارجها، وإعلان مقاطعة البعض… ومعركة الغوطة الشرقية على إدارة المركبات غدراً لاتفاق وقف إطلاق النار الأول بأستانا والثاني في فيينا، ومحاولة تركيا الكسب الميداني بإدخال ارتال عسكرية على حساب مشاركة ادواتها من الإرهابيين والتي جوبهت بتصدي من الجيش السوري رغم التوقيت الحرج والذي ترجم فيما بعد من تركيا الى عرقلة داخلية من وفد محسوب عليها يرفض دخول المؤتمر تحت راية العلم السوري ولكنه يرضى بعلم الانتداب وأعلام السعودية واميركا وتركيا وإسرائيل وقطر ورغم ان العلم السوري الحالي يعود تاريخياً لفترة الوحدة مع مصر، ورغم ان لوغو مؤتمر سوتشي منشور منذ أشهر ومعروف للجميع والكل يغض النظر عنه، وأيضا جوبهت تلك المحاولة من رعاة المؤتمر بالرفض فخسرت تركيا مرتين. وأهم الألاعيب هو مؤتمر فيينا الذي شحذوه وتوسلوه وقبل سوتشي بأيام، معتقدين أنه سيغير من آثار سوتشي او يلغيه ولكن سقطت ورقة الدول الخمس التي عقدت اجتماعها ونصبت نفسها وصية او منتدبة على سورية بتغيير الدستور و…سقط وسقطت قراراتهم بكلمة صغيرة من رئيس الوفد السوري الدكتور الجعفري واصبح “سعر الحبرالذي كتب فيه أغلى من سعر ورقها” ودون أي تعقيب من اية جهة في العالم وانعقد سوتشي ومشت سفينته ماخرة عباب التفشيلات…
وكون مؤتمر سوتشي غيَّر وقائع الميدان كما اسلفنا وتدعم من هذه الوقائع، فهو لأن روسيا تحررت من أية مسؤولية أو التزام تعاقدي مع أي جهة كانت بما فيها (دولة الكيان الصهيوني وهي المحرك الأساس للحرب الكونية والتكفيرية على سورية) أواميركا كونه إتفاق بين مكونات الشعب السوري من دون أي تدخل خارجي (حتى ان بوتين ذاته لم يحضر المؤتمر، وألقى وزير خارجيته كلمته (بوتين) للتحفيز من “جل “السلام للشعب السوري” شعار المؤتمر، وبرغم مقاطعة المعارضة المأجورة لهذه الكلمة، وانسحابها من الجلسة دون خجل من الدولة الروسية المضيفة) وبالتالي فان من لم يحضرالمؤتمر فهو “عدو افتراضي للشعب السوري وإرهابي أو راعي للارهاب”، وعليه سيتم التعامل معه. هكذا صرحت روسيا بشكل واضح وصريح، “فما قبل سوتشي ليس كما بعده”.
فمهما سموه (جلسة حوارية داخلية) أو (مؤتمر كسر الجليد) أو (جلسة تعارف) أو حتى مؤتمر للمعارضة الداخلية… فقد نجح وبمجرد بدء الأعمال، وهذا هو المطلوب…
راهن الكثيرون على فشله لعدم رعاية أميركية كونها صاحبة الميدان مع روسيا، وهناك من قال أن أميركا اعطت له الضوء الاخضر، لأنه “واهن” ولتثبت فشل روسيا…ومن قال أن روسيا ستمرر صفقتها مع امريكا عبر سوتشي… ولكن الحقيقة هي أن مؤتمر سوتشي بعيد عن “المنغصات الصبيانية،، فقد خرج من تحت الوصاية، وأصبح ملكاً للسوريين بمن حضر منهم، وربما بل من المؤكد لمن سيحضر لاحقاً، وسوتشي القادم في دمشق أو على الاقل في سورية…
نحن لا ننكر أن أي حل نهائي سيتطلب جلوس الكبار وإلا فالعصي في الدواليب… ولكن ماذا ثبت سوتشي وأثبت وكيف نجح؟
1- حضور المعارضة تحت أي مرجعية ولأول مرة تحت العلم السوري (قسرياً) وترجمة لواقع الخريطة الجيوبولتيكية الجديدة والتي تستعمل لأول مرة منذ بدء انتصارات الجيش وانجازاته الكبيرة (فقد حاول جنيف وغيره تحييدها واهمالها).
2-عدم وضع أو فرض شروط أو مرجعيات كـ “جنيف واحد”، أو أية مكاسب كسبتها المعارضة تحت ضغط الرعاية الدولية المنحازة سابقاً.
3- بنود المؤتمر(والتي أُتفق عليها بالاجماع) تكرار واستعادة للصيغة السورية الرسمية و(الحكومية) إن صح التعبير كما ورد أغلبها في “خطاب القسم للرئيس السوري عام 2014″، وبذلك يكون المؤتمر قد ألغى وأحرق للمعارضة مراحل طويلة قطعوها في المماطلة، وأعادتهم “شطرنجياً لمربعات أولى” وضعتهم أمام جمهورهم في حرج كبير عبر سؤال:”لماذا اطلتم علينا الحرب كل تلك السنوات؟” وهذا أيضا تابع لدبلوماسية تغير الميدان فيما بينهم البعض وهو من إنجازات سوتشي.
4-المسؤولية الأخلاقية والتعاقدية للمعارضة من حضر منهم ومن لم يحضر بتنفيذ بنود الاتفاق كونها بالمجمل لا تخرج ولا تحيد بالمعايير القانونية والمنطقية عن تطلعات واهداف السوريين واي شعب حر او متطلع للحرية دون التباس فلا يمكن خرقها او القفز من فوق احدها لانها متكاملة ومترابطة ومكملة لبعضه ويبقى عار من لم يحضر بواهن حججه وتبعيته وأسخفها هيئة التنسيق التي أسقطت (التافه) الذيل: (حسن عبد العظيم) مع هيئته وجوقته امام الشعب السوري بحجة الحفاظ على وحدة هيئة المفاوضات…ويبدو انها بالنسبة اليه أهم من وحدة الشعب السوري وسلامه.
5- نجاح سوتشي عملياً يعطي انطباع توصيف الربع ساعة الأخيرة لدى البعض من الأدوات والمشغلين من فشل بعض المشاريع وقرب انتهاء بعضعا الاخر مما يسرع بعملية الانضمام الى قطار سوتشي او غيره من التسويات باي صيغة.
6- سوتشي لأول مرة ينجح بإخراج صيغة قانونية ملموسة كانتخاب لجان ويتجاوز تراتبية (السلال) والاولويات المختلف عليها والتي لم تنتج سوى إختلاف بوجهات النظر أي أن سوتشي مهد ليس لجنيف فقط وغيره وأفرغه من مهاتراته بل مهد لسوتشي جديد لان مكاسب سوتشي بالحل لمن اتفق عليها تتطلب مرجعيتها في سوتشي لمن أراد الحفاظ عليها وهذا منطقي.
7- سوتشي وضع الأمم المتحدة كراعية مقررة للتفاوض، والحل الأخير على المحك، وأمام خيارات ضيقة محصورة بنتائج سوتشي ممثلة بحضور ديمستورا الذي صَّرح انه سهل عملية التفاوض في جنيف ( وهذا التصريح محل نظر ونقد).
8- في سوتشي جلس الجميع في قاعة واحدة، وعلى طاولة واحدة، ورددوا النشيد السوري الذي يشيد بـ (حماة الديار) والذي حارب الإرهابيين وحاربوه…وتحت مظلة العلم ذوي العينين الخضراويين، مما ثبت وأكد حالة تظاهرية لا يمكن التراجع عنها، وافقد شكلية وهيكلية المؤتمرات اللاحقة مهما كانت مبادرة التحجج بالشكليات لافشال المؤتمرات او تعطيلها او المماطلة بها للكسب غير المشروع من الدول المشغلة في عامل الوقت.
9– سوتشي ليس من نوع المؤتمرات التي هي بحاجة للتبني فشرعيته جاءت من “الصفة التمثيلية من السوريين بغض النظر عن تشخيصهم” وما سيحصل تالياً هو اما الانضمام اليه او الاستمرار في مقاطعته ولن يفقده هذا أي من مميزات الاستمرار في اعماله.
10- إحدى مقررات سوتشي هو مسؤولية (الشعب) بتحرير الجولان ويكفي هذا البند ليجعل من سوتشي اسطورة بالاختراق الدبلوماسي والسياسي لكافة الجبهات السياسية والميدانية، ورأينا ترجمته المباشرة في معارك في الجنوب السوري بين فصائل مدعومة من كيان العدو الإسرائيلي وبين ما سموه داعش حالياً وهي معركة تصفية أعمال وغسل الأعمال القذرة وتنظيف الجبهات ممن وصلتهم الرسالة ولا يحتاج هذا لشرح اكثر كما ترون.
سوتشي ينعقد في فترة حساسة من الوضع الميداني، فلا تستطيع تركيا منع المعارضة من الحضور، وقد كُشف الغطاء عنها نهائياً في مأزق عفرين، ولا هي تستطيع الذهاب للجهة المقابلة، فقد انعقد سوتشي ولن ينفع الاتراك الاعيب القفز بين واجهات الصف الأول (على اساس ان تركيا من الدول الثلاث الضامنة وهي صاحبة اطماع وسبق لأردوغان مراراً منذ بدء العدوان على تكرار عزمه الدخول بحصان السلطان الى دمشق والصلاة في الجامع الأموي) بعده وهذا ينسحب على السعودية عملياً وكذلك أميركا.
اخوتي لقد بشرنا في المنشور السابق بسوتشي أنه سوف يغير المفاهيم وقلنا لكم سابقاً “سوف تشاهدون في الحرب السورية تجليات أكثر من ربع ساعة أخيرة”، ولكني اليوم استطيع ان أقول: “انها الربع الأخيرة مهما طالت دقائقها وثوانيها”، وستتصل بالحل النهائي مهما اشتدت إرهاصاتها ومخاضها، وهو كبير بل انه الأكبر والأكثر ايلاماً لان المشعوذ ترامب سوف يُخرج كل ما في كيسه من خدعٍ دفعةً واحدة، وبعشوائية وتخبط دون أي رادع، والحجة موجودة، وهو رئيس مجنون يقود العالم وشجرة عربانية ملعونة تمده بالزيت والكاز…
ويبدو ان العقوبات الامريكية الباهظة على روسيا التي رافقت أعمال المؤتمر، هي على عكس مافسرها ويفسرها المفسرون، على أنها رسائل جديدة لروسيا وحلفائها، بل انها لا تتعدى ما تكلمنا عنه من تخبط وجنون الفشل والخسارة نتيجة سوتشي، وهي لا تخرج عن توصيف محاولة أو “مشروع عقوبة” مهما كان شكلها وقد أسقطها بوتين في ارضها بالضربة القاضية، في تصريح قصير من بضع كلمات هي:” القافلة تسير والكلاب تنبح”.
معها اي هذه العقوبات والرد الروسي الصاعق عليها لم يعد مجرد مواجهة دبلوماسية حقيقية بين الأطراف، بل مجرد انتقام من طرف خاسريقف على حافة الهاوية، لطرف رابح.
هذا هو شكل الإيقاع القادم حتى إشعار آخر من تجليات الحرب على سوريتنا التي اختصرت معسكري الخير والشر بالعالم.
عشتم وعاشت سورية وعاش شرفاء العالم.
(صفحة السيدة عبير الراوي المشاركة بسوتشي)
(مع التصرف والإضافات )