Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1470

القديس يوحنا الدمشقي

$
0
0
القديس يوحنا الدمشقي
القديس يوحنا الدمشقي المدعو باليونانية : Ιωάννης Δαμασκήνος. تقول بعضُ المصادر بأنه روميّ من عرق آرامي أو عربي، غير أن بعض المصادر تقول بأنه من بني تغلب. لُقّب بدفاق الذهب نظرًا لفصاحة لسانه. ولد بإسم منصور بن سرجون بين العامين 655م و660م في دمشق خلال حكم الدولة الأموية، من عائلة مسيحية نافذة إذ كان والده يعملُ وزيرًا في بلاط الخلافة الأموية، وكذلك كان يعمل جدُّه كرئيسٍ لديوان الجباية المالية فيها قبل إحتلال العرب، في سنة 634، بلاد المشرق الرومية. وقد شغلَ يوحنا الدمشقي نفسه هذه الوظيفة فترةً من الزمن، ومن ثم دخل إلى دير القديس سابا قرب أورشليم في فلسطين بعد بداية خلافة هشام بن عبد الملك، وقد جمعته صداقةٌ معه ومع عدد من الخلفاء قبله.والجديرُ ذكره أنَّ العربَ إضطروا للإبقاءِ على آلةِ الإدارة الرومية بسببِ إفتقارهم للخبرة والعلم. وإستمرَّت الإدارةُ الأموية طويلاً في إستعمالِ اللغة اليونانية في الوثائق والحسابات.
في بداية حياته، عاش منصور عيشة الدمشقيين الأثرياء السهلة، وكان من روّاد البلاط الأموي بالنظر إلى مكانة والده عند الخلفاء. ربطته بيزيد بن معاوية صداقةٌ حميمة، وكان يتحسّسُ الشعر ويتذوقه وتهتزُ مشاعرُه لدى احتكاكِه بشعراء الصحراء. ويرى عدد من الدارسين أن بعض تآليفه تأثَّرت بهذا الاحتكاك، لاسيّما أناشيدَه وقوانينه. كما اكتسب من رفقته بيزيد معرفةَ القرآن والديانةِ الإسلامية.
‏هذا ويظهر أن يوحنا شغل منصباً إدارياً رفيعاً في زمن الأمويين، قد يكون أميناً للأسرار أو مستشاراً أوّلاً. وقد أقامَ على هذا النحو زماناً إلى أن أخذ الحكّامُ العرب يضيّقون على المسيحييين بعد أنْ إستقرَّت الأمورُ لهم. ولما أصدر الخليفة عمر الثاني (717-720م) قانوناً حظّر فيه على المسيحيين أن يتسلّموا وظائف رفيعة في الدولة ما لم يُسلِموا أوّلاً، تمسّك يوحنا بإيمانه وتخلى عن مكانته. وجاءَ في كتاباتِ يوحنا أنَّ الإسلامَ كما كان يراه كان هرطقةً خارجةً من المسيحية تأثرَت بتعاليم راهبٍ آريوسيّ في العربية، يدعى بحيرا، وإنها تطوّرَت لدى من كانوا يُدعَون بالإسماعليين نسبةً لإسماعيل إبن إبراهيم من هاجر.
القديس يوحنا الدمشقي
القديس يوحنا الدمشقي
قبل أن يترهّب منصور بن سرجون في دير مار سابا المقدّس في فلسطين، شنّ الإمبراطور لاون الثالث بمساعدةِ ابنه قسطنطين الخامس، في بداية القرن الثامن الميلادي، حرباً على الأيقونات المقدسة متّخذاً منها موقفاً معادياً، فأطلق حملة واسعة لتحطيمِها وإزالة معالمِها وإشاعَ موقفاً لاهوتياً رافضاً لها. وقد سعى الإمبراطور لحمل الأساقفة، بالترغيب والترهيب، على الإذعان لرغبتِه حتى خفتت أكثرُ الأصوات المعارضة المتمسّكة بالأيقونات وإكرامها. وفعلَ الخليفةُ هشام بن عبد الملك الفعلَ نفسَه مانعاً تكريمَ الأيقونات في الدولةِ الإسلامية. فإمتدَّت الحملةُ الى البطريركية الأنطاكية وأورشليم.
ولما كانت العلاقاتُ ما زالت قائمةً ووطيدةً بين روم المشرق والقسطنطينية المدينة المتملكة، هبّ القديس يوحنا الدمشقي للدفاع عن الأيقونات، وبعثَ برسائل إلى جهاتٍ عديدة يطلب فيها مقاومةَ هرطقة الإمبراطور وقطعَه. وفي محاولة لإسكات صوت القديس يوحنا الدمشقي، طلب الإمبراطور من الخطّاطين لديه بتزوير خط القديس وكتابة رسالة وكأنها مرسلة إليه من القديس طالباً معونتَه للتخلص من الخليفة المسلم الذي يحكمُ دمشق. وأرسل الأمبراطور تلك الرسالة إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز مرفقةً برسالةٍ أخرى منه تتحدث عن سموّ مكانةِ الخليفة لدى الإمبراطور الروميّ ورغبةِ الأخير في إقامةِ صلحٍ وسلام دائمَين بينهما.
عندما واجهَ الخليفة القديس يوحنا الدمشقي بالرسالة المزعومة على أنها مرسلةٌ منه إلى الإمبراطور، حاولَ يوحنا الدفاعَ عن نفسه غير أنه فشلَ فأمرَ الخليفة بقطع يدِه اليُمنى. غير أن القديس تمكَّنَ من استعادة يدِه المقطوعة وأخذَها إلى منزله ووضعَها أمام مفصلِه وكان يصلي ويتضرعُ إلى العذراء، وهو راكعٌ أمام أيقونتها، أن تعيدَ له يدَه إلى مكانها. وفيما هو غارقٌ في الصلاة غفَا. فظهرت له العذراء في الحلم تقول له “ها إن يدك عادَت صحيحة، فإجتهدْ أن تحقِّقَ ما وعدتَ به من دون تأخير”.
على إثر الأعجوبة، حاولَ الخليفةُ إعادةَ القديس إلى منصبه في الدولة الأموية واعداً إياه بإكراماتٍ جزيلة غيرَ أنَّ القديس قرَّرَ تركَ الحياة في العالم والذهابَ إلى دير مار سابا المقدّس للترهّب.
وفي إقامتِه في الدير، كانت ليوحنا الدمشقيّ أربعةُ أعمال كنسية أساسية كانت له فيها إسهاماتٌ جليلةٌ وجزيلةُ القيمة: الأول عقائديّ، الثاني جدليّ دفاعيّ، الثالث ليتورجيّ، والرابع موسيقيّ.
من جهة الأعمال الأدبية العقائدية، كان للقديس بضعُ مؤلفات أهمها كتاب “ينبوع المعرفة” الذي يشتملُ على ثلاثة أبواب، أحدها فصولٌ فلسفية هي بمثابةِ توطئة للعرض اللاهوتي وتحديدات لبعض الفلاسفة الأقدمين وآباء الكنيسة. يلي ذلك بابُ الهرطقات الذي هو عبارة عن توطئة لاهوتية تاريخية يتناول فيها مئة وثلاثة شيعٍ دينية زائفة وانتشارَها. وأخيراً جاءَ بيانُ الإيمان الأرثوذكسي الذي قسمه إلى مئة فصل أو مقال.
‏في الجدل الدفاعي، كتبَ القديسُ ضدَّ هرطقاتِ زمانه كلِّها: ” الآريوسية والنسطورية والطبيعة الواحدة والمشيئة الواحدة والمانوية وبدعة محطمي الأيقونات. كما وضع الخطوط العريضة لطريقة الجدل مع المسلمين وترك نبذة ضد الخرافات الشعبية”. أهم هذه الكتابات مباحثه الثلاثة الدفاعية ضد الذين يرذِلون الأيقونات المقدّسة.
‏في الليتورجيا، يُعزَى إليه إرساءُ أسسِ كتابِ المعزي وتأليفُ العديد من الستيشيرات والبروصوميات والإذيوميلات والكاثسماتات والطروباريات والقناديق والقوانين الكنسية بالإضافة إلى دور أكيد في تحرير تيبيكون دير القديس سابا.
معظمُ هذه المؤلفات موجودة الى اليوم، والكتب الليتورجية تُرجمَت الى العربية والى لغاتٍ كثيرة.
أما من الناحية الفنية الموسيقية، فلقد نظّمَ الألحانَ الكنسية الثمانية ووضعَ قسماً كبيراً من موسيقى كتاب المعزي (تراتيل القيامة) ولحّنَ العديدَ من القوانين والطروباريات، وساهمَ في وضع نظام العلامات الموسيقية. ولقد أكملَ في ذلك أعمالَ القديس رومانوس المرنّم الذي إنطلقَ من حمص في عهدِ الإمبراطور يوستنيانوس الكبير. وضعَ القديس يوحنا الدمشقي نظامَ علاماتٍ موسيقيةٍ سمّيت بالكتابة الأورشليمية. هو من أدخل الكتابةَ الموسيقيةَ الصوتيةَ المستعملة في أيامه في الموسيقى الكنسية، وأجرى في تلك العلاماتِ الموسيقية إصلاحاتٍ عديدةً، وأضاف إليها علاماتٍ جديدة فصارت 24 علامة، قسَّمها إلى نوعَين : علاماتٌ موسيقية تدلُّ على الأبعادِ السلمية σημεῖα τῆς ποςότητος وعلاماتٌ موسيقية تدلُّ على تكييفِ الصوت σημεῖα τῆς ποιότητος .
كما نظّم الفنَّ الموسيقيَّ الكنسيَّ الأرثوذكسي، وثبّتَ نظامَ تقسيم الألحان الثمانية الموسيقية للكنيسة الأرثوذكسية بتأليفِه جزءاً من كتاب الأكتويخس الطقسيّ الكبير، والذي هو عبارة ٌعن تراتيل القيامة مقسمةً بحسب الألحان الثمانية، إضافةً إلى وضع ترانيم عديدة خاصة بأعياد سيدية تُرنَّمُ في صلاة السحر الخاصة بتلك الأعياد ووضع لها أوزاناً موسيقية خاصة بها .
القديس يوحنا الدمشقي
القديس يوحنا الدمشقي
لقد أصبحَت الموسيقى الكنسية، على يدِ يوحنا الدمشقي، علماً متكاملاً يدرَّسُ بالتقليد والمعاهد اللاهوتية، ويخضعُ لقوانين واضحة.
يعتقدُ البعضُ أن البطريرك ساويريوس الأنطاكي، في القرن السادس، هو من وضع نظام الألحان الكنسية الروميّة الثمانية، ولكنَّ الحقيقة أنه ليس هو من وضعَها وإنما كان هذا النظام الكنسي الموسيقي قد سبق وجودُه في إنطاكيا وقد إستخدمه البطريركُ ذو الميول المونوفيزية بهدف نشر تعاليم الطبيعة الواحدة التي كان مدافعاً شرساً عنها. وقد رُفِضَت أعمالُه من الكنيسة الرومية وسُميت بالـ “الأُكتويخس السوري” . اتَّبَع البطريركُ في ترتيبِها نظامَ السنة الطقسية لا نظامَ الألحان الثمانية الموسيقية كما فعل القديس يوحنا الدمشقي. وقد إكتفى سويروس بوضع إشارةٍ تشيرُ إلى اللحن المتبع في كل نشيد، وبهذا يختلفُ الأُكتويخوس السوري عن أُكتويخوس القديس يوحنا الدمشقي كلَّ الإختلاف على المستويَين الموسيقي والعقائدي. ومن الجائز التذكير بأنَّ سويروس قد خُلِعَ عن كرسيِه الأنطاكي بسببِ معتقداتِه، ومنذ ذلك الحين، أقامَ البطاركةُ المونوفيزيون في الرها وبلاد ما بين النهرين.
في أوائل القرن الثالث عشر، تطوَّرت الكتابة الموسيقية القديمة، وأصبحَت أكثر وضوحاً، وأصبحَ عددُ العلامات الموسيقية 12 ، 8 للصعود و 4 للهبوط، وقراءةُ اللحن وإنشادُه أكثرَ سهولة. سمّيت هذه الكتابة الموسيقية بالجديدة، وقد أسموها أيضاَ الكتابة المستديرة نظراً لشكلِها وكانت كتابة العصر. في تلك الحقبة، عمّ استعمالُ الكتابة الموسيقية الأورشليمية التي وضعَها القديس يوحنا الدمشقي عندما دخلت القسطنطينية مع تيبيكون القديس سابا، فانتشرت في الأديار وامتزجَت بالكتابة الموسيقية الكنسيّة الجديدة ما انتج الكتابةَ الموسيقية الكنسية المختلطة. دامت تلك الكتابةُ الموسيقية الكنسية مدة قرنَين من الزمن، ثمَّ راحت تتطوّرُ مجدّداً في ظلِّ الدولةِ العثمانية.
رقد يوحنا بسلامٍ في الرب بين العامين 749 و 750 للميلاد. بقيت رفاتُه في الدير إلى القرن الثاني عشر حين جرى نقلُها إلى القسطنطينية حيثُ أودِعت كنيسة جميع القدّيسين القديمة بجانب القديسَين يوحنا الذهبي الفم وغريغوريوس اللاهوتي. ‏وقد أعلنَ المجمع المقدس السابع (787‏م) قداسةَ يوحنا واعتبرَه “بطل الحقيقة”. تعيّد له الكنيسة الأرثوذكسية المقدسة في 4 كانون الأول. وهو شفيعُ معهد اللاهوت في جامعة البلمند.
وبنتيجة هذه الحلقة، يمكنُ التركيز على النقاطِ التالية:
1. كان من أعلام الكنيسة الأرثوذكسية المدافعين عن الإيمان القويم ضد الهرطقات، ونَشَرَ العقائدَ المسيحية الصحيحة من خلال مؤلفاته الأدبية الكنسية واللاهوتية، وقد أغنى تراثَ الكنيسة الليتورجي بمؤلفاته اللاهوتية.
2. لم يكنْ هو مَنْ وضعَ نظام الألحان الكنسية الثمانية، وإنما قامَ بتنظيمها وتثبيتها.
3. طوّر نظامَ الكتابة الموسيقية الكنسية التي عُرفت بالكتابة الموسيقية الأورشليمية نظراً لإقامتِه في دير القديس سابا، وقد دخلَت القسطنطينيةَ مع تيبيكون القديس سابا، فانتشرت في الأديار وامتزجت بالكتابة الموسيقية الكنسية الجديدة، ما انتج الكتابة الموسيقية الكنسية المختلطة . يوحنا
الجمعية الثقافية الرومية

Viewing all articles
Browse latest Browse all 1470

Trending Articles