لماذا يتكنى اليهود بالسامية؟
ماهي السامية واللا سامية؟ القسم الاول…
توطئة
تتعالى أصوات مسؤولي الكيان االصهيوني دوماً، فيسارعون الى رفع الأصوات ضد كل من يتهمهم بالعنصرية والبطش وخاصة ان أنصف الفلسطينيين والعرب دافعين باتهام جاهزهو معادٍ للسامية، واي قرار تتخذه كل منظمة انسانية ودولية بالأمر ذاته، حتى الامم المتحدة… وهي ارفع منظمة عالمية تتهم بهذا الاتهام كما حصل عندما اعترفت بالشعب الفلسطيني وحقوقه وحقه في العودة الى فلسطين بنتيجة لكلمة ياسر عرفات في ثمانينات القرن الماضي وبأنه اتى الى هذه المنظمة وهو يحمل غصن زيتون من اجل احلال السلام…
وكان رد الكيان الصهيوني الدخيل وقتها بأن قرار الامم المتحدة هذا معادٍ للسامية ، وهذا يعني ان المنظمة وكل دول العالم التي وافقت على هذا القرارهي معادية للسامية اي معادية لليهود.
وفي الحقيقة فإن الصهيونية ومن بعدها وليدها الكيان العبرييتهمان شعوب العالم بعداء اليهود تحت ما أطلقت عليه مصطلح “العداء للسامية”، وقد حرصت منذ اغتصابها لفلسطين على إلصاق هذه التهمة بالشعوب العربية والإسلامية، داعية اليهود المقيمين في المنطقة العربية للهجرة إلى فلسطين بدعوى أن العرب ارتكبوا جرائم ومجازر ضد الأقليات اليهودية (وهي مزعومة) كسورية ولبنان ومصر وتونس واليمن…
وكانت أحداث سياسية متسارعة، منها إقدام الكثير من الدول العربية علناً وسراً بكل اسف لتطبيع علاقاتها مع هذا الكيان الغاصب والاعتراف به، وما قرار الرئيس الأميركي ترامب بأن القدس عاصمة اسرائيل، وبنقل السفارة الأميركية اليها. إضافة الى الاتفاقيات التي نفذتها مصر والاردن والسلطة الفلسطينية منذ اتفاقية كامب ديفيد ووادي عربة واوسلوالا كنتيجة لهذا السعي للتطبيع باملاءات اميركية، كله اعطى ادارة ترامب امكانية الاعتراف هذا، بالرغم من غزارة الدم الفلسطيني البريء الذي اريق رفضاً لهذا الاعتراف، وادى الى تصاعد في استعمال هذا المفهوم لكل من عارض هذا القرار الجائر، ماترك تساؤلات عن هذا المصطلح: “السامية” والتصاقها باليهود و”معاداة السامية” اي معاداة اليهود.
لذلك فإن مفهوم “العداء للسامية” مفهوم صهيوني صرف معناه الحرفي “ضد السامية”، ويترجم أحيانا إلى العربية “بالمعاداة للسامية”، و”اللاسامية”، و”كراهية السامية”.
أصل مصطلح السامية
كلمة السامية، ترجع في أصولها الأولى لواحدة من أشهر الشخصيات الدينية التي وردت في الكتاب المقدس وفي عدد من الأحاديث النبوية كذلك، وهي شخصية سام بن نوح.
ورد اسم سام في العديد من المقاطع في سفر التكوين، حيث تمت الإشادة به في الكثير من المرات، وكانت أهمها على الإطلاق ما ورد في الإصحاح التاسع «مُباركٌ الرَّبُّ إِلَهُ سَام. وليكُنْ كنعانُ عبداً لهُ.”
والساميون وفقاً لهذا هم سلالة سام بن نوح، وهو أيضاً مصطلح توراتي حيث تقسم الأجناس البشرية إلى ثلاثة أقسام هي:
الساميون
ينسبون الى سام بن نوح، وعادة يشار بهم الى الشعوب الساكنة في شبه الجزيرة العربية، وبلاد مابين النهرين، وفي سورية الهلال الخصيب، وان كانت التوراة قد أخرجت الكنعانيين من اسرة الساميين وضمتهم الى الحاميين بغضاً بالآشوريين والكلدانيين نتيجة السبيين الذين حصلا لليهود كنوع من الانتقام منهم.
الحاميون
ينسبون الى حام بن نوح، ويقصد بهم الشعوب الساكنة في القارة الافريقية بلونهم الاسود وملامحهم المعروفة.
اليافثيون
يُنسبون الى يافث بن نوح، وهم أصل الشعوب الهندو- أوربية الساكنة في منطقتي الشرق الأقصى وأجزاء من الشرق الأدنى، وبلاد فارس والشعوب الآرية والأوربية وهو تقسيم عرقي يقوم على اساس من اللون.
وهكذا يقصد بالعداء للسامية عداء الشعوب اليافثية والحامية (الهندو- أوروبية والأفريقية) للشعوب السامية. وقد تم اختزال “العداء للسامية” باليهود فقط، وإخراج بقية الساميين من حظيرة السامية، واعتبار اليهود ساميين يعيشون في مجتمعات ليست سامية هي المجتمعات الهندو- أوروبية.
بموجب الفكرة الصهيونية يعتبر سام أهمّ أبناء نوح وأعظمهم على الإطلاق، وارتبط ذلك بالاعتقاد بتفوقه على باقي أخوته، وامتداداً لذلك، كسب أبناءه بالتبعية درجة أهم من بني عمومتهم جميعا.ً
وفي كتابه الشهير “ديانة الساميين”، يُعرف المؤرخ الإسكتلندي روبرتسن سميث، الشعوب السامية، بأنها هي: “تلك المجموعة من الشعوب التي تنتمي إلى أصل واحد، وتشمل العرب والعبرانيين والفينيقيين والأراميين والبابليين والأشوريين والتي سكنت منذ القدم شبه الجزيرة العربية الكبرى بما فيها أراضي سورية وما بين النهرين والعراق من شواطئ المتوسط إلى سفوح جبال إيران وأرمينيا”.
ورغم أن الاعتقاد التوراتي التقليدي يتفق مع الاعتقاد الإسلامي، على أن العرب واليهود ينحدران معاً من ذرية سام وبالتحديد ابناء ابراهيم، إلا أنه وبحسب ما يذكره الباحث لورانس دافيدسون في كتابه الإبادة الثقافية، فإنه وتحديداً منذ أواسط القرن التاسع عشر، قد بدأ تخصيص مصطلح “السامية” للإشارة إلى اليهود الذين يعيشون في اوربة، ويعانون من الاضطهاد الديني الذي تفرضه المجتمعات الأوروبية عليهم.
هذا يعني أن اليهود الأوروبيين هم الذين اخترعوا مصطلح “معاداة السامية”، وبالأصل هم لا ينتمون إلى الساميين، بل هم أوروبيون يعيشون في أوربة منذ عام 70م بعد أن تم طرد الرومان اليهود من فلسطين وتشتيتهم في كل بلاد العالم فيما يعرف ب”الشتات اليهودي” العام 70 للميلاد بعدما قضت الحملة الرومانية بقيادة تيطس على ثورة اليهود ضد الرومان، ودمرت اورشليم وحرثت أرضها بالمحراث لئلا تقوم لليهود قائمة مجدداً في فلسطين، وساقت من تبقى من اليهود بموكب النصر سيراً على الاقدام الى روما.
وعاش اليهود بعد شتاتهم، في كل أوربة بأحياء خاصة بهم، وكانوا مكروهين جداً بسبب ماقاموا به من ممارسات عدائية بحق مواطنيهم منها الربا الفاحش، وخطف للمسيحيين وخاصة الأطفال لاستنزافهم واستخدام دمائهم في فطير صهيون في الفصح الناموسي ( وهي حالة انتقامية من المسيح والمسيحية التي دمرت اليهودية وفق تفكيرهم، وكما كانوا يفعلون في دمشق وحلب…
( انظرها في موقعنا هنا بعنوان الذبائح التلمودية) وكم ثارت عليهم الشعوب الاوربية وخاصة في المانيا رداً على قتل اولادهم وأذاقوهم مر العذاب والتهجير مما زاد في انغلاقهم في تلك المجتمعات، (وفي اسبانيا قبل وصول المسلمين اليها، وازدهار اوضاعهم في زمن المسلمين… وانعكاس الآية مجدداً بعد طرد المسلمين …) وصولاً الى تولي ادولف هتلر والنازية الحكم في المانيا عام 1933، وما رافق ذلك من تصاعد لنزعة تمجيد العرق الآري في ألمانيا، وقد استقر مدلول كلمة “السامية” كمصطلح عرقي يكافئ ويضاد مصطلح الآرية، وبدأ الحديث عما أشتهر ب”معاداة السامية”، والتي صارت تعني معاداة اليهودية، وبالتالي الإدعاء بمحرقة “الهولوكست”…
كان (الصحفي وليام مار أول) من استخدم مصطلح “معاداة السامية” عام 1879 وذلك لتمييز الحركة المضادة لليهود.
وبدأت تظهر الكتابات المعادية لليهود في ألمانيا مثل كتابات (يوغين دورنغ) ضد السيادة اليهودية على الحياة الألمانية والداعية إلى اتخاذ معايير لتصحيح هذا الوضع، وذلك بعدما لقيت هذه الحركة دفعة قوية على يد (المستشار الألماني بسمارك).
وقد نشأت جماعة أو “جمعية معاداة السامية” بعدما تمكنت من جمع 255 ألف توقيع يطالب بطرد اليهود، كما قامت مظاهرات عدة في بعض المدن الألمانية مؤيدة لهذا الاتجاه. وقد رفعت ضد اليهود تهمة القتل الطقوسي (تهمة استنزاف الدم المعروفة “دم لفطير صهيون”) التي وجهت لهم في العصور الوسطى
وكسب حزب معاداة السامية 15 مقعدًا عام 1893 في الرايخ وانتشرت الحركة المعادية للسامية من ألمانيا إلى بقية البلاد الأوروبية، وتجددت في روسيا الاضطهادات الدينية عام 1881. وتم تكوين جماعة معادية للسامية في النمسا عام 1895 وتكونت إدارات صريحة معادية للسامية في فيينا رئسها كارل لويجر. وفي المجر ظهرت تهمة القتل الطقوسي للمجريين ذاتها عام 1882. ووصلت الظاهرة إلى فرنسا (رائدة التحرير اليهودية) وانتشرت الدعاية المضادة لليهود بواسطة بول بونتو وإدوارد درومونت مؤلف كتاب “فرنسا اليهودية”. (1886)
وفي إنجلترا وإيطاليا والولايات المتحدة ظهرت أشكال معاداة السامية. وفي أول مؤتمر دولي لمعاداة السامية طولب بتطبيق قيود متعصبة ضد اليهود. وقد أعطى هوستون ستيوارت تشامبرلاين قاعدة فلسفية لهذا المفهوم وذلك بوضعه الألمان على قمة البشرية ووضعه اليهود في أدنى سلم البشرية.
وقد أدى نشر “بروتوكولات حكماء صهيون” بعد الحرب العالمية الأولى إلى دعم الاتجاه المعادي للسامية، فقد أظهرت البروتوكولات رغبة يهودية في السيادة العالمية، مما أدى إلى إحياء الدعاية المعادية للسامية. وقامت ثورات عنيفة ضد اليهود في المجر عام 1920. وفي الولايات المتحدة دعم هنري فورد الحركة المعادية لليهود معنوياً ومالياً. وفي ألمانيا جعل أدولف هتلر معاداة السامية أحد المبادئ الأساسية لبرنامج حزبه النازي.
مغالطات المصطلح
يلاحظ أن مصطلح العداء للسامية يحتوي ضمناً على العديد من المغالطات التاريخية والإثنية، إذ إن اليهود الأوروبيين الذين اخترعوا هذا المصطلح لا ينتمون إلى الساميين، بل هم أوروبيون يعيشون في أوربة منذ عام 70م بعد أن طرد الرومان اليهود من فلسطين وشتتوهم في كل بلاد العالم فيما يعرف ب”الشتات اليهودي” ( كما اسلفنا). وقد تغيرت الأوضاع العقلية والجسمانية لليهود الذين شتتوا في البلاد الأوروبية، وفقدوا المواصفات الشرقية (السامية) وأصبحوا أوروبيين وذلك من خلال عدة عوامل.
في بحثنا عن السامية والساميين وتخصيص اليهود انفسهم بها، لابد من التحدث عن العبرانيين حيث هي صفة لليهود وبين العبرانية والسامية عند اليهود أصل واحد.
العبرانيون
هم الشعوب البدوية المهاجرة من أرض الرافدين إلى فلسطين، وفي الكثير من الأوقات يُطلق اسم العبرانيين على اليهود، لدرجة أن لغتهم تعرف باللغة العبرية، كما يعرف الشعب اليهودي بالشعب العبري.
أصل تسمية العبرانيين
يحيط بهذه التسمية الكثير من الشكوك والأقوال المتضاربة، ففي سفر التكوين ورد اسم أحد أجداد اليهود الكبار وهو عابر ابن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح.
في الكتاب المقدس، ان كلمة العبرانيين تنصرف الى اليهود الذين عبروا البحر الأحمر بقيادة موسى عند خروجهم من مصر في طريقهم الى فلسطين ارض الميعاد وانتصارهم على المصريين.
الدكتور أحمد شلبي في كتابه “اليهودية”، يقدم رأياً آخر، فهو يرى أن تسمية العبرانيين قد اشتقت من عبور إبراهيم من العراق إلى فلسطين عدداً من الأنهار، لعل أهمها نهري الفرات والأردن.
أما الدكتور إسرائيل ولفنسون في كتابه “تاريخ اللغات السامية”، فيرجح أن لفظة “عبري” ليست خاصة بإبراهيم بقدر ارتباطها بالشعوب السامية التي تحركت وهاجرت من بلاد الرافدين إلى جنوب الشام، وأنه لما كانت تلك الشعوب هي شعوب بدوية قبلية تعتمد على التنقل والترحال من مكان لآخر، فإن الإسم الذي عُرفت به قد اشتق من لفظة عَبَرَ، التي تدل على الهجرة وقطع الأراضي والفيافي.
وتُعد أقدم الإشارات التاريخية التي ذكرت العبرانيين، هي تلك التي وردت في “رسائل تل العمارنة” والتي ترجع لأواسط القرن الرابع عشر قبل الميلاد، حينما أرسل بعض الولاة التابعين لمصر، إلى امنوحتب الرابع (أخناتون) لإبلاغه بهجوم قبائل العابيرو أو الخابيرو عليهم، طالبين منه الإسراع في تقديم المساعدات إليهم.
معنى ذلك كله، برأي ولفنسون، أنّ لفظة العبرانيين لا تعبر بشكل دقيق عن اليهود، ولا تصف مجموعة عقائدية أو عرقية على وجه التحديد، بل إنها على الأرجح تشير إلى حركة هجرات بشرية كبرى تمت منذ ما يزيد عن الثلاثة ألاف عام، وكانت محصلتها النهائية استقرار عدد من الشعوب المختلفة في فلسطين، وكان من أهم تلك الشعوب الآراميون والعموريون والأموريون بالإضافة إلى الشعب الإسرائيلي (المنتسب الى اسرائيل اي يعقوب بن اسحق بن ابراهيم كما في الفقرة التالية).
“إسرائيل”: اسم النبي الذي تحول لاسم شعب
من أكثر الأسماء التي التصقت باليهود على مدار التاريخ، هي تسميتهم ببني إسرائيل، حتى أن تلك الكلمة قد عرف بها الكيان الغاصب الذي أقاموه على أرض فلسطين عام 1948م
إسرائيل هو الاسم الذي اشتهر به النبي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وتكاد جميع المصادر الدينية الإبراهيمية تتفق فيما بينها على أن هذا الاسم خاص بيعقوب وأنه لم يطلق على أحد غيره. ونشير الى ان اسم اسرائيل من اللغات السامية، ومركب من كلمتين هما:إسرا “مختار” أو “عبد” عبد، وائيل: هو الله. ووفق العهد القديم ان الله اختار يعقوب ليقود شعبه المختار.
الإشكالية الحقيقية تكمن في تفسير معنى ذلك الاسم، ذلك أن العهد القديم من جهة والإسلام من جهة أخرى، نظرا إلى يعقوب بشكل مختلف بحيث أعطي الاسم تفسيراً مختلفاً في كلّ منها.
فيما يخص العهد القديم فقد ورد تفسير اسم إسرائيل بشكل واضح في سفر التكوين، عندما ورد أن يعقوب قد مُنح هذا اللقب من الله، بعدما صارعه وجاهده، فاستحق أن ينال هذا الاسم الذي يعني قوي مع الله أو الذي جاهد مع الله.
أما في الإسلام، فقد ورد اسم إسرائيل أكثر من مرة في القرآن والحديث، ولم ترد تفسيرات مباشرة لذلك الاسم، وهو الأمر الذي جعل عدداً من المفسرين والعلماء المسلمين يحاولون البحث عن تفسير لغوي له يتفق مع النظرة الإسلامية العامة التي تنزه الإله وتنظر بعين التقديس والاحترام للأنبياء والرسل.
من تلك التفسيرات، تفسير مجمع البيان للطبرسي، الذي ورد فيه أن إسرائيل تنقسم إلى مقطعين، وهما “إسرا” بمعنى عبد، و”إيل” والتي تشير إلى الله، وكذلك قال البعض الآخر، بحسب الشيخ محمد حسان، أنّ مقطع “إسرا” مشتق من الإسراء، واستشهدوا على ذلك بما تواتر عن إسراء الله بيعقوب ليلاً.
فإذا ما ابتعدنا عن الكتب الدينية المقدسة والتفتنا للمصادر التاريخية، لوجدنا أن أقدم ذكر للشعب الإسرائيلي، يتمثل في لوحة مرنبتاح التي تعود للقرن الثالث عشر قبل الميلاد (والتي يحفظها لنا المتحف المصري في القاهرة). بحسب (المؤرخ الفرنسي فلندرز بتري)، الذي اكتشفها في الأقصر عام 1896م، الكلمة الواردة في آخر أسطرها هي لفظة إسرائيل، وإن كانت هناك ترجمات أخرى لنفس الكلمة، حيث يرى عددٌ من علماء المصريات أنها تشير إلى مدينة وواد شمال كنعان، ويعتقد البعض الآخر بأنها تعبير يصف ليبيا متابعة لما ورد قبلها في النص.
يتبع … في القسم الثاني