زمن التريودي…
القسم الثاني
نتناول في هذا القسم المرحلة الثانية من فترة التريودي التي تتضمن الصوم الاربعيني المقدس، والمرحلة الثالثة وهي الأسبوع العظيم المقدّس
المرحلة الثانية الصوم الأربعيني
تتضمّن هذه المرحلة خمس آحاد: أحد الأرثوذكسيّة – أحد القدّيس غريغوريوس بالاماس – أحد السجود للصليب المقدّس – أحد القدّيس يوحنّا السلّمي – أحد القدّيسة مريم المصرية.
تقام في هذه المرحلة
– صلاة النوم الكبرى (من الإثنين إلى الخميس)
– صلاة المديح لوالدة الإله الّذي لا يُجلس فيه (في مساء كل يوم جمعة من الأسابيع الخمسة الأولى وهي كناية عن خمسة مدائح بشكل أن المديح الخامس هو مجموع المدائح الأربعة الأولى)
– كما يقام قداس البروجيازميني (السابق تقديسه) في كنائس ابرشية دمشق مساء الاربعاء…
– ملاحظة: يقام مساء يوم الجمعة في الأسبوع السادس صلاة النوم الصغرى مع قانون لعازر.
1- أحد الأرثوذكسيّة
هو الأحد الأول من الصوم، نعيّد فيه تذكار تعليق الأيقونات المقدّسة ورفعها بعد حقبة طويلة من السنين عُرفت بحرب الأيقونات وذلك في القرنين الثامن والتاسع ميلادي.
استمرت حرب الأيقونات 120عاماً، حيث دُمّرت وحُرقت الكثير من الأيقونات وسُفكت فيها دماء كثيرين من الرهبان والمؤمنين الذين دافعوا بشراسة عن لاهوت الأيقونة وارتباطها بسر التجسّد. أسباب شتّى ومختلفة أدّت إلى هذا الإضطهاد الدموي، منها من داخل الكنيسة نفسها، ومنها عوامل خارجيّة محيطة ومعتقدات اخرى مختلفة ومضادة، ولكنهّا كلّها لها جوهر واحد: رفض تجسّد المسيح وبالتالي ضرب مشروع الخلاص كلّه بعرض الحائط. وهذا طبعًا شيطاني.
2- أحد القدّيس غريغوريوس بالاماس
حددّ آباؤنا القدّيسون في الأحد الثاني من الصوم من كلّ عام، أن نقيم تذكاراً لأحد كبار آباء الكنيسة، القدّيس غريغوريوس بالاماس وذلك لأهميّة سيرة الآباء القدّيسين وتعاليمهم.
القدّيس غريغوريوس بالاماس كان راهباً وناسكاً في الجبل المقدّس في بلاد اليونان، مِن ثَمَّ أصبح رئيساً لأساقفة مدينة تسالونيك. هذا الأب عُرِفَ بِحُبِّهِ وعِشقِهِ لله، وترك كتابات كثيرة. من أهمِّ الموضوعات التي تحدّثَ عنها القدّيس غريغوريوس بالاماس موضوع النعمة، نعمة الله، مجدِهِ ونُورِه.
أراد أن يُخبرَنا أن الذين يتبعون الربَّ ويُحِبُّونَه ويسعون ليكونوا معه، يكافؤون بنور مجده الإلهيّ. كما يُذكِّرُنا بما حدث مع التلاميذ يوم التجلّي، عندما ظهر الربُّ أمامَهُم وكشفَ لهم مجدَهُ، وتحوّلَتْ ثيابُه إلى بيضاء ناصعة، أكثر بياضاً من الثلج، ونورُه أقوى من الشمس. هذا هو مجد الله ونوره الذي غمرنا به، نحن أحبّاءَه والذين نُرضِيه في حياتِنا على هذه الأرض.
3- أحد السجود للصليب المقدّس
كان الصليب في السابق اسماً للقصاص والعقاب، أما الآن فهو اسم للفخر والاحترام، كان الصليب في السابق موضع عار وعذاب، أما الآن فأصبح سبب مجد وشرف. عليّه تمجّد الإله طوعاً وقدّم نفسه فديّةً وذبيحةً لأجل كلّ واحدٍ منّا.
يُنصَب الصليب في وسط الصوم لتشديد المؤمنين كما يوضع الهدف والإكليل أمام المجاهد في وسط السباق لزيادته حماسةً.
وبما أنّ الصليب هو مجد يؤكدّه قول المسيح ” أيها الآب مجدّني بالمجد الذي كان لي عندك قبل تأسيس العالم” (يو5:17).
فالصليب هو قمة خلاصنا، الصليب هو مصدر عشرات الآلاف من الخيرات، بواسطته صار المنبوذون الساقطون مقبولين في عداد الأبناء.
4- أحد القدّيس يوحنّا السلّمي
في الأحدين الأوّلين من الصوم، تشدّد الكنيسة على استقامة الرأي وسلامة العقيدة، وفي الأحدين الأخيرَين، تنصب إزاءنا جمال الفضائل من خلال قدّيسَين عظيمَين: القدّيس يوحنّا السلّمي معلّم الرهبان، والقدّيسة مريم المصريّة المثال الأعلى للنساك ولكلّ تائب.
تستدعي الكنيسة انتباهنا في هذا الأحد إألى أهميّة الحياة الروحيّة والجهاد الروحي.
يحمل هذا الأحد إسمَ أب قدّيس من القرن السابع ميلادي عاش في سيناء وكان مثالًا للتوبة ومعلّمًا للفضيلة وكتب بطلب شديد من أحد رؤساء الأديار كتاب ” السلّم إلى الله “.
هو كتاب مهم جدًا عن الفضائل وارتقائها كتبه بعد جهادٍ نسكيّ مشهود له دام حوالي الأربعين سنة.
كتابه من أهم الكتب الروحيّة والرهبانيّة، ولم يزل مصدرًا كبيرًا لكثير من الأباء القدّيسين.
5- أحد القدّيسة مريم المصرية
قبل دخولنا الأسبوع العظيم أرادت الكنيسة أن تضع أمام قلوبنا صورة هذه التائبة علّنا نعود الى يسوع قبل الفصح لنلتقط الضياء المشع من وجهه على الصليب. فالكنيسة تقول لنا اذا عرفنا سيرة هذه القديسة ان خطايانا نحن قادرون ان نغسلها بالدموع واننا قبل ان نفعل هذا تكون اعمالنا ظاهرية ليس إلاّ.
مريم هذه كانت تتعاطى الفسق منذ اول بلوغها في الاسكندرية في القرن الرابع. ولكن أثناء عبورها عتبة
الكنيسة في أورشليم منعها الله فوقفت منذهلةً وأجهشت بالبكاء. لم تكن تعلم بوقتها أن هذه الدموع كانت لمعمودية جديدة وقيامة جديدة وحياة جديدة. فخلعت عنها ثياب الخطيئة قاصدةً الصحراء لتتنسّك لحوالي سبع وأريعين سنة أضحت بعد هذه الفترة النسكية الطويلة كائنًا ملائكيًّا تناول القدسات لمرّةٍ ورقد ليكون كتابًا مفتوحًا تتعلّم منه الأجيال الإيمان والصبر والجهد والتوبة.
* سبت لعازر:
– هو سبت استباقي للقيامة المجيدة. وتتميّز الصوات فيه بأنّها الصلوات المعادة في أيام الأحد. وهو من الأعياد السيّديّة.
– فيه يعلن يسوع الانتصار على الموت إذ لعازر كان قد أنتن في القبر وقد مضى على موته أربعة أيّام.
* أحد الشعانين (أحد دخول الرّب يسوع إلى أورشليم)
بعد إقامة يسوع لعازر من الموت والمعروف بسبت لعازر تحتفل الكنيسة بدخول يسوع إلى أورشليم. ” أوصنّا ” في الأعالي. ” خلّصنا” أيّها الملك الآتي. تتميّز الخدمة الطقسيّة بأنّها ليس كسائر الآحاد، بل خدمة عيد سيّديّ، فلا تقال تبريكات القيامة، مثلاً.
والحق إنّ يسوع يدخل أورشليم كملكٍ ليعتلي الصليب عرشًا.
ما أعظم هذا اليوم! فملك المجد، الله المتجسّد، الله الذي أصبح إنسانًا يأتي بمشيئته إلى أورشليم ليصلب.
دخل الرّب أورشليم فوجد الإنسان مسمّرًا بخطاياه، فأنزله بيديه وحمل خطايا البشر جمعيهم وفرد يديه على الصليب طوعًا ليقيمنا معه إلى حياة أبديّة.
ث- المرحلة الثالثة الأسبوع العظيم المقدّس
تبدأ هذه المرحلة من عشيّة أحد الشعانين حيث تقام صلاة الختن الأولى إلى سبت العظيم المقدّس.
شرح ليتورجي
– القوانين
في خدمة صلاة السحر التي تقام يوميًّا، نتلو ما يسمَى ب “القوانين”. وهي مجموعات من الصلوات المرتّلة. وكلّ قانون يتألّف من تسع أوديات (تسبيحات)، على أساس التسابيح التسع الّتي في العهد القديم.
يبدأ استخدام كتاب التريودي كل مساء سبت وكل يوم أحد ابتداء من أحد الفريسي والعشار في صلاة الغروب.
أما في أحد مرفع اللحم، نبدأ باستخدامه يوميّاً حتى سبت النور.
وتكون الصلوات في أسبوع مرفع الجبن مزيجًا من التريودي والمعزّي، ما عدا يومي الأربعاء والجمعة حيث تكون الصلوات مثل الصوم تمامًا.
أما الأوديات الثلاث، فيبدأ استعمالها مع بدء الصوم الكبير إذ تُتلى كلّ يوم الأودية الثامنة والأودية التاسعة، مع أودية أخرى بحسب الأيّام. فالإثنين مثلاً، تتلى الأوديات الأولى، والثامنة والتاسعة، والثلاثاء، الأوديات الثانية، والثامنة والتاسعة، إلخ.
الأوديّة
الأودية في الليتورجيا الأرثوذكسيّة هي قطعة مرتلّة من القانون الذي يتلى في صلاة السحر، عدد الأوديات في كلّ قانون تسع. إلاّ أن الأودية الثانية حذفت في كلّ أيام السنة عدا في أيام الصوم الأربعيني.
الأوديات التسع مرتكزة معنى ومبنى على التسابيح المأخوذة من الكتاب المقدّس والموجودة في كتاب السواعي الكبير وهي بالتتالي:
– التسبحة الأولى لموسى (خروج 1:15-19)،
– التسبحة الثانية أيضاً لموسى (تثنية الاشتراع 1:32-42)،
– التسبحة الثالثة لأم صموئيل (صموئيل 1:2-10)،
– التسبحة الرابعة لحبقوق النبي (2:3-19)،
– التسحبة الخامسة لأشعياء النبي (أشعيا 9:26-20)،
– التسبحة السادسة ليونان النبي (1:2-9)،
– التسبحة السابعة للفتيان الثلاثة (دانيال 26:3-56)،
– التسبحة الثامنة للفتيان الثلاثة (دانيال56:3-88)،
– التسبحة التاسعة لوالدة الإله ولزخريا والد يوحنا المعمدان (لوقا 46:1-55 و68:1-79)
خلاصة
كاتب الأودية يستوحي من الكتاب المقدّس ولكنّه يعيد صياغة الأفكار الكتابية بشكل ينم عن عمق روحي وفهم عميق لسر التوبة، يتذكّر ويعترف بخطاياه الكثيرة ويتحسّس يوم الدينونة ويرهبها، لكنّه يؤمن إيماناً عميقاً بالله، ويترك ذاته لعظم مراحمه.
هذا الإيمان وهذا الرجاء إذا ما تحرّكا بالتوبة يخلّصان الإنسان كما خلُص داود حين صرخ: “ارحمني يا الله كعظيم رحمتك”. هذه هي القيامة الحقيقيّة. المسيح قام حقاً قام.
(صفحة بطريركية انطاكية الارثوذكسية – بتصرف)