اللواء أرام كارا مانوكيان 1910-1996
آرام كارا مانوكيان (1910-1996) عين قائداً عاماً للقوات المدفعية السورية خلال حرب فلسطين عام 1948 وبفي في منصبه حتى عام 1957. بالإضافة إلى دوره المشرف في تنظيم الجيش.
مقدمة
تميز الأرمن عموماً والسوريون خصوصاً بميزات عديدة منها النبوغ والتألق والمهارة، والاخلاص في العمل، والاخلاص لوطنهم المعذب أرمينيا وإخلاصهم للاوطان التي لجأوا اليها وتحديداً ارمن سورية، ولم يسجل التاريخ في أي مكان غدر ارمني بالوطن البديل بل كانوا جنوداً متميزين لخدمته ومواطنين صالحين… وخاصة في سورية ولم يبيعوها تحت اي ثمن، ولم يضعوا ايديهم بأيدي اعداء سورية، وشهروا السلاح وطعنوها من الوجه او الخلف كما فعل الكثيرون من الذين استضافتهم سورية وخاصة في العدوان الكوني على سورية منذ 2011…
وبالعودة للتاريخ وانا ساهمت في كتابة بعض ما، من التاريخ الارمني في كتابتي لسيرة جدي وفاء لبني امي الارمن، ولجدي المناضل الثائروالفدائي القائد المؤسس للوحدات الفدائية الارمنية الرائد في الجيش التركي منذ المجازر 1915 ديكران اواكيميان اللاجيء الى سورية فور نجاته من حبل المشنقة، والتي أحبها وبالذات دمشق التي فتحت ذراعيها لاستضافته كما استضافت بحب وحنو لبقية الارمن المنكل بهم بادلوها إخلاصاً ومحبة… وكان جدي ديكران رحمه الله تواقاً لتأسيس جيش أرمني يستعيد فيه استقلال بلاده، كما رسم لحظة نجاته من حبل المشنقة، وقد كتبنا سيرته المؤلمة في موقعنا هنا تحت عنوان “أفتخر بك ياجدي الارمني”
وأقول مع الاعلامية السورية السيدة رادو:” لو كان الأتراك يستطيعون تحويل جبل آرارات الى قبور للارمن لفعلوا ذلك منذ أمد بعيد… ففي العام 1915 استغل الأتراك انشغال العالم بالحرب العالمية الأولى واستغلوا طيبة واخلاص الشعب الأرمني في ارمينيا الغربية المحتلة الذي ارسل كل شبابه لخدمة لعلم استجابة للنفير العام الذي أعلنه الأتراك، وهم لم يعرفوا ان أبناءهم اقتيدوا الى أماكن منعزلة حيث حفروا قبورهم بأنفسهم ظناً منهم أنها خنادق دفاعية وتم قتلهم جميعاً ورميهم في هذه الخنادق.
وفي العام 1915 تم سوق كل القيادات من مفكرين وسياسيين وقادة أحزاب وأعضاء مجلس المبعوثان والأطباء والمحامين والأدباءوالشعراء ورجال الدين من الأرمن الى الموت.
اما الذين نجوا وشكلوا ارمن الشتات برعوا في شتى المجالات وذاع صيت العديد منهم في العالم أجمع قمن المعروف أن الأرمن اشتهروا بعشقهم للعمل في مختلف الميادين منذ القديم ويوجد في سورية التي احتضنت العديد من المهجرين ورعتهم وساندتهم الكثير من الأسماء التي وصلت الى العالمية في مجالات عدة.
منهم علمنا اللواء آرام كارا مانوكيان وغيره من ضباط أرمن خدموا في جيشنا السوري بكل كفاءة استدعوا ذكراً متألقاً دائماً مترافقاً مع اسمائهم،عند ذكرهم، وان كانوا من القيادات الاصغر في الجيش والشرطة والدرك في سورية عبر كل ادوارها ماقبل الاستقلال وحتى وقتنا الحاضر، إضافة الى أعلام اكاديميين واساتذة جامعات وفي مراكز الابحاث واطباء ومهندسين … وحتى في الامور الصناعية والحرفية… ناهيكم عن اخلاقياتهم الرفيعة وخاصة في خدمة سورية الام البديلة…
من هذا الضابط السوري الارمني الرفيع اللواء آرام كارا مانوكيان؟
هو من الضباط الاوائل المؤسسين للجيش السوري
السيرة الذاتية
ولد عام 1910 في عينتاب.
كان والده آغوب أفندي محامياً.
في فترة التهجير التي تعرض لها الأرمن، تم تهجير قسم كبير من عائلة كارامانوكيان إلى دير الزور، أما أفراد عائلة آرام فأرسلت إلى حماة حيث احتموا تحت الخيم لعدة أشهر ثم انتقلوا إلى السليمانية.
وأثناء تواجدهم تحت الخيم، كانت والدته تعلمه اللغة الأرمنية من خلال كتابة الأحرف على ورق، ثم من خلال نصوص الكتاب المقدس، لعدم توفر الكتب.
انتقلت العائلة إلى حلب بعد أن حصلت على إذن بالذهاب من وزارة الداخلية، وساعدهم فيها النائب السابق في مجلس المبعوثان هاروتيون أفندي بوشكيزينيان وهو من عينتاب أيضاً. دخل آرام مدرسة الأمجاد (هايكازيان) في حلب بين 1918-1923
لعدة أسباب منها عدم استقرار العائلة، ولأسباب مادية، لم يتمكن آرام من متابعة الدراسة بين عامي 1923-1928. إنما كان يقرأ الكتب في مكتب والده وينمي ثقافته ومعرفته. وفيما بعد، تدارك الأمر وحصل على تعليمه الأول في مدرسة أرمنية بحلب. ثم تابع دراسته في مدرسة الأخوة الفرنسية.
عمل لدى طبيب أسنان ليتسنى له التدرب في طب الأسنان عام 1924، ثم ساعده شقيقه ليتابع تعليمه الثانوي في كلية الأخوة الفرنسية عام 1928
أثناء ذلك اقتنع والده أن لا عودة إلى عينتاب، فعمل والده في مجال التدريس في العديد من المدارس لتأمين لقمة العيش. وبعد ذلك شارك أحدهم في مكتب للمحاماة.
في الجندية
وفي عام 1930 ترك آرام الدراسة وانخرط في الجيش الفرنسي. وفي ربيع عام 1932 التحق في الكلية العسكرية بدمشق بعد تجاوزه الامتحان، حيث تخرج عام 1934. ثم تم إرساله إلى بيروت حتى عام 1937 ليعود من جديد إلى حلب ويخدم في الفرقة المدعية.
تم إيفاده إلى فرنسا لاتباع دورة تطبيقات مدفعية في مدرسة فونتيلو في فرنسا بين عامي 1938-1939. وفي عام 1941 شارك في سورية في المعارك الانكليزية-الفرنسية، ومنح وسام صليب الحرب الفرنسية.
في أيار عام 1945 تم إيفاده من قبل رئاسة الأركان لاتباع دورة ضباط الأركان في المدرسة الحربية العليا في فرنسا.
خدم آرام في الجيش من 8/9/1932 حتى 2/4/1958، حيث تم ترفيعه في الرتب العسكرية على النحو التالي:
رفع لرتبة ملازم اعتباراً من 1/6/1934، ورفع لرتبة ملازم أول اعتباراً من 1/9/1938، ورفع لرتبة نقيب اعتباراً من 1/6/1942، وصنف برتبة مقدم اعتباراً من 1/11/1947، ورفع لرتبة عقيد اعتباراً من 16/4/1949، ورفع لرتبة عميد بتاريخ 1/7/1953، وسمي ضابط ركن بتاريخ 23/6/1953، ثم رفع لرتبة لواء اعتباراً من 1/8/1956. حيث تم تقليده في العام نفسه وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى.
كان كارامانوكيان يترأس العروض العسكرية التي كانت تقام بدمشق بمناسبة عيد الاستقلال بحضور الرؤساء والقادة العسكريين.
تميز بسمعته الحميدة وخصاله الطيبة وإخلاصه لواجبه الوطني وتفانيه في العمل. حاز على ميداليات وجوائز تكريمية من الحكومة السورية والفرنسية والمصرية واللبنانية والأرمنية.
مسؤولياته العسكرية
وأسندت إليه مسؤوليات عديدة في الجيش العربي السوري، فقد خدم على جبهة القنيطرة عام 1949
وخلال عام 1949 تم إيفاده إلى فرنسا لاتباع دورة عسكرية لمدة ستة أشهر في مدرسة الحرب العليا في فرنسا ليطلع على صنوف الأسلحة.
تم تعيينه عضو هيئة الأركان عام 1949-1950. وكذلك قائداً عاماً للقوات المدفعية السورية بين عام 1949-1957
والجدير بالذكر أنه شارك في حرب فلسطين 1948 ضد العدو الاسرائيلي كقائد لسلاح المدفعية السورية، وأبلى فيها بلاء حسناً، ورفع إلى رتبة لواء فيما بعد.
السلك الدبلوماسي
وبقرار من وزير الدفاع في 12/6/1957 نقل اللواء آرام قره مانوكيان من بطارية قيادة سلاح المدفعية إلى فوج القيادة العامة وعين ملحقاً عسكرياً لدى السفارة السورية في واشنطن اعتباراً من 11/6/1957
البرلمان السوري
بالإضافة إلى دوره المشرف في تنظيم الجيش وخدمة الوطن، وبعد تقاعده تم انتخابه نائباً عن حلب في المجلس التأسيسي والنيابي عام 1961. (كان عدد أعضاء حلب 11 مسلماً و5 مسيحيين. وجاء ترتيبه الثاني في قائمة مرشحي حلب). انتخب عضواً في لجنة الدفاع الوطني.
الدكتوراة
وفي عام 1964 اتبع العديد من الدورات في كلية الحقوق في بيروت، وفيما بعد انتقل إلى باريس، ليتمكن من متابعة دراساته العليا في جامعة باريس، حيث حصل على الإجازة، ورغم مرضه دأب على البحث وتفرغ للدراسة، وحصل على دكتوراه دولة في الحقوق الدولية العامة عام 1972 بعمر الستين. وكان موضوع الرسالة “الأجانب والخدمة العسكرية” حيث يتطرق إلى الحقوق الدولية والقانون الجزائي. وجاء في العدد 5-6 عام 1975-1976 من المجلة الشهرية الخاصة بوزارة الدفاع بقلم نبيل النفوري أن الاطروحة تعرض لدراسة واسعة في الحقوق الدولية العامة المتعلقة بالخدمة العسكرية التي يؤديها الأجنبي تطوعاً اختيارياً أو بصفة إلزامية في جيش غير جيش بلاده الأصلية.
الأوسمة
تم تقليده بعدة أوسمة رفيعة من سورية ولبنان ومصر، حيث قلدته الحكومة السورية وسام الاستحقاق السوري، ووسام الحربية، ووسام الحرب الفلسطينية.
ومنحته فرنسا وسام شرف كضابط حرب. أما الحكومة اللبنانية فمنحته وسام الاستحقاق. تم تقليده من قبل كاثوليكوس عموم الأرمن في أرمينيا وسام “نرسيس شنورهالي”، ومن قبل كاثوليكوس بيت كيليكيا في لبنان وسام “فارس كيليكيا”.
ومما يذكر عنه أنه كان مشجعاً للرياضة حيث كان يشارك ويحضر نشاطات “نادي ليك” فرع حلب لمباريات كرة القدم. سميت إحدى المدارس في (نور عنتاب)، قرية (عنتاب الجديدة) القريبة من يريفان في أرمينيا باسم اللواء آرام كارمانوكيان.
وفاته
توفي في نيويورك عام 1996 عن عمر يناهز 86 عاماً. وحسب وصيته نقل جزء من رفاته إلى يريفان (أرمينيا) ليدفن إلى جانب شقيقه ليفون، ونقل الجزء الآخر إلى حلب ليدفن في مقبرة الأرمن الأرثوذكس بحلب بحضور حشد من القيادات والفعاليات.
اهتماماته
شارك بنشاط في حياة الأرمن الاجتماعية، فكان من مؤسسي الجمعية الخيرية للشباب الأرمن في حلب، وشغل منصب رئيس الهيئة الاستشارية لمؤسسة كولبنكيان التربوية، وكان له العديد من المشاركات في جريدة “الفرات”.
يعد اللواء آرام كارامانوكيان الضابط الأرمني السوري الأول الذي تسلم دوراً قيادياً، وخدم الجيش العربي السوري مدة 32 عاماً بكل شرف وإخلاص ووفاء حتى تاريخ تقاعده.
الخاتمة
رائعة هي سورية الأم الحاضنة لأبنائها جميعاً في فسيفساء رائعة، حيث لدينا هذا القائد الارمني الكبير في الجيش الوطني الحبيب الذي خدم في ظروف نشأة الجيش السوري ماقبل الاستقلال، وكان له دوراً مميزاً بعد الاستقلال كقائد في المدفعية السورية التي اقضت مضجع الكيان العبري الدخيل قبل نكبة فلسطين الى مابعدها، وينقل عسكريون سوريون من مختلف الرتب العسكرية عن نبوغه وكفاءته كضابط مدفعية متميز بالرغم من ضعف التسليح ولكنه كان، كما قال احد الذين خدموا عنده كضابط صف رامي مدفعية كيف نشر بطارية المدفعية القليلة فوق المرتفعات المطلة على طبريا ومعظمها وهمي، ولكنه كان يستخدم المدافع الحقيقية القليلة بطريقة احترافية متميزة لامجال للخطأ في رميها واصابتها لأهدافها، وعلى قول الشهود كان يستخدم اية وسيلة من الوسائل حتى ولوكانت يدوية وبدائية في تحديد سموت الأهداف المعادية وخاصة منها قوافل المدرعات الصهيونية على ضفة طبريا ويعطي الامر بالقصف ويكون الهدف مدمراً، مايرفع معنويات مقاتليه الأمر الذي ساهم في ترفيعه وسط فرحة مرؤوسيه العارمة وكأن على قول شاهدنا كان الترفيع لهم جميعاً.
وبقي صيته مدوياً وخاصة في كل المعارك اللاحقة مااستدعى دوماً منهم كلمة اعجاب:” سقى الله اللواء ارام…”
تحية لذكرى هذا العلم السوري الأرمني، تحية لأرمينيا التي انحدر منها، وتحية له ولكل الارمن الذين عاشوا في سورية وخدموها باخلاص، وكان منهم جدي وكم كنت اتمنى لو تحققت امنيته.
مصادر البحث
– ارمن سورية…القصة مأخوذة من كتاب (الأرمن في المجالس النيابية السورية) للكاتبة نورا آريسيان.
– شهادات شفهية
-التاريخ السوري