تتناقل الكثير من المواقع الإلكترونية هذه الأيام موضوع إكتشاف انجيل أثري في تركيا، مع عنوان مثير يوضح ان الانجيل ينكر ألوهية المسيح وصلبه.
أزمة الأخلاق في الإعلامفي طريقنا لإيضاح ملابسات هذه القضية ، سنمر باختصار، على قضية اخرى لا تقل عنها خطورة وأهمية، الا وهي أزمة المهنية والأخلاق في الإعلام الحالي.
من المسلم به لكل ذي بصر وبصيرة أن الوسائل الإعلامية بمعظمها -لأسباب معقدة- بات همها الأساسي تغطية تكاليف استمرارها على قيد الصدور، سواء ما تبقى من المقروءة، أو الإلكترونية منها. فبدأت تعتمد أي طريقة تبقيها تحت نظر القارئ أو المشاهد، ومن جملة ما تفتقت عنه إبداعاتهم ، التلاعب بصياغة عنوان الخبر لتحويله من عادي الى مثير، فيدخل القارئ الى التفاصيل ليجد انها بعيدة عن العنوان الذي قرأه! أو إعادة نشر خبر قديم دون الإشارة الى زمانه، وكأن المطلوب من القارئ هو هذه “النقرة” التي تدخله الى صفحة الخبر. وفي هذه الحالة لا يوجد احترام لعقله ووقته، وقبل ذلك للأسس الأخلاقية لمهنة الصحافة، فهي وجدت لإيضاح الحقائق لا حجبها أو تزويرها أو تحويرها لتخدم شيئاً آخر غير الحقيقة.
على ان هذا كله يمكن استيعابه عبر ضمه الى مسلسل الإنهيارات الأخلاقية التي تعاني منها مسيرة العالم الحديث، من تفكك الروابط الوطنية والعائلية والأسرية. وإنقلاب مفاهيم الخير والشر، والصح والخطأ. لكن ما لا يمكن التسامح معه هو أن يتسبب هذا العبث بتسعير الفتن الدينية التي لم تهدأ بعد في أوطاننا العربية المثيرة للشفقة.
دأبت العديد من المواقع الإلكترونية في الأيام الماضية على تناقل خبر العثور على إنجيل أثري في تركيا يعود الى 1500 عام، وأنه يحتوي على ما يؤكد الطبيعية البشرية للمسيح كما يعتقدها المسلمون لا الطبيعة الإلهية كما يعتقدها المسيحيون.
ويعلم المتابعون لهذه القضايا أن المسألة برمتها قديمة وتعود إلى سنة 2012، وسبق ان اخذ الموضوع نصيباً وافراً من الإعلام، حين أعلنت السلطات التركية عن العثور على هذا الإنجيل بحوزة مهربين كانوا ينوون نقله الى خارج تركيا، وقدر ثمنه بـ25 مليون دولار، المعلومات الشحيحة التي أطلقها وزير الثقافة التركي السيد أرطغرل غوناي، تقول أن العملية تمت سنة 2010 ولكن الكشف عنها حصل سنة 2012، وأن العمر التقريبي لهذا الإنجيل هو 1500 سنة. وهو مكتوب على اوراق جلدية وباللغة الآرامية أي لغة السيد المسيح الأصلية. وتم نشر صورة يتيمة له تداولتها المواقع الإخبارية في وقتها.
المثير في الموضوع ليس تاريخ كتابة الإنجيل والتي تعود الى 500 عام بعد المسيح فهناك نسخ اقدم بكثير، ولكن الإعلان عن ان هذا الإنجيل هو إنجيل “برنابا”، وهذا الإنجيل مرفوض من الكنيسة المسيحية بكافة طوائفها حيث تعتبر أن مسلما كتبه في القرن الخامس عشر. بينما لم يتبناه المسلمون بشكل رسمي لأنه على الرغم من ورود البشارة فيه بالنبي محمد، الا أنه احتوى على مسائل كثيرة تتعارض مع الدين الاسلامي. كما لم يرد ذكره في أي مرجع توثيقي قبل القرن الخامس عشر، وبقي هذا الإنجيل مادة دسمة كأخبار الجن والسحر، لملء أوقات الفراغ، وتحفيز الخيالات في السهرات الشعبية.
إن أول نسخة معروفة من انجيل برنابا موجودة في المتحف البريطاني حالياً، يعود تاريخها الى سنة 1563 تقريباً، وهي مكتوبة باللغة الإيطالية، نفس لغة الشخص المتهم بكتابته وهو رجل دين مسيحي إيطالي اعتنق الإسلام، وهذا لعله ما يفسّر محاولة الدمج بين الإسلام والمسيحية في مضمونه.
عقيدة الصلب
إن مما لا يرغب الكثير من المسلمين بتعلمه عن المسيحية، أن مسألة واقعة صلب من عدمه، ليست قضية هامشية، أو مجرد إثبات حادثة تاريخية، والجدل حول هل حصلت أم لم تحصل؟. فالمسيحية قائمة على هذه العقيدة أي الفداء، وهي أن المسيح ارتضى لنفسه الصلب فداء للبشرية وليحمل وزر خطاياها. ويستدل عامة المسلمين على نفي واقعة الصلب بالآية القرآنية في سورة النساء “وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّـهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴿157﴾ بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿158﴾” مع أن التفسير المعتمد والعقيدة الإسلامية تعتبر أن الصلب قد حصل فعلا ولكن لشخص شبيه بالمسيح.
مربط الفرس في هذه القضية هو تاريخ الإنجيل المكتشف، فلو ثبت أنه يعود الى 1500 سنة، فإن هذا سيخلق إشكالية يصعب تفسيرها، ويضع الكنيسة في موقف صعب. لأن الكثير من المطاعن على هذا الإنجيل، تعتمد على ابراز عبارات ومصطلحات فيه لم تكن تستعمل قبل القرن الخامس عشر، تاريخ كتابته المفترضة. وسيكون على المسلمين أيضاً تفسير سبب عدم ذكر الكتاب في أي من مصنفاتهم ومراجعهم في القرون الأربعة عشر الماضية. وقد طلب الفاتيكان رسميا من الحكومة التركية الإطلاع على الإنجيل وفحصه، لكن دون الحصول على هذا الإذن حتى اليوم.
السؤال الذي يتبادر الى الذهن في هذه القضية هو: لو كان عمر الكتاب هو فعلا 1500 سنة، فهل كانت الحكومة التركية ستتكتّم على الموضوع؟ وهي حكومة حزب العدالة والتنمية الذي يعتبر أن هناك حرباً صليبية حالية على الإسلام!. والذي هدد بإرجاع كنيسة آيا صوفيا الى مسجد. وأعاد ها اردوغان ورفع الآذان فيها فعلياً منذ فترة انتقاماً من بعض المواقف الأوروبية. هذا الحزب الذي يحلم ويعمل على إستعادة ما يعتبره أمجاداً للدولة العثمانية. لم يكن ليوفر هكذا فرصة في تدعيم رؤاه وعقيدته الفكرية والسياسية. وتوجيه ضربة حاسمة لأعدائه الفرنجة (الصليبيين كما يسميهم)، ويكون سببا لهداية العالم.
ومما يلزم لحاظه في هذه القضية هو سهولة عملية التأكّد من عمر الكتاب المذكور لأنه مصنوع من الجلد الطبيعي، والمعروف أن كل ما هو مكون من خلايا حية كالعظام والجلود والأخشاب وبزر الزيتون، وحتى الصباغ المستخرج من عصير النباتات، يمكن التأكد بسهولة من عمرها -مع هامش خطأ بسيط نسبياً- عبر إجراء فحص الإشعاع الكربوني. حتى ولو كانت متحجرة. والأمر لا يستغرق أكثر من دقائق معدودة. فهل يعقل أن السلطات التركية لم تجرِ هذا الفحص، وإذا أجرته ما المانع من السماح لخبراء الفاتيكان بإلقاء نظرة فاحصة عليه والسماح لهم بفحص قطعة صغيرة لا تتجاوز الميليمتر المربع؟ ولماذا لم يحسم هذا الأمر وترك معلقاً منذ 7 سنوات؟(كتب هذا النص عام 2019).
فلماذا انخرطت مواقع اخبارية مرموقة في الترويج لهذه الأضاليل دون اعتبار للمساس بالشعور المسيحي العام؟ ماذا لو كان المكتشف قرآنا محرّفاً أو ناقصاً كيف سيكون التعامل مع المروّجين له حينها؟ الأمر المرجح هو أن هذا الكتاب كذبة مفبركة لشد الإنتباه والكسب المادي غير المشروع، وقد سبق تسجيل قضايا تزويرمماثلة في عالم التجارة بالآثار، خاصة في إطار السعي الإسرائيلي- اليهودي لإثبات علاقة اليهود بالأراضي المقدسة.
قال الفاتيكان إن الكتاب المقدس (الإنجيل)، الذي اكتشف حديثاً ويقدر عمره بحوالي 2000 عاماً ووجد في تركيا، يقول إن «يسوع المسيح لم يصلب كما يعتقد الجميع عادة». بحسب «يورو نيوز واير».
ويقول الكتاب، الذي يتم الاحتفاظ به الآن في متحف الإثنوجرافيا بأنقرة، أن المسيح لم يصلب، كما أنه لم يكن ابن الله الحرفي، بل كان فعلاً نبياً، ويكشف أن يسوع صعد إلى السماء على قيد الحياة، وأن يهوذا إسكاريوت صلب بدلا منه. بحسب الموقع.
وتم العثور على الكتاب مع عصابة من المهربين في عملية منطقة البحر الأبيض المتوسط، والتي اتهمت بتهريب الآثار والحفريات غير القانونية وحيازة المتفجرات، وتبلغ قيمة الكتب نفسها 40 مليون ليرة تركية (حوالي 28 مليون دولار).
ووفقا للتقارير، يصر الخبراء والسلطات الدينية على أن الكتاب أصلي، والكتاب نفسه مكتوب بحروف ذهبية، على جلد مرتبط بالأرامية، وهي لغة يسوع المسيح، مضيفا أن النص يحافظ على رؤية مماثلة للإسلام، ما يتناقض مع تعاليم العهد الجديد المسيحية، ويقول إن المسيح يأتي بعده النبي محمد، الذي بشر بالإسلام بعد 700 سنة.
ويعتقد أن الكنيسة الكاثوليكية، خلال مجلس نيقيا، اختارت الأناجيل التي تشكل الكتاب المقدس كما نعرفها اليوم، وحذف إنجيل برنابا من بين العديد من الآخرين لصالح الأناجيل الأساسية الأربعة من متى ومارك ولوقا ويوحنا، وقد بدأت العديد من النصوص الكتابية في الظهور على مر الزمن، بما في ذلك نصوص البحر الميت والأناجيل الغنوصية؛ ولكن هذا الكتاب خصوصا يثير الكثير من القلق داخل الفاتيكان.
وطلب الفاتيكان من السلطات التركية السماح لهم بفحص محتويات الكتاب داخل الكنيسة.
كتب في
(المصدر: مجلة المجتمع)/ منتدى العلماء
ثالثاً دين الله لا يُنصر بالأكاذيب .. إنجيل تركيا مثالًا
بقلم أ. سامي عامري
وردني عن عدد من الأفاضل هذا المقال التالي الذائع على تويتر: “الفاتيكان يصدم العالم المسيحي ويقلب النصرانية رأسا على عقب!! بإعلانه العثور على نسخة من الإنجيل من العهد القديم عمرها أكثر من 2000 عام، تؤكد أن المسيح عليه السلام ليس الله، ولا ابن له، وأنه لم يُقتل” ا هـ
قلت: صاحب المنشور جمع إلى الجهل الكذب..
أما الجهل فقوله: “نسخة من الإنجيل من العهد القديم”، والإنجيل شيء غير العهد القديم، فكيف يكون منه؟!
ومن جهله قوله: “عمرها أكثر من 2000 عام”، والصحيح أنّ عمر هذه النسخة 500 سنة فقط؛ إذ إنّه مكتوب بخط واضح في هذه الوثيقة أنّها قد نسخت بيد رهبان دير في نينوى “في سنة ألف وخمسمائة من [ميلاد] ربّنا” “ܒܫܢܬ ܐܠܦܐ ܘܚܡܫܡܐ ܕܡܪܢ”.
ومن جهله أنّ النص الإنجليزي للفديو يزعم أنّ هذه الوثيقة هي إنجيل برنابا، بحسم، والأمر ليس كذلك كما سيأتي..
ومن كذبه قوله: ” الفاتيكان يصدم العالم المسيحي ويقلب النصرانية رأسا على عقب!!”.. والفاتيكان لم يُصدم، ولم يُعلن شيئًا، بل كثير من الغربيين أصابتهم صدمة لانتشار هذه الدعوى بين المسلمين..
ومن كذب صاحب الفديو أنّ هذا الإنجيل قد كتب بلغة المسيح، والصحيح أنّ أنّّ المسيح قد تكلّم الآراميّة الجليلية، وأمّا هذه الوثيقة فمكتوبة بآراميّة متأخرة..
ومن كذب صاحب الفديو أنّ النصارى قد اختاروا الأناجيل الأربعة وتركوا ما عداها في مجمع نيقية في القرن الرابع.. والصحيح أنّ مجمع نيقية لم يتعرض البتة إلى أمر الأناجيل الرسمية والمرفوضة (ولي فديو على النت في ذلك).
هذ الإنجيل الذي أعلن عن اكتشافه في تركيا سنة 2012م –وقد وُجد في قبرص سنة 2000م-، مجهول المضمون، فلم تصدر في دراسة نّصه دراسة واحدة إلى الآن.. وكلّ ما نعرفه عنه أنّه إنجيل كتب بالسريانية منسوخ في نينوى سنة 1500م ..
يذهب عدد من الباحثين إلى أنّ هذا الإنجيل هو إنجيل برنابا. قلتُ: إنجيل برنابا إنجيل مزيّف كتب في العصر الإسلامي على يد نصرانيّ أسلم –على الراجح-، وفيه نفَسُ غلاة الصوفيّة المسلمين.. وهو معروف منذ القرن الثامن عشر –وأصله أقدم بقرنين أو أربعة على الراجح-.. وقد كنتُ قديمًا أدافع عن أصالة هذا الإنجيل -متابعة لما شاع في المكتبة العربية- ثم مع دراسة أبوكريفا العهد الجديد تبيّن لي أنّ نص هذا الإنجيل مقطوع الصلة كليّة بالتراث القديم، وأنّ ظاهر التلفيق فيه واضح..
انتشار خبر النسحة السريانية المكتشفة في تركيا باعتباره نصرًا للدعوة، لا يؤول إلّا إلى تشويه الدعوة نفسها بتقديمها على أنّها تتبّع الوثائق المزوّرة لنصرة الدين.. الإسلام في غنى هذه الوثيقة، والفاتيكان لم يصدم العالم النصراني.. الفاتيكان لن يصدم العالم النصراني إلا عندما يجتهد أبناء الإسلام في البحث العلمي المحقّق بدراسة النقد النصّي، والنقد الأعلى، واللاهوت المقارن، والنصرانيات المبكّرة، ويسوع التاريخي، والأركيولوجيا الكتابيّة..
(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين)
https://youtu.be/5iEQsmX8CNk
رابعاً ما هي حقيقة الانجيل “السري” المكتشف في تركيا؟ Linga
تناقلت وسائل الاعلام مؤخرًا خبر اعلان تركيا بان لديها نسخة من الانجيل تعود الى 1500 عاماً والتي يتنبأ فيها المسيح عن مجيء محمد رسول الاسلام. أول من اشار الى الخبر صحيفة و موقع الديلي ميل و من ثم نشرته المواقع العربية والاسلامية كموقع قناة العربية الشهير.
بعد قرائتي لهذا الخبر قمت بتصفح المواقع والمدونات الاسلامية لأرى ردة الفعل. فهناك من اعتبر ذلك نصرًا لرسول الله واخرون اعتبروها علامة الانتصار على قوى الكفر والظلام ومنهم من اعتبرها الساعة المعينة ليعلن الله جل جلاله للمسيحيين الكفار الحق بعدما عاشوا في الباطل قرون طويلة.
لو فرضنا أن عمر هذا الانجيل يعود الى 1500 عامًا، و هو يؤمن بنبؤة محمد و ينكر الوهية وصلب المسيح ووقوع شبهة الصلب على يهوذا بدلا من المسيح، فان التاريخ المحتمل لهذا الانجيل هو في القرن السادس الميلادي، اي قبل الاسلام. فان كان الامر كذلك، لماذا لم يُشر اليه علماء المسلمون في مؤلفاتهم الاسلامية المعتبرة، كمروج الذهب للمسعودي. والبداية والنهاية للامام عماد الدين، والقول الابريزي للعلاّمة احمد المقريزي، والذين نرى ان هؤلاء الاعلام سجلوا في كتبهم ان انجيل المسيحيين انما هو الذي كُتب بواسطة اصحاب الاناجيل الأربعة، وهم متى ومرقس ولوقا ويوحنا. ومما قاله المسعودي: (وذكرنا اسماء الاثني عشر والسبعين، تلاميذ المسيح وتفرقهم في البلاد واخبارهم وما كان منهم ومواضع قبورهم. وان اصحاب الأناجيل الاربعة منهم يوحنا ومتى من الاثني عشر ولوقا ومرقس من السبعين). التنبيه والاشراف صفحة 136. وان كان وُجد قبل الاسلام فعلا، لما اختلف فقهاء المسلمين كالطبري والبيضاوي وابن كثير، وفخر الدين الرازي في آخرة المسيح، وفي تحديد الشخص الذي قيل انه صُلب عوضًا عن المسيح. فلو كانوا على يقين لأجمعوا من غير خلاف على ان الذي صُلب هو يهوذا الاسخريوطي.
كما هو واضح لنا، فإن الانجيل “السري” الموجود في تركيا هو احد مخطوطات أنجيل برنابا وهو انجيل منحول ومرفوض من قبل الكنيسة. إن انجيل برنابا لا يمت الى المسيحية بصلة وانما هو شهادة زور على الإنجيل المقدس، ومحاولة تشويش على الدين المسيحي. مثله كالقرآن الذي كتبه مسليمة الكذاب، أو القرآن الذي ألفه الفضل بن ربيع. وهذا الكتاب المنسوب الى برنابا نقله الى العربية الدكتور خليل سعادة عن نسخة الانكليزية سنة 1907، وذلك بايعاز من السيد محمد رشيد رضا، منشئ مجلة المنار. فرفضه المسيحيون رفضًا باتًا، لأنه كتاب مزيف.
لو بحثنا في التاريخ لوجدنا ان النسخة الاصلية لهذا الانجيل المنحول ظهرت لأول مرة عام 1709 وذلك لدى كريمر مستشار ملك بروسيا. ثم اُخذت منه واودعت في مكتبة فيّنا عام 1738 وإن كل العلماء الذين فحصوها، لاحظوا ان غلافها شرقي الطراز وان على هوامشها شروح وتعليقات باللغة العربية ويستدل من فحص الورق والحبر المستعملين في كتابتها، انها كتبت في القرن الخامس عشر او السادس عشر .
يميل بعض العلماء المدققين الى الاعتقاد، بان كاتب انجيل برنابا هو الراهب مارينو، بعد ان اعتنق الاسلام، وتسمى باسم مصطفى العرندي. ويميل بعض آخر الى الاعتقاد بأن النسخة الايطالية ليست النسخة الاصلية لهذا الكتاب. ويلاحظ مطالع انجيل برنابا المزعوم، ان للكاتب المامًا واسعًا بالقرآن. لدرجة ان الكثير من نصوصه يكاد يكون ترجمة حرفية لآيات قرآنية. وفي مقدمة اصحاب هذا الرأي، العلامة الدكتور هوايت سنة 1784 .
في الحقيقة، ان اول من ينبغي ان يرفض انجيل برنابا هم المسلمون انفسهم لانهم اي المسلمين يعتقدون بان الانجيل قد اوحي الى عيسى و ليس برنابا كما تقول الاية 46 من سورة المائدة “وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ”.
و سنرى هنا أن انجيل برنابا يتناقض مع القرآن، فكيف يهلل له المسلمون وهو يناقض كتابهم. ساذكر بضعة الامثلة على سبيل المثال لا الحصر:
1- يقول انجيل برنابا أن مريم ولدت بغير ألم فيقول في الفصل الثالث من عدد 5-10″ فسافر يوسف من الناصرة احدى مدن الجليل مع امرأته وهي حبلى … ليكتتب عملاً بامر قيصر. ولما بلغ بيت لحم لم يجد فيها مأوى اذ كانت المدينة صغيرة وحشد جماهير الغرباء كثير. فنزل خارج المدينة في نزل جعل مأوى للرعاة. وبينما كان يوسف مقيماً هناك، تمت ايام مريم لتلد، فأحاط بالعذراء نور شديد التألق وولدت ابنها بدون ألم”. بينما رواية القرآن تؤكد انها تألمت كغيرها من النساء فيقول القران ” اذ يقول فحملته فانتبذت به مكانًا قصيًا فأجاءها المخاض الى جذع النخلة، قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا” (سورة مريم 22 – 23 ) فالمخاض هو اوجاع الولادة.
2- يقول انجيل برنابا والفصل 155: 13 ” لما خلق الله الانسان خلقه حراً ليعلم ان ليس لله حاجة اليه، كما يفعل الملك الذي يعطي الحرية لعبيده ليظهر ثروته وليكون عبيده اشد حباً له” وهذا النص يخالف بشدة ما جاء في القران حيث يقول “كل انسان الزمناه طائرة في عنقه” ( الاسراء 13 ) وقد فسر هذه الآية الجلالان بالاسناد عن مجاهد بالقول : ما من مولود يولد الا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي او سعيد.
3. يقول انجيل برنابا في الفصل 178: 6: “الحق أقول لك إن السموات تسع. بينما يقول القران “تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ” (سورة الأسراء 44).
كتب الكاتب الكبير عباس محمود العقاد في جريدة الأخبار بتاريخ 26 أكتوبر 1959 م. موضوعاً عن إنجيل برنابا من خمس نقط رئيسية:
ا- لوحظ فيه كثير من العبارات في الإنجيل المذكور: أنه كتب بصيغة لم تكن معروفة قبل شيوع اللغة العربية في الأندلس وما جاورها.
2- وصف الجحيم في إنجيل برنابا يستند إلى معلومات متأخرة لم تكن شائعة بين اليهود والمسيحيين في عصر الميلاد.
3- إن بعض العبارات الواردة به قد تسربت إلى القارة الأوربية نقلاً عن المصادر العربية.
4- ليس من المألوف أن يكون السيد المسيح قد أعلن البشارة أمام الألوف باسم محمد رسول اللّه.
5- تتكرر في هذا الإنجيل بعض أخطاء لا يجهلها اليهودي المُطلع على كتب قومه، ولا يردده المسيحي المؤمن بالأناجيل المعتمدة من الكنيسة، ولا يتورط فيها المسلم الذي يفهم ما في إنجيل برنابا من المناقضة بينه وبين نصوص القرآن.
ولم يكن العقاد الوحيد من الكتّاب المسلمين الذين اعترضوا على انجيل برنابا فهناك كتّاب كبار امثال د. محمد شفيق غربال و علي عبد الواحد وافي رئيس قسم الفلسفة في جامعة القاهرة سابقا و اخرون.
وقد ذكر د. خليل سعادة وهو الذي ترجم الكتاب إلى العربية في مطلع القرن العشرين (15 مارس 1908 في القاهرة، وقدم له بمقدمة تاريخية جاء فيها: “ثم أنه لم يرد ذكر لهذا الإنجيل في كتابات مشاهير الكتاب المسلمين سواء في العصور القديمة أو الحديثة، حتى ولا في مؤلفات مَنْ إنقطع منهم إلى الأبحاث والمجالات الدينية مع أن أنجيل برنابا أمضى سلاح لهم في مثل تلك المناقشات. وليس ذلك فقط، بل لم يرد ذكر لهذا الأنجيل في فهارس الكتب العربية عند الأعارب أو الأعاجم أو المستشرقين الذين وضعوا فهارس لأندر الكتب العربية من قديمة وحديثة”.
بعد سرد كل هذه المتناقضات بين انجيل برنابا و القرآن، هل ما زال يؤمن ألاحبة المسلمون بصحة هذا الانجيل المنحول؟
و من الطريف ذكره ما جاء في هذا الانجيل المنحول ما يتناقض مع جغرافية فلسطين حيث ورد في الاصحاح 20 :1-2 ان يسوع ركب بالسفينة من بحر الجليل (طبريا) الى مدينة الناصرة حيث يقول “وذهب يسوع الى بحر الجليل ونزل في مركب مسافرًا الى الناصرة ، مدينته ، فحدث نوء عظيم في البحر حتى اشرف المركب على الغرق”. بالطبع مدينة الناصرة مدينة جبلية و ليست بحرية و تبعد عن بحر الجليل الى الغرب اكثر من 30 كلم و تقع في الجليل السفلي و لا يوجد بها بحر او شاطيء.
بعد أن توضح أن أنجيل برنابا زائف وأن لا نبؤة عن رسول الاسلام في الانجيل المقدس، أدعو مراجعة مقالي السابق: هل تنبأ الكتاب المقدس عن محمد؟
نسخة باللغة الايطالية من انجيل برنابا و تظهر الحواشي باللغة العربية
الحوار المتمدن/ ابو حبيب الكرمي