الصلاة في الشريعة اليهودية
عاش اليهود يتنقلون من مكان إلى آخر ومن حضارة إلى أخرى، من مصر إلى كنعان عبر سيناء، ومن كنعان إلى بابل، وقد تعرفوا خلال هذه الرحلات على الفكر التوحيدي في الحضارة المصرية والكنعانية والبابلية، والذي استوعبوه في عباداتهم المختلفة، ومن ثمة صارت اليهودية تكتسب هويتها من أنها ديانة تنزع إلى التوحيد في محيط تسوده الوثنية وعبادة الأوثان، ما جعل منها نسقا دينيا استوعب كثيرا من العناصر الدينية والحضارية من سائر الحضارات التي استقبلتها. وعلى الرغم من وجود تقاليد شفوية في كثير من العقائد والديانات، إلا أن اليهودية جعلت من تقاليدها شريعة شفوية تعادل الشريعة المكتوبة، بل تتفوّق عليها أحيانا…ولأن العقيدة اليهودية تتضمن نزعة توحيدية قوية، إلا أن معدّلات الحلولية أخذت تتصاعد داخلها، حتى أصبحت تحتلّ مكانة خاصة، ما أدى إلى اختلاف في رؤية واحدة للكون.
لقد راكمت اليهودية كل العناصر السابقة التي لم تلغ منها أيّ عنصر، وإن كانت هذه العناصر لا تتفاعل ولا تتمازج، وهي التي تراكمت وشكلت ما سمي بالدين اليهودي؛ فالعهد القديم تكون من تراكم مصادر مختلفة، لكل أسلوبه ولغته وعقيدته، وبلغ التراكم إلى حد الاختلاف في ضبط المصادر، والتي تم تحديدها في أربعة، وفي ثمانية.
واليهودية كمصطلح ترتبط بالجنس البشري، نسبة إلى يهودا، بينما ترتبط التوراة بالجانب الإلهي، ومع هذا ينظر إلى اليهودية كديانة توحيدية قديمة آمن بها اليهود، والتزموا بقواعدها وتعاليمها المستمدة من التوراة؛ الكتاب المقدّس العبري المعروف باسم التناخ، والذي يشتمل على مجموعة واسعة من النصوص والممارسات والمواقف اللاهوتية وأشكال التنظيم التي عنيت بشرحها وتوضيحها، وهو من النصوص اللاحقة مثل المدراش والتلمود؛ فاليهودي يعيش في ظل ملكوت الشريعة الواردة في التوراة التي أبانها النقل تواترا، حتى دوّن في موسوعة عرفت فيما بعد بالتلمود، ثم تشكلت حوله أصول عقيدة تمثلت في عدد هائل من الكتابات، منها التفاسير والمدونات والفتاوى الجماعية والفردية، والتي نفدت إلى أدق خفايا اليهودية العامة والخاصة، وأوجبت الخضوع التام اللامشروط لتعاليم التوراة وتطبيقها، حتى أصبحت اليهودية تعبر من قبل اليهود المتديّنين عن العهد الذي أقامه الله مع بني اسرائيل، لتحتلّ عاشر أكبر دين في العالموحتى يبقى اليهودي قريبا من خالقه، فإنه اختار الصلاة كطقس يتواصل به مع الله، على الرغم من أن ماهيتها لم تحدّد شكلًا ومضمونًا إلا بعد مُدّة السبي البابلي لاقترانها بتقديم القرابين للآلهة المعبودة؛ فقد كان اليهود قبل وقوعهم في السَّبْي يؤدّون الصلاة مع تقديم القرابين لإلههم، لكنهم مُنِعوا من ذلك بعد سبيهم.
ما يضعنا أمام سؤال مفاده، كيف تشكّلت الصّلاة في الشّريعة اليهودية؟
كان دانيال يصلّي ويركع ويشكر الله تعالى ثلاث مرات كل يوم، وأحياناً مرتين كل يوم، وكانت الصلاة مركبة غالباً من النثر ثم من النظم، وتتلى بالغناء في الابتداء، وبالتدريج صار البعض يستعمل الآلات الموسيقية، كما يتضح من سفر المزامير، وكان يخصص مغنون لهذا القصد. وتبدأ الصلاة بغسل اليدين فقط، ثم يوضع شال صغير على الكتفين، وفي الصلوات الجماعية يوضع شال كبير حول العنق، ثم يقرأ القارئ مرتديا ثوباً أسود وقبعة على رأسه؛ لأنه يجب تغطية الرأس عندهم في الصلاة، ويعبرون بذلك عن الاحترام لنصوص التوراة، ويتجهون في صلاتهم إلى بيت المقدس. وكان اليهود في السابق يركعون ويسجدون في صلاتهم، وبعضهم لا زال يصلّي كذلك، إلا أن غالبهم اليوم يصلّون جلوساً على الكراسي، كما يفعل النصارى، وهم يحرصون على وضع اليدين على الصدر مع حني الرأس قليلاً، كوقوف الخادم أمام سيده؛ لزيادة الاحترام.
وهكذا باتت الصلاة من بين الطقوس التي يمارسها اليهود يوميا، وبعدد ثلاث مرات، صباحا وظهرا وبعد غروب الشمس، وتؤدى فردية أو جماعية؛ تأتي الفردية بطريقة ارتجالية ولا علاقة لها بالأعياد والمواسم، بينما تؤدى الجماعية باجتماع عدد من الأشخاص في مكان مخصص للعبادة، وهو البيعة، وفق تعاليم رجالات الشريعة. وقد يقرأ اليهود في تلك الصّلاة نصوصا من التوراة في لفائف محفوظة في أماكن مخصصة لذلك، وهم يغطون رؤوسهم تعبيرا عن التقوى وإجلالا وتعظيما للخالق، وبعد انتهاء الصلاة، تتلوها خطبة قصيرة ونشيد تقليدي ودعوات، ويختم كل ذلك بالتبريك، وبهذا تختتم الصلاة ويخلو المعبد، وقد يسبق انفضاض المعبد قداس أو تبريك بتوزيع كأس من الخمر ورغيفين مباركين لكل مصلّ.
وتجدر الإشارة إلى أنّ اليهود قبل ظهور المعبد، كانوا يصلّون في أماكن ينتقونها لقدسيتها، أو أماكن وقعت فيها بعض المعجزات، وظلّوا على هذا الحال حتى ظهر المعبد الذي يجتمعون فيه، فاكتسى صبغة القدسية من خلال النشاط الذي يتم داخله، إيمانا منهم أن المعبد هو المكان الأصلح الذي يستجيب فيه الإله لدعواتهم، وفي الوقت نفسه، يمتثلون لأوامر الرب عبر التزامهم بالوصايا التي أوردتها التوراة.
إنّ الصلاة وفق الديانات السماوية الثلاث، هي الصلة التي تتحقق بين العبد وخالقه، يتقرّب بها إليه بالدعاء والذّكر والمناجاة، وهي ممارسة تتكرر في اليوم والليلة، يؤديها اليهودي والمسيحي والمسلم امتثالا لأوامر الله واجتناب نواهيه، ورغبة في نيل رضاه عبر مغفرة الذنوب والاستزادة في الأجر والتواب، وهي ركن يؤديه اليهودي والمسيحي والمسلم، على الرغم من اختلاف طريقة الأداء في ما بينهم؛ فاليهودي في صلاته يمارس طقوسا تختلف عن صلاة المسيحي والمسلم، وهو ما قادنا إلى استجلاء الصلاة مفهوما وأداء في الشريعة اليهودية.
تعني الصلاة في الإسلام لغة الدعاء، وفي المعنى الاصطلاحيّ والشرعي مناجاة الخالق بالقول والفعل، يستهلّها المصلّي بلفظة الله أكبر، وتتلوها قراءة الفاتحة وبعض آي الذكر الحكيم، ثم يختمها بالتسليم، غايته من ذلك التقرّب إلى الله سبحانه؛ فهي الركن الثاني من أركان الدين الإسلاميّ الذي لا يصحّ إسلام المرء إلّا بتحققها وتأديتها؛ لأنّها عماد الدين، ويجب أن تؤدّى في وقتها مصداقا لقوله تعالى: “إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا”.
لقد فرض الله على المسلمين خمس صلوات يؤدّيها المسلم ما بين الليل والنهار، قال عز وجل: “أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا”، حيث تمتد صلوات الفرد المسلم من الفجر والظهر والعصر حتى المغرب والعشاء، وهي الفرائض الخمس التي وجب على كل فرد مسلم أداؤها يوميا، حتى يتمكن من تطهير روحه، وهو يناجي ربّه، يطلب حاجته ويظهر خضوعه إليه.
وإذا كان الأمر كما ذكر عند المسلمين، فإنّ طقوس الصّلاة في الشريعة اليهودية مختلف؛ ذلك أنّ الصلاة في الشريعة اليهودية تتحدد في حديث الإنسان مع ربّه، سواء بأقوال المدائح أو الشكر أو الرجاء أو التقرب إليه، وقد تم تحديدها في ثلاث صلوات في اليوم، هي: شحريت (الفجر)، منحه، وتعني الهدية (الظهر)، وعرفيت (المغرب)، يؤديها اليهودي طلبا للمغفرة؛ فبالصلاة يلتمس من الله التجاوز عن خطاياه، حتى ارتبطت كلمة صلاة في العبرية بتافيلاه؛ أي طلب والتماس؛ فاليهودي يتوجه إلى الله بالتوسّل والدعاء طلبا للغفران، ورغبة في حياة هانئة. لذلك، اتخذ اليهود من الصلاة سلوكا حيّا في حياتهم اليومية التي لا تخلو شعائريا من التأمّل والتفكر في الخالق والكون وموجوداته.
ويظهر أنّ سبب الاختلاف بين اليهود والمسلمين من حيث عدد الصلوات، إنما يعود إلى طبيعة الطقوس التي يمارسها اليهود في صلواتهم الطويلة، نظرا إلى ما تحتوي عليه من أناشيد وأشعار وأدعية مقارنة بطقوس الصّلاة في الإسلام؛ فاليهودي يحرص في صلاته على مخاطبة ربّه طويلا، ينشد الغفران والتوبة، ويشكر النعم الربانية.
وإذا كانت هناك بعض صيغ الصلوات التي وردت في العهد القديم لأفراد، مثل إليعزر عبد أبراهام، يعقوب موسى حنا داود سليمان، فإنّ أبراهام وضع صلاة الصبح (شحريت)، ووضع إسحاق صلاة الظهر(منحه)، ووضع يعقوب صلاة المغرب (عرفيت). ويعدّ دانيال أول من أدى الصلاة ثلاث مرات في اليوم حسبما ذكر في العهد القديم.
1- شحريت (صلاة الصبح)
هي صلاة الفجر أو الصبح، ويبدأ موعدها مع شروق الشمس، وتبقى قائمة لمدة أربع ساعات، وتسمى أيضا صلاة الخالق، وتنقسم إلى:
– بركات الفجر، وهي من بداية كتاب الصلاة (السيدر) وحتى “تبارك من قال”.
– فقرات الترانيم، وتكون ابتداء من “تبارك من قال” إلى “فليتمجّد”
– الخالق أو تلاوة التوحيد، وتبدأ من بركة “خالق النور” وحتى صلاة “شمونة عسريه”.
2- منحه (صلاة الظهر)
وهي صلاة تقام ساعة الأصيل، وهي إحدى الصلوات الثلاث التي يؤديها اليهودي طوال اليوم، وقد أعطى الحكماء أهمية كبرى لصلاة “منحه”، وقالوا: “ليحرص الإنسان دائما على صلاة المنحه، إذ إنّ إيليا لم يستجب له إلا في تلك الصلاة”.
ومنحه (الهدية) هي ذلك الندر الذي يقدمه الفقير من القمح المجروش هدية للرب، وقدم قابيل أضحية للرب من ثمار الأرض، وتكون الهدية من القمح المجروش والحنطة، ثم يسكب الكاهن الزيت عليها ويطلق البخور.
3- عرفيت (صلاة المغرب)
هي الصلاة الثالثة في اليوم، وقد بدأت كصلاة فردية، ثم أدخل الربي جملئيل تعديلا عليها، وأصبح لزاما على كلّ يهودي أن يؤدّيها جماعة في المعبد، وقد ثار البعض على هذا التعديل لوجود خطر على ذهاب اليهود ساعة الغروب للصلاة في المعبد، لأن المعابد كانت خارج المدن، إلا أنّ التعديل ظلّ قائما.
– الصلاة الزائدة (النافلة)
تعدّ صلاة “الموسف” النافلة من أهم لحظات صلاة الصبح، وتهيمن على هذه الصلاة ثلاثة مواضيع خاصة بعيد رأس السنة، وتتمثل في ثلاث كلمات أساسية: “ملكوت” (ملك)، زخروت (ذكرى)، شوفَروت (نفخ الصور). وقد فسرت هذه النصوص في كثير من نصوص العهد القديم المأخوذة بالتوالي من التوراة وأسفار الأنبياء والمكتوبات. وتعلن نصوص الملك، سيادة الله: “يسود الرب وتمتد مملكته على كل شيء”.
وتمجد نصوص الذكرى (زخروت) العناية الإلهية، وما لها من أثر في مصير العالم “سنتذكر كل شيء أمام عرش مجدك”.
أما في ما يتعلق بنصوص شوفروت، فإنها تذكر بمشهد تجلّي الرب على طور سيناء، وما رافق ذلك من مشاهدة عظيمة: “كانت رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل، وصوت بوق” (شوفر) شديد جدّا…فكان صوت البوق، يزداد اشتدادًا جدّا، وموسى يتكلم والله يجيب بصوت”.
4- المنيان
(نصاب صلاة الجماعة)
هي مجموعة مكونة من عشرة يهود من سن الثالثة عشر فما أكبر، تقوم بالصلاة أو بأي نشاط آخر، وتذكر المشنا مجموعة من الأنشطة والصلوات التي لا تستقيم بعدد أقل من عشرة أشخاص.
5- “شبت”
يتميز يوم السبت “شبت” عن باقي الأيام الأسبوع في الشريعة اليهودية، بالمقدس أكثر من الدنيوي، ويفتتح الشهر بالطقس الخاص باحتفال “روش حودش” (بداية الشهر)، ويحتفى فيه أيضا في اليوم السابع بمباركة القمر الجديد.
6- أثر الصلاة
تضفي الصلاة على شخص المصلي وعلى نشاطه التأملي قوة عظمى، وتجيب “القباله” على أحد أسئلة التلمود: “كيف نعرف أنّ الله نفسه يصلي؟” بالعبارات الآتية: “بفضل صلاة التنسّك ينجذب الإنسان نحو السمو بقوة لا تقاوم، فيندمج في حياة الأسرار الفعالة للحضرة الإلهية إلى حد أنّ الله نفسه يشارك في هذه الصلاة التي ينجزها العبد… إنّ الصلاة مثل السهم الذي يصوبه المصلي نحو السماء واسطته في ذلك قوس “الكونة”، وهي الانجذاب نحو أسفل النور الروحاني الإلهي الذي يبعث النور في حروف وكلمات هذه الشعيرة، لتصعد بعد ذلك إلى أعلى الدرجات.
إنّ الصلاة تعني أكثر من مجرّد تعبير عن عواطف دينية، وهي أكثر من مجرّد اعتراف وشكر شرع ليمجّد به المؤمنون في شعائرهم العادية، الرب بصفته خالقا وملكا. إنها أداة ترتقي بها الروح نحو الله.
الصلاة بالنسبة إلى المؤمن العادي تضرع يتوجه به الإنسان من نفسه خاصة، وفي الوقت نفسه مع الجماعة نحو الله؛ فهو يصلي متشحا في وشاحه “طيت” متخشعا في وحدته، وفي نفس الآن يشارك “العدة” أو المشهد من المصلين الذين يجب ألاّ يقلّ نصابهم عن المنيان أو العشرة، ليكونوا جميعا “عدوت” أو شهود يشهدون على فعل ما قاموا به. فالصلاة عبادة وتواصل لا انفصام بعده، وبينة قائمة، وهي في نفس الآن الوسيلة الفضلى للتقرّب من المحبوب.
– تفيلين (التفيلين)
هي شرائط من الجلد توضع عند صلاة الصبح في الأيّام العادية، يوضع أحدها حول الرأس، والثاني على الذراع الأيسر، ويوجد في “تفيلين الرأس” (تفيلا شل روش) أربع علب صغيرة في كل منها فقرة من العهد القديم. أمّا في تفلين اليد (تفيلا شل يد) فتوجد علبة واحدة بها جميع الفقرات السابقة على لفيفة واحدة.
وإلى جانب ما ذكر من الصّلوات، توجد صلوات أخرى إضافية نذكر منها:
– تفيلت هديريخ (صلاة الطريق)، وهي صلاة يتلوها المسافر طلبا للحفظ
– تفيلت شيفع (الصلاة السباعية)، وهي صلاة تشتمل على سبع بركات.
– جشيم (صلاة الاستسقاء)، وهي صلاة تقام طلبا لنزول المطر، ففي اليوم الذي يحتفلون فيه بنزول التوراة، يشرعون في ذكر فضائل الأمطار، وهم يدعون: “يا من تبعث الروح وتنزل المطر”.
– هازكارت نشامة (صلاة الترحم)، وفيها يقبل اليهود على ذكر موتاهم الأقرباء أو العظماء في صلواتهم بعد قراءة التوراة.
ويؤدي اليهود الصلاة بكل طقوسها، سواء فردية كانت أو جماعية، في مناسبات دينية، ولاسيما في الأعياد الخاص منها والعام، والتي حرصت الشريعة اليهودية على حفظها من النكبات التي كانت تنزل باليهود على يد الآشوريين والبابليين والرومان؛ فقد حرصت على حفظ الأعياد الكبرى، والتي نذكر منها:
أ- عيد الفصح: وهو عيد ظل اليهود يحتفلون به بمناسبة الخروج من مصر، بقيادة موسى عليه السلام، ويعتقد اليهود فيه، أنّ الرب قاد اليهود بنفسه، وأخرجهم من نير العبودية، ولأنّ “الخروج كان بصورة اضطرارية، إذ أعجلهم الخوف من اللحاق بهم، فقد أعدوا خبزهم على عجل فطيرا، قبل أن يختمر. لهذا أصبح على اليهود أن يأكلوا الخبز الفطير في الأسبوع الثالث من شهر نيسان، ويقيموا احتفالات مقدّسة في بداية العيد ونهايته، حيث يتلون الأدعية، ويقيمون الصلوات، ويحرقون القرابين”.
ب- يوم التكفير والغفران: يكون في الشهر السابع من السنة اليهودية، وفيه يطلب اليهود التكفير عن ذنوبهم في صلاة جماعية، ويمضون اليوم كله في الصلاة والصيام. ويسبق هذا اليوم تسعة أيام من التوبة عما ارتكبوا من آثام طول العام.
إنّ الطقوس وعوالم الصلوات هي أفضل وجهات التصوف اليهودي؛ ففيها يجد اليهودي مجاله المعتاد، سواء في الكم الهائل من الصلوات أو في التأويل الباطني الذي يخرج بالطقوس عن مفهومها المعتاد الذي جاءت به التوراة والموروث الديني على مدى الأزمان.
ومن ثمة، نخلص إلى أنّ كل عمل في حياة اليهودي يستوجب الشكر والثناء لله عز وجل بالقول: “تباركت رب العالمين إلهنا، ملك العوالم الذي باركنا بوصاياه وأمرنا…”؛ فشكر الخالق وحمده أمر شرعي، ويجب أن يكون بصدر منشرح حتى ولو كان يعاني آلاما. ففي كل عمل نصيب من العناية الإلهية، يقول حاييم الزعفراني: “لا تخلو الحياة اليومية اليهودية من حضور إلهي، سواء كان الأمر فريضة من الفرائض، أو صلاة من الصلوات أو تسبيحة من التسابيح، خصوصا عندما يصبح البعد الصوفي للفعل عمادا لما توجبه الشريعة…فكل فعل من افعلا الإنسان يهدف إلى الاتحاد مع الذات العلوية أو الحضرة رهبة ورغبة…”.
تعكس الصلاة، فوق ما تقدم، جانب الإيمان الداخلي عند اليهود؛ يتفاعل فيها التواصل بين النزعتين الإنسانية والربانية، وهم يقدسون الذات الإلهية وينزهونها عن النقائص؛ فقد ارتبطت الصلاة عندهم ببداية خلق الكون على اعتبار أن ديانتهم أول الديانات السماوية الموحدة كتابيا، كما يتلون في صلاتهم الشهادة اعترافا بوحدانية الله المطلقة، والشهادة هي توحيد الله صباحا ومساء، تقرأ في صلاتي الصبح والمغرب، ويعتقدون أنها تطرد الشر والحسد والأذى وأنها تطفئ نار جهنم.
وإلى جانب طقوس الصلاة، على اليهودي أن يحجّ إلى بيت المقدس مرتين كل عام؛ يقضي في كل حجة أسبوعا من الاحتفالات التي يقودها الربيون، والحج هو فرصة يتعرّف فيها يهود العالم على بعضهم البعض، وهم يتبادلون النقاش والجدل في أمور شريعتهم وما تحويه من طقوس وعبادات، وعلى رأسها الصّلاة.
المصدر
مؤمنون بلا حدود للدراسات والنشر