Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1470

الروح القدس يؤسس كنيسة المسيح ويقدسها

$
0
0

الروح القدس يؤسس كنيسة المسيح ويقدسها

تعيد الكنيسة الارثوذكسية الكقدسة في الأحد السابع بعد القيامة المجيدة لحلول الروح اقدس على التلاميذ القديسين، المعروف بعيد العنصرة.

وفي اليوم التالي له، أي يوم الاثنين تعيد الكنيسة أيضاً للثالوث القدوس المعروف شعبياً باثنين الروح القدس.

الانجيل وسفر أعمال الرسل يبينان لنا فعل الروح القدس في العالم. فسفر أعمال الرسل يقدم لنا الروح القدس بشكل السنة نارية، في حين يبّينه لنا الانجيل، بحسب قول المخلص بالماء الحي.

1- تاريخ العيد

يشكل عيد حلول الروح القدس وعيد الفصح أهم الاعياد المسيحية واقدمها. كان المسيحيون الأقدمون يحتفلون بهما منذ عصر الرسل القديسين، حيث يذكر القديس بولس الرسول ذللك (1 كورنثوس)، والقديس لوقا الانجيلي ( أ.ع20:16)، هذا العيد تذكره أيضاً  “المؤسسات الرسولية” وهو أحد الأعياد  التي كان يتم فيها عتق  العبيد من عبوديتهم. ويذكر هذا العيد كل من القديس إريبوس وترتليانوس، والعلامة أوريجنوس، والقانون 73 لمجمع إلفيرا(نحو العام 300)، والقانون 20 من المجمع المسكوني الأول ( الذي منع الركوع في العنصرة)، والقديس ابيفانيوس …ترك لنا الوعاظ العظماء، في القرنين الرابع والخامس ، أدباً غنياً في تكريم هذا العيد، وأما في النصف الثاني من القرن الرابع فتصف لنا الحاجة الغربية إيثيريا (إيجيريا، سلفيا)ترتيب الاحتفال بهذا العيد في اورشليم. ونحو نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس، كان عيد العنصرة عيداً مزدوجاً، حيث كان يتم الاحتفال به وعيد الصعود الالهي، كما يصف ذلك المؤرخ الكنسي يوسيفوس القيصري، في منتصف القرن الرابع . تم تحديد يوم الاحتفال بهذا العيد نحو العام 400، ليكون في اليوم الأربعين بعد الفصح المقدس، مستقلاً عن عيد الصعود الالهي كما هو عليه الحال اليوم.

2- الروح القدس لايلغي ذاتية الانسان ولا شخصيته، بل ينيرها ويغذيها

فصل الرسائل الذي يُتلى في عيد العنصرة يصف حلول الروح القدس كهبوبِ ريحٍ شديدةٍ عاصفة، وحل على التلاميذ المجتمعين معاً في العلية باورشليم(أ.ع  2:2) الريح ( وفي العبرية رواح) تعني الروح، والريح، في الوقت ذاته.

الروح القدس يأتي  من السماء ريحاً عاصفةً، ويظهر فوق رأس كل واحدٍ من التلاميذ  على شكل لسان ناري، عندما كانوا مجتمعين معاً، أي قدّسَ الأشخاصَ المجتمعين جماعةً من اجل الشركة الخلاصية المقدسة. إنه يقدس الأشخاص المميزين ويضعهم في شركة واحدة. الروح القدس لا يلغي ذاتية الانسان أو شخصيته، بل ينيرها ويثريها، لدرجة أنه يكون في كل شخصية بشرية علاقة أسرارية لحياة مقدسة مع أقانيم الثالوث القدوس الالهية، مع الاشخاص البشريين الذين يعترفون بالايمان الواحد المشترك، مشكلين تالياً كنيسة المسيح الممتلئة بنعمة الثالوث القدوس (2كور 13-13). لذلك في يوم حلول الروح القدس على التلاميذ تمت أيضاً معمودية المسيحيين الأوائل بالماء والروح (أ.ع 2: 38-41). من يعتمد بالماء والروح باسم الآب والابن والروح القدس يبدأ علاقة جديدة، حياة شركةٍ مع أقانيم الثالوث القدوس في كنيسة المسيح.

نزل الروح القدس بهيئة ألسنة ناريةٍ لكي يبين ان “نار النعمة” هي مُطَهِّرة من الخطايا، مثل النار المادية التي تُطَّهر المعادن من الصدأ والشوائب، فتصبح أكثر ليونةً، ولمعاناًَ، ونقاءًَ. اذاً الروح القدس كالنار المادية، يُنقي الانسان روحياً من صدأ الخطيئة وشوائبها، وفي الوقت ذاته، يغيّر نفس الانسان المظلمة بسبب الخطيئة الى نفسٍ صالحةٍ، منيرة.

لذلك فمعمودية الماء والروح تسمى ايضاً ” الاستنارة المقدسة”. في الوقت ذاته، لاينظف الروح القدس النفس من أوساخها فحسب، بل ويؤَجِّجْ حياتها الروحية الباردة بسبب أمراض أنانيتها. فحرارة الروح القدس نراها أولاً في دموع التوبة التي تبّين أن الروح القدس يطهر الانسان من الخطيئة، وفي الوقت ذاته، يجعل الايمان في داخله مثمراً مثل الماء الذي يرطب الأرض الجافة المتصحرة ويندّيها فيجعلها تثمر، كما يقول القديس أفرام السوري.

في دموع التوبة الحارة نرى العلاقة الروحية بين الانجيل المقدس بحسب القديس يوحنا الانجيلي الذي يقدم لنا الروح القدس، بأنه “الماء الحي”. وفي كتابات القديس لوقا الانجيلي (سفر أعمال الرسل)، الذي يقدم الروح القدس “ناراً محرقةً، ومؤجَّجة، ومنيرةً”. بدموع التوبة تتحول “نار” الندم بسبب خطايانا الى “ماءٍ حيٍّ”، الى فعل النعمة التي تغسل خطايانا بالتوبة، فنصير مصدراً للقداسة والصلاح.

ايقونة حلول الروح القدس على التلاميذ ( العنصرة)
ايقونة حلول الروح القدس على التلاميذ ( العنصرة)

3- الروح القدس يعزز حياة المسيحي وشركة محبته الحقيقية مع الله والآخرين

الروح القدس، الشخص (الأقنوم) الثالث من الثالوث القدوس، ليس له شكل، فهو لايظهر بهيئة بشرٍ، بل بهيئةِ نارٍ منيرة، مؤججة، ومطهرة، ومحرقة، أو ماءً حياً معطياً الحياة. لماذا يظهر الروح القدس هكذا، وليس بهيئة انسان على مثال ابن الله؟ لأن الروح القدس لايتنافس مع ابن الله الأزلي، الذي صار انساناً لمحبته للبشر وخلاصهم، إنه لايتنافس مع الابن، ولا حتى يكمله، بل يعزّزه ويرسله الى البشرليسكن فيهم، ويقيم معهم، ويصير ملء حياتهم، وبخاصة عبر تناولهم إياه في أسرار الكنيسة المقدسة (يو6: 54-57). لكون الروح القدس يفحص أعماق الله (كو  2 : 10) فعمله ليس مفروضاً عليه من الخارج، بل ينبع من صميم الانسان. إنه لايظهر أمام الانسان، بل يقيم ويكون سريّاً (أسرارياً) في نفس الانسان، يلهمه، من دون أن يلزمه، لأن الانسان يعيش بحريةٍ تجعله يعيش مع المسيح أو بعيداً عنه. هكذا فالروح القدس هو روح الحرية، حسب مايقوله لنا القديس بولس الرسول: “حيث يكون روح الرب فهناك تكون الحرية” (2 كور3:17). الروح القدس لايظهر منظوراً أمام الانسان، بل يأتيه أسرارياً ويقيم في اعماقه، ويلهمه كلمة سواء، فيجعل الانسان يقوم بالصلاح، مثمراً بالصلاة وبعلاقة المحبة الروحية المستديمة مع الله، من جهةٍ، ومع البشر، من جهة أخرى. الروح القدس هو في الوقت ذاته روح الحرية، وروح الشركة أو الوحدة. إنه يحترم حريتنا لدرجةٍ أننا نسمع صوته أو نتجاهله. لهذا يقول القديس بولس الرسول: “لاتطفئوا الروح” (تسا  5 :19)، أي لايمكن للانسان أن يطفىء فعل الروح القدس في داخله عبر عدم ايمانه، أو عدم اكتراثه بالإلهيات، او عدم مبالاته بمحبة القريب، وتجاهله الخدمة السامرية (الإحسان).

الروح القدس هو روح الشركة، لأنه يجمع الكل الى واحد. ويدعو الى وحدة تعددية المواهب في البشرية والطبيعة (الخليقة). إنه موزع عطايا الله ونعمه لكي يكتشفها الانسان، ويطورها ليجمعها بعد ذلك ويقدمها تقدمة شكرٍ وعرفان لله الجواد. لايظهر الروح القدس بهيئة انسان، لكنه يجعل من كل انسان مؤمن صورةً وهيئةً ليسوع المسح الله – الانسان. واجمل ثمار فعل الروح القدس في البشر هم قديسو الكنيسة، الأمر الذي جعل الكنيسة تكرّم، في الاحد الأول بعد حلول الروح القدس، جميع القديسين الذين ساعدهم الروح القدس ليكونوا شركاء في قداسة المسيح القدوس الواحد، الله -الانسان.

4- “معماري الكنيسة” و”حارث الطبيعة البشرية”

بنعمة المعمودية المقدسة التي تمت مباشرةً، بعد حلول الروح القدس على الرسل القديسين (أ.ع2 : 38 -41) جمع الروح القدس أشخاصاً مختلفين عن بعضهم البعض، وشعوباً وأمما مختلفة. القديس باسيليوس الكبير يسمي الروح القدس ” معماري الكنيسة” لكونه يبني من الداخل، في نفس الانسان، هيكل الله في الانسان، أي يحقق سكنى نعمة الثالوث القدوس في كنيسة المسيح، المكوّنة من شعوب بلغاتٍ مختلفة، التي بشّرها الروح القدس بلغاتها الأم: “نار” محبة الله لخلاص البشر كمجددٍ ومقدسٍ لحياة المسيحيّ، سمي الروح القدس”حارث الطبيعة البشرية” ( القديس يوحنا الذهبي الفم). إنه يحرق أعشاب الخطيئة وأشواكها، ويرطب بمياه المعمودية ودموع التوبة عطش النفس المتصحرة، لكي يزرع فيها فضائل الحياة المسيحية المقدسة. لذلك نرتل مراراً في الكنيسة:” بالروح القدس تحيا كل نفس وتتنقى مرتفعة ولامعة” (الأنتيفونا الرابعة لصلاة سحر الآحاد).

الروح القدس يرفع وينير المظلِمين بالخطيئة الساقطين، ويعتِق المكبلين بالألم. إذا، الروح القدس يجدد حياة الإنسان ويقدسها.

ثمار عمله في حياة البشر هي الفضائل التالية المحبة، والفرح، والسلام، وطول الأناة، والصلاح، والايمان، والوداعة والعفاف (غلا 5 22 – 23). الروح القدس ينير فكر الانسان ليفهم الأسفار المقدسة، ويؤجِّج قلبَه ليصلي بحرارة. عندما لانعرف، او لانستطيع، أن نصلّي كما يجب، الروح القدس نفسه يشفع فينا بأناةٍ لا توصف (رومية 8 : 26)، ويصرخ أباً أيها الآب(غلا 4:6).

لنحب الله من كل قلوبنا، أبا ربّنا يسوع المسيح، فكوننا معمدين بالروح القدس الذي من الآب ينبثق، وفي الابن يستريح، نجرؤ على دعوة الله في السماء أبانا، معترفين بذلك بأننا أبناؤه، الذين تبنانا بنعمةِ الروحِ القدس لايماننا بالله – الابن، يسوع المسيح.

الروح القدس هو الماء الحي، يقول لنا الانجيل المقدس، لأنه بالمعمودية، والتوبة يقيمنا من موت الخطيئة في هذا العالم. واما في الدينونة العامة، فيرفعنا من الفساد (حزقيال 37 : 5 – 6). الروح القدس يهب الحياة لكل الخليقة. يهب الحياة النباتية والحيوانية” تُرسل روحك فيخلقون، وتجدد وجه الأرض. تنزع ارواحهم فيفنون، والى ترابهم يرجعون” (مز 103 : 30 -31). إلا أن البشر المخلوقين على صورة الله ومثاله الأبدي الحيّ، المعمدين باسم الثالوث القدوس، لايمنحهم الروح القدس الوجود الحياتي  (البيولوجي) أو الحياة الأرضية فحسب، بل أيضاً الحياة الروحية، أو الحياة السماوية الأبدية، في فرح الثالوث القدوس ومجده.

5- بفعل الروح القدس تأسست كنيسة المسيح جماعة منظورة

بحلول الروح القدس على الرسل الأطهار، أسس، كنيسة الرب يسوع جماعة منظورة، التي ستنتشر لاحقاً، بتعميد البشر من كل شعوب الأرض. كيف يؤسسُ الروحُ القدسُ كنيسةَ المسيح، والمسيحُ هو رأسُها وأساسُها؟ لأن في يسوع المسيح، الله- الانسان، اتحدت، الطبيعة الالهية بالطبيعة البشرية بفعل الروح القدس (لوقا 1 : 35)، وبفعل الروح القدس أيضاً، تنتشر حياة المسيح – رأس الكنيسة، وتمتد في كلِ البشر الذين يؤمنون بيسوع له المجد، وتالياً تأسست كنيسته.

سر الكنيسة هو حياة المسيح المصلوب، والقائم، والصاعد الى السماء، أي في مجد الثالوث الأقدس، الحياة التي تعطى الآن للبشر، بفعل الروح القدس، ليستطيع البشر المشاركة في الحياة والفرح الأبدي في ملكوت الله. لهذا السبب، فإن الخدم المقدسة في الكنيسة الأرثوذكسية لاتبدأ بالصلاة الربانية “ابانا الذي في السموات…”، بل بصلاة استدعاء الروح القدس :” ايها الملك السماوي، المعزي، روح الحق، الحاضر في كل مكانٍ، والماليء الكل، كنز الصالحات ورازق الحياة، هلم واسكن فينا ، وطهرنا من كل دنسٍ وخلص أيها الصالح نفوسنا”.

بعد هذه الصلاة نقول مباشرة :”قدوس الله قدوس القوي، قدوس الذي لايموت ارحمنا”. وبعدها نتلو صلاة الثالوث القدوس ” ايها الثالوث القدوس ارحمنا…” هذا يعني أنه لايمكننا الاتحاد مع الثالوث القدوس الا بعد حصولنا على وجود نعمة الروح القدس أولاً. وبعد ان نكون تلونا صلاة الثالوث القدوس ثم الصلاة الربانية، لكي نظهر أننا ابناء الله – الآب الذي تبنانا بالروح القدس، بنعمة المعمودية التي تُوحدُنا بالمسيح، الله – الابن. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: “ان حلول الروح القدس تم بعد صعود الرب يسوع بالمجد الى السماء، لأن المسيح الرب صالحَنا مع الآب،  وعندما صعد على عرش الثالوث القدوس الملوكي، بطبيعته البشرية المتجددة والمقدسة بالصلب، والموت، والقيامة وهبنا نحن البشر حياته السماوية المتجددة”.

إذاً الروح القدوس المعزي يأتي في العالم ليؤسس كنيسة المسيح جماعة منظورة في الزمان والمكان، التي أسسها المسيح بتجسده، وفعله الخلاصيّ، ليقدس المؤمنين به وليصيروا شركاءَ حياتهِ الممجدة في محبة الثالوث القدوس.

ايقونة حلول الروح القدس على التلاميذ ( العنصرة)
ايقونة حلول الروح القدس على التلاميذ ( العنصرة)

لنرفع الشكر لله – الآب لمحبته الرحيمة، التي بها يحينا نحن البشر بيسوع المسيح، والحاصلين عليها بفعل الروح القدس.

وأخيراً نلاحظ المؤمنين في الكنيسة يحضرون أغصان الغار وأوراقه، لتبريكها وتوزيعها، رمزاً  لألسنة النار التي اظهرت لنا نعمة الروح القدس، في حياة تلاميذ المسيح ورسله القديسين، الأمر الذي يحثنا على ان نطلب من المخلص يسوع المسيح أن يحفظ كنيسته المقدسة، المفتداة بدمه المقدس، وان يبارك بنعمته الطبيعة والخليقة بأسرها لمجد الثالوث القدوس، والفوز بالحياة الأبدية.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 1470

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>