مدافن عين الصاحب
إذا ما دخلت الى حلبون من الناحية الجنوبية وهو الطريق الوحيد للقرية فسوف يدهشك ذلك الفج الصخري المتشكل من جبلين اقتربا من بعضهما إلى درجة الإلتصاق وتركا بينهما ممراً ضيقاً يبعث الرهبة في النفس ويدهشك بجماله الطبيعي الأخاذ ، وعلى بعد أمتار قليلة من ذلك المدخل الصخري الفريد هنالك عين ماء تفيض عذوبة وغزارة تلك هي (عين الصاحب) التي انسحب إسمها أيضا على ما حولها من بساتين وجبال، ويشكل هذا المدخـل الصخري حصناً منيعاً لم يكن للإنسان يد في صنعه واستغل الإنسان القديم ذلك الممر الصخري الضيق في عملية الدفاع عن تلك المملكة المزدهرة قديماً وقام بنحت مجموعة من البوابات فوق جباه تلك الجبال الصخرية بطراز فني بديع وزينها بتماثيل وكتابات ونقوش زخرفية وتعرف هذه البوابات بمدافن عين الصاحب وهي من العهد الآرامي وتقع على الجانب الأيمن من الطريق المتجهه إلى بسيمة وفي الجبال المطلة على هذا الطريق أقيمت هذه المدافن الخمسة المحفورة في الصخر مثل مدافن بسيمة.
والمدافن الثلاثة منها عبارة عن قبور محفورة في الصخر وحفرت فوقها كوة وضع فيها تمثال جالس أو واقف للمتوفى وبجانب أحدها نقشت كتابة تشير الى اسم المتوفى وتاريخ وفاته، والمدفن الرابع حفر في الصخر أيضاً وحفرت له واجهة صغيرة مؤلفة من عمودين فوقهما جبهة مثلثة صغيرة .
أما المدفن الخامس وهو الأفخم فقد حفر القبر في الصخر وفوقه كوة وعلى جانبيه عمودان لكل منهما قاعدة وتاج من الطراز الدوري وفوقهما جبهة مثلثة فخمة وأمام المدفن مصطبة بدرج عريض .
وقد سجلت هذه المدافن في عداد المواقع الأثرية السورية بالقرار الصادر عن وزارة الثقافة رقم 171/ أ تاريخ 2/1/1998 م .
ذكر الرحالة الإنكليزي ( بورتر ) 1850 م في كتابه (خمس سنوات في دمشق) أثناء مروره بعين الصاحب هذه المدافن والبوابات وأسهب في وصفها، إلا أنه للأسف ومثل بقية الآثار الأخرى، جرى الإهمال على تلك البوابات بأساليب شتى، فبالإضافة إلى عوامل التعرية والحت التي قامت بها الطبيعة مما أضاع بعض معالم زخارفها كان للإنسان الجاهل بأهميتها دوراً كبيراً في الوقت الحالي في تشويه جمال تلك البوابات، إلا أن بعض المتنورين من شباب القرية عمل على حماية هذه البوابات من خلال نقل صورة واقعية عن هذه البوابات لهيئة الاثار والمتاحف بدمشق الذين سارعوا ووضعوا هذه البوابات ضمن الأماكن التي تشملها الخارطة الأثرية والتاريخية للمنطقة التي تحظى بالحصانة التاريخية.
كان للتنقيبات والجولات التي قامت بها البعثات الأثرية في محافظة ريف دمشق نتائج دلت على عراقة وحضارة هذه المنطقة وتم الكشف عن ما يسمى (معابد حلبون) وهما مبنيان قرب حلبون ؟! يمثل احدهما معبداً والآخر مذبحاً على شكل برجي يعود الى العصر الروماني واكتشاف تمثال نصفي لرجل يرتدي الزي الروماني وتقول بعض الكتب القديمة عن وجود قناة منحوتة في الصخر تمتد من سوق وادي بردى الى الضمير ويعتقد العوام أن القناة تسقي أرض العجم وتروى عنها الأساطير.
وإذا تجولنا في أرجاء القرية فسنجد مجموعة من الأبنية الأثرية منها الجامع ومئذنته القديمة وحمام القرية وجرن الماء في (ساحة العين)
وسنلقي نظرة على كل هذه الأوابد بشيء من التفصيل قدر الإمكان .
مشاهدات الرحالة (بورتر)
في القرن الثامن عشر وفي عام 1850 م قام الرحالة الإنكليزي (بورتر) برحلة إلى سورية امتدت لأكثر من خمس سنوات جال خلالها مناطق واسعة من سورية الكبرى واطلع على أحوال الناس في مناطق كثيرة ومنها مدينة دمشق وما حولها، وخرج بعد هذه الرحلة الغنية بكتاب وضـعه حول رحلته التاريخيـة هذه ووسـم هذا الكتاب باسـم “خمس سنوات في دمشق” ونقل إلينا من خلاله صورة دقيقة عن عادات وأحوال الناس ووصف الكثير من أوابدهم وعمائرهم بكل دقة وسلط الضوء على بعض هذه الشواهد الحضارية التاريخية والتى كان بعضها آخذاً في الإندثار بفعل الإهمال لما كانت عليه أحوال الناس في ذلك الوقت من جهل وتخلف .
وفي هذا الكتاب يصف هذا الرحّالة رحلاته إلى قرى منطقة القلمون ناقلاً لنا عبر ريشته وكلماته الوصفية صورة دقيقة للقرية مسلطاً الضوء من خلالها على الجانب التاريخي للقرية والآثار التي كانت تتوزع هنا وهناك في كل جوانب القرية وصورة جميلة عن جمال طبيعتها وغناها الاقتصادي والجمالي ونحن هنا نقوم بترجمة جزء من ذلك الكتاب حول مشاهداته عن قرية حلبون بعد أن وصف رحلته لقرى المنطقة التى أتاها قادماً من دمشق ماراً بكل من قرية معربا والتل ووادي التل ثم التوقف في قرية منين لينقل لنا صورة جميلة عنها وعن عمقها الحضاري والتاريخي وبعده يكمل مسيرته في الطريق إلى حلبون.
تعرف على «مدافن عين الصاحب»
هي عبارة عن خمسة مدافن
– المدفن الأول
خلف القبر تماماً، وفي سفح الجبل حفرت كوة عرضها بعرض القبر (نحو2م) وبارتفاع حوالي ثلاثة أمتار وبعمق حوالي نصف متر، وفي الجزء السفلي من الكوة، قاعدة التمثال بعرض 100 سم وارتفاع 85 سم، ومقطعها مثلثي الشكل يضيق للأسفل، ويتوضع فوق القاعدة تمثال منحوت بشكل نافر لشخص واقف بارتفاع 190 سم وعرض حوالي 75 سم وبروز حوالي 40 سم، ملامحه غير واضحة بسبب التلف، على جوانب الكوة، وعلى واجهة المدفن من اليمين واليسار توجد فجوات محفورة في الصخر. وفي القسم العلوي من داخل القبر، حفرت فجوتان على الجزء العلوي من الجدار الطويل أبعادهما 5×7 سم وعمق 2 سم، تبعد كل منهما عن الجانب العرضي القصير حوالي 50 سم، وتبعدان عن بعضهما حوالي 70سم.
– المدفن الثاني
يقع إلى الجنوب الغربي من المدفن الأول حوالي 50 م، شكله مشابه للأول، إلا أن المصطبة التي وضع فيها القبر حفرت مباشرة في سفح الجبل، طول المصطبة 250 سم، وبعرض حوالي 80 سم، حفر فيها القبر وفوقه كوة بعرض 220 سم وارتفاع 275 سم، تضم قاعدة مشابهة لقاعدة المدفن الأول وفوقها تمثال مخرب يبدو أنه كان نصفي أو بوضعية الجلوس.
نقشت كتابة يونانية إلى يمين الكوة تشير إلى اسم المتوفي” ليزيماكوس بن ادروس“.
– المدفن الثالث
يبعد نحو 150م عن المدفن الثاني باتجاه الجنوب الغربي، حفر في الأرض وخلفه على السفح نحتت واجهة تشبه واجهات المباني، معالمه الداخلية غير واضحة بسبب الردميات، عرض واجهته الداخلية 270 سم، وارتفاعها 170 سم، يوجد على جانبيها عمودان ملتصقان بالسفح، لكل منهما قاعدة وتاج عمود.. وفوق الأعمدة جبهة مثلثة ارتفاعها حوالي المتر.
– المدفن الرابع
يقع إلى الغرب من الثالث حوالي 30 م، يشبه المدفنين الأول والثاني
– المدفن الخامس
يقع إلى الجنوب الغربي حوالي 75 م، وهو المدفن الأضخم والأفخم.. تتقدم المدفن منصة متدرجة مؤلفة من سبع درجات، في نهاية القسم الأخير حفرت الواجهة في سفح الجبل بعرض سبعة أمتار، وارتفاع حوالي أربعة أمتار تعلوها جبهة مثلثة بارتفاع حوالي مترين ونصف.
على جانبي الواجهة عمودان قطرهما نحو 60 سم بارتفاع 320 سم يستندان على قاعدة، وفي الأعلى تاج من الطراز الدوري، وفي الواجهة بين العمودين، وعلى ارتفاع حوالي المتر، حفرت مصطبة بعرض 300 سم حفر فيها القبر بعرض 50 سم وطول 200 سم وعمق 65 سم، وحفرت خلفه كوة بعرض المصطبة (300 سم) وارتفاع 200 سم.
سجل الموقع على لائحة المواقع الأثرية الوطنية بالقرار رقم 171 تاريخ 2/1/1998