قصة مثل…
” عين بني آدم مابتملاها الا حبة التراب ”
تمهيد
مما لاشك فيه ان للأدب الشعبي خصوصية وتميز، وانه لايتوانى ان يوظف الخيال والخرافة وصولاً الى الهدف، وكي يكون لكل مثل شعبي قصة خاصة ان لم يكن هذا المثل وليد تجربة، فلا مجال هنا للهروب، ويجب اكمال القناعة بقصة ولو خرافية لتثبيت فحوى وجدوى المثل في ذهن سامعه، والطمع صفة كريهة وغير محببة لدى الناس، والكفاية عين الحكمة، وقد حاول المثل الشعبي اثبات هذه المنطقية بمقولة ان عين الانسان لا يملأها الا التراب، كناية عن الطمع الغريزي. وحب الذات واولوية الأنا في كل نفس، وان هذه الأولوية بحاجة الى رادع وضابط أحكمه حولها المثل الشعبي بحنكة ودراية منطقيتين.
قصة المثل
كان لأحد الملوك ابنة شابة جميلة جداً وقد حباها الله بحسن الأخلاق والتعامل مع الجميع برقة ونعومة رائعتين. وكان كل الناس يحبونها سواء من في القصر الملكي، وحتى من خارج القصر من عامة الشعب، يحب هذه الأميرة النبيلة ويحترمها.
في يوم من الأيام داهم الأميرة المرض، واخذ يضعف جسدها، فخارت قواها وانهارت طريحة الفراش، وقد اثقل مرضها هذا على والدها الملك ومن معه في القصر.
شاعت أخبار مرضها العضال هذا في كل المملكة فعم الحزن البلاد، وبدأ الأب يحضر خيرة الأطباء من كل انحاء العالم، حتى الحكماء في محاولة انقاذ الأميرة المحبوبة حتى أذن الله فساق لها حكيماً قام على علاجها حتى تم لها الشفاء الكامل، وعمت الفرحة القصر والبلاد، وباتت السعادة على كل الوجوه لشفاء الأميرة.
وهمَّ الحكيم يعد العدة للرحيل، فأحب الملك ان يجزل له العطاء، امتناناً لحسن صنيعه وحكمته، وبلغت الحيرة فيه كل مبلغ… ماذا سيعطي هذا الحكيم الذي انقذ حياة ابنته الأميرة؟ وقرر ان يستشيره ويخيره في اي ملك او تعويض…
استدعاه الى بلاطه فحضر، وقا له الملك:” اطلب ماتشاء ياحكيم، فقد عاهدت نفسي ان انفذ رغبتك مهما كانت…”
ضحك الحكيم واجاب الملك:” اني اشكر لك كرمك يامولاي، ولا اريد الا ان تملأ لي علبتي هذه…”
واخرج من جيبه علبة صغيرة بيضوية الشكل، لايزيد طول بعضها على الأربع سنتيمترات وناولها للملك…!
ضحك الملك مستغرباً زهد الرجل، وأعطى العلبة الصغيرة الى امين المال الملكي وأمره ان يملأها بسرعة ويعود،
اخذ امين المال العلبة ومضى، وطالت غيبته واستهجن الملك ذلك فاستدعاه مجدداً.
دخل الأمين والدهشة والاستغراب باديان على وجهه، وانتحى بالملك جانباً وقال له:” يامولاي، انها علبة سحرية، فقد وضعت فيها خزنة المال كاملة ولم تمتلىء، وانا حائر الآن ماذا افعل؟
لاحت علائم الدهشة والاستغراب على قسمات وجه الملك، وبدت الحيرة واضحة على وجهه فماذا سيفعل؟
وبادر الحكيم قائلاً:” هل تسخر مني ياهذا؟أتعطيني علبة سحرية لتأخذ كل ذهب المملكة، اليس هذا عيباً؟ وهل هذا جزاء كرمي وسخائي؟
ضحك الحكيم واجاب الملك:” معاذ الله يامولاي، واقسم لك انها ليست علبة سحرية، وسأملأها الآن وأمام عيني مولاي وبلحظة واحدة.”
اسرع الحكيم الى حديقة القصر وتناول حفنة من ترابها، وعاد الى بلاط الملك، واستدعى امين المال، وطلب اليه ان يحضر العلبة، احضر الأخيرة العلبة وحضر…
تناول الحكيم العلبة وألقى بها قليلاً من تراب الحديقة وتناول بعدها عدة ليرات ذهبية، والقاها في العلبة، فامتلأت دونما تعب او عناء…!
زادت دهشة الملك وامين المال،من هذا المشهد وسأل الملك الحكيم التبريرفحدثه الحكيم الحديث التالي:
” يامولاي ان هذه العلبة هي عين ابن آدم وقد عُرفت بطمعها وجشعها ولا يملأها الا التراب، وقد خيرتني أ آخذ ما اريد، وما انا الا واحد من عالمة الناس من شعبك يامولاي، فماذا سأطلب وعلى اي شيء أرمي اختياري طالما ان لي عيناً كهذه، وطمعاً لا احتمل اشباعه، لذلك يامولاي سأترك لك مايجود به كرمك على رجل مثلي قانعاً بما تعطي راضياً بما لدي؟
الخاتمة
فكر الملك ملياً بحكمة الرجل وسلامة رأيه وسداد نصحه، وزاد من تقديره واعجابه به، وبصراحته الجلية، فقر له التالي:
اوفر المال، وبمرتبة رفيعة بين مستشاريه وحاشيته يعينه على اقامة العدل وسياسة الملك.
وبات الحكيم في عيش هانيء سعيد وصار يؤثر في سياسة المملكة ككل.