الارشمندريت تريفن نهرا 1928-1993
نبذة في السيرة الذاتية
ولد الارشمندريت (حليم) ميشال نهرا في 14 كانون الثاني 1928، في مدينة اللاذقية وتوفي في 5 تموز 1993، وترعرع بين بلدة الشوير في المتن الشمالي، ومحلة المصيطبة في بيروت.
تلقى دراسته الابتدائية في مدرسة الفرير، وأتقن اللغة الفرنسية، فدّرسها في مدرسة الأقمار الثلاثة الأرثوذكسية في الاشرفية ببيروت.
برع برياضة الكرة الطائرة (درجة اولى)، وتميز كلاعب في نادي الفتيان ونادي الهدى ( الشوير). وكان عضواً في منتخب لبنان للكرة الطائرة، واشترك في بطولة العالم في روسيا. كان عضوا مؤسساً لاتّحادي الجامعات ومنتخب لبنان للكرة الطائرة.
خدم ابناء محلة المصيطبة واهتم بشبابها علمياً وثقافياً ورياضياً، مالفت انتباه مطران بيروت يومذاك المتروبوليت ايليا الصليبي، وأعجب بهمته ونشاطه وسماته الأخلاقية.
مديرا لكلية مار الياس بطينا
كان دير النبي الياس بطينا ومدرسته شبه مهجورين، فكلفه المتروبوليت الصليبي البدء بعملية الترميم بمساعدة من اهالي الرعية والمحلة ووقف الكنيسة، وتم تدشين الدير والمدرسة السنة 1953 باسم “كلية مار الياس بطينا”.
تعاون حليم نهرا مع مجموعة من المختصين بالأمور العلمية والثقافية وجعلها مدرسة تكميلية وثانوية. لكن وبسبب الاقبال الشديد من اهالي المنطقة لتعليم ابنائهم فيها، أضاف اليها قسمي الروضة والابتدائي، حتى يتسنى للطالب ان يدخل المدرسة منذ البداية حتى يتخرج منها لينطلق الى مجال آخر من العلم. وبسبب التربية المسيحية الحقيقية التي اتسم بها علمنا، أضاف الى برامج التعليم حصة للصلاة والتعليم الديني لجميع الطلاب، من دون تفريق بين دين ودين، واحترام كل الأديان وتعاليمها، التي يتكون منها طلبة الكلية.
ولكي يتوج نجاحه العملي في الكلية نظم دورة موسعة لبطولة الكرة الطائرة، وخصص لها كأساً كبيرة، يستبقيه النادي الذي يربح البطولة ثلاث مرات. هذا النهج، اتبعه الاتحاد اللبناني للكرة الطائرة لتشجيع الأندية على المثابرة والعمل للحصول على الكأس.
حياته الاكليريكية
كان حليم نهرا يتوق دائما الى الدعوة الكهنوتية، التي كانت متأصلة في نفسه. درس اللاهوت في بلغاريا اولاً، ورسم شماساً انجيلياً في 9 ايلول 1967 بوضع يد الاسقف غفرئيل الصليبي، وبعد ثلاثة اشهر رقاه الاسقف الى درجة القسوسية، وبعدها الى ارشمندريت في 3 نيسان 1968.
كانت حياته الروحية، والمبنية على تربيته المسيحية الأصيلة، وطيب محتده الفكري والعلمي والروحي اسباباً أساسية في تقبله اسرار الشموسة والقسوسية في ابرشية بيروت الأرثوذكسية. وجاء في بيان “كلية مار الياس بطينا”عن التطور الاكليريكي لعلمنا “حليم ميشيل نهرا” مايلي:
“النعمة الالهية، التي انتدبت الاستاذ حليم ميشيل نهرا، مدير مدرستنا، لدرجة الشموسية، أثناء الخدمة الالهية يوم السبت 9 ايلول 1967، في كنيسة مار الياس بطينا، وقد اتخذ الشماس الجديد القديس “تريفن”شفيعاً له. كما انه ترقى الى درحة القسوسية أثناء الخدمة الالهية يوم الأحد 17 كانون الأول 1967، في كنيسة مار الياس، المصيطبة. وأنعم سيادة المتروبوليت ايليا الصليبي الجزيل الاحترام على الأب تريفن بمنحه رتبة “الارشمندريتية” بتاريخ 3 نيسان 1968، ومنحت هذه الرتبة على يد سيادة الاسقف غفرئيل الصليبي الجزيل الاحترام”. (بيان كلية مار الياس بطينا للعام الدراسي 1967 -1968، ص 12)
احتفظ الارشمندريت تريفن بإدارة كلية مار الياس بطينا، الى جانب عمله الرعائي والتبشيري، ملقياً المحاضرات الدينية في معظم مناطق لبنان، ومشتركاً في الكثير من الندوات التعليمية والدينية. كما اسهم الارشمندريت تريفن في مساعدة الطلاب من أبناء رعيته بتأمين مصارف العلم ومتابعة الدراسات العليا من جيبه الخاص.
في السبعينات تفرغ الارشمندريت تريفن لخدمة رعية رئيس الملائكة ميخائيل في محلة المزرعة، بيروت. ورغم تركه ادارة مار الياس بطينا، إلا انه بقي على اتصال دائم بالشباب، فاهتم بهم وأسس لهم المكتبات الدينية، ولازموا لقاءاته وأحاديثه الروحية والدينية.
انتقل الارشمندريت تريفن نهرا لخدمة رعية القديس ديمتريوس في الأشرفية، وعين في الوقت نفسه رئيساً للمحكمة الروحية في ابرشية بيروت الارثوذكسية، والى جانب مسؤوليته في رعية القديس ديمتريوس، أوكلت اليه ادارة مدرسة البشارة الأرثوذكسية (التؤام لكلية مار الياس بطينا). كما كلفته ابرشية بيروت بتمثيل الكنيسة الأرثوذكسية في المجالات الروحية والاجتماعية الإنسانية لدى مختلف الطوائف اللبنانية.
وفاته
في صباح الاثنين، الخامس من تموز 1993 وافته المنية، وانتقل الى جوار ربه في دار المطرانية، أمام ايقونة القديس أنطونيوس الكبير إثر سكتة قلبية، عن عمر ناهز ال65 عاماً أمضى منها 26 سنة في خدمة الكهنوت.
في صباح الثلاثاء 6 تموز 1993، اقيمت صلاة جنازة الكهمة لراحة نفسه في كنيسة القديس ديمتريوس – الأشرفية، ودفن في مدفن الكهنة التابع للكنيسة.
وتخليداً لذكراه الطيبة، خُصصت قاعة محاضرات باسمه في كلية مار الياس بطينا، قاعة مسرح (الأرشمندريت تريفن نهرا) التي تتسع ل ٢٠٠ شخص وثُبتَ على مدخلها تمثال نصفي له من البرونز. أما وصيته فكانت” أن توزع بدلاته الكهنوتية على الأديرة الأرثوذكسية في لبنان، ومكتبته النفيسة تحفظ في مكتبة بلدية بلدته الشوير”.
الخاتمة
هكذا رحل رجل من كبار اكليريكي ابرشية بيروت الأرثوذكسية والكرسي الانطاكي عموماً، مخلفاً وراءه أعمالاً مبرورة وكنزاً ثقافياً وشهرة روحانية مسيحية ارثوذكسية، وأجيالاً من الشباب الأرثوذكسي الملتزم بروحانية هذا الشرق، ومدرسة اصطبغت باسمه وأعماله في محلة المصيطبة ، غرب بيروت.
وبعد وفاته اقامت كلية مار الياس بطينا دورات سنوية متعاقبة وبطولات باسم الارشمندريت نهرا بالكرة الطائرة وفاء من الكلية له.
أعماله الثقافية
أتقن الارشمندريت تريفن لغات عدة الفرنسية والانكليزية والبلغارية مع معرفة باليونانية اضافة الى العربية، والف العديد من الكتب، ودبج المقالات الروحية وبخاصة في “مجلة النور”لسان حركة الشبيبة الارثوذكسية واهم كتبه
-النزهات الروحية، أجزاء عدة، وفيها أسماء القديسين، ومعاني أسماء القديسين اليونانيين باللغة العربية.
-153 سمكة وبعض المنشورات الروحية الملتزمة تبنتها أخوية نشر الايمان الأرثوذكسي، التر ترأسها لفترة من الزمن.
المصدر
– الصديق الاب متري جرداق/ وجوه ارثوذكسية/ مجلة النور لسان حال حركة الشبيبة الارثوذكسية السنة 78 العدد2 ص70-73 (بتصرف)
لا يزال الى الآن محط تقريظ من تلاميذه وعارفيه
– كتب فيه السيد نديم بيترو بطرس قي 1 شباط 2011 التقريظ التالي
تحِيَّةُ إكبارٍ ووفاء.
في عيدِ القدّيسِ تريفُن الّذي تُعَيِّدُ لهُ الكنيسَةُ الأرثوذُكسيَّةُ في الأوَّلِ من شُباط، أُوَجِّهَ كلمَةَ إكْبارٍ ووفاء إلى مَنْ كانَ لَهُ الفّضْلُ الأوَّلُ في خِدْمَتي المُتواضِعَةِ لِكَنيسَةِ الرَّبّ. حَيْثُ دَعاني قُدْسُ الإرشمندريتُ تريفن نهرا مساءَ يومِ سبتٍ وكُنْتُ أثناءَها في العاشرةِ من عمري لِمُرافَقَتِهِ في اليومِ التّالي إلى كنيسَة مار الياس المصيطبة حَيْثُ كانَ يُقَدِّسُ، لأُشارِكَ في القُدّاسِ وأَخْدُمَ. ومن يَوْمِها إلى حينِ كتابَتي هذه وأنا خادِمٌ للرَّبِّ وكنيسَتِهِ مُحاوِلاً التّكفيرَ عن خَطايايَ الْكثيرةِ الّتي لَمْ أتَمَكَّنْ حتّى اليوم أن أتَجاوَزَها في حياتي اليوميَّة. .
كانَ لَكَ الفَضْلُ الكبيرُ عَلَيَّ يا كبيرَ الْكَهَنَةِ في التَّعَرُّفِ إلى الرّبِّ يَسوعَ ومَحَبَّتِهِ، والنُّشوء على تَعاليمِه. كَمْ كبيرٌ أنْتَ، وكم نحنُ بِحاجةٍ إليكَ اليومَ، تُقاسِمُنا هُمومَ الْحَياةِ ومَشاكِلها مُعالِجًا إيّاها روحِيًّا ومَعْنَوِيًّا وَحَياتِيًّا.
أبي الإرْشْمَنْدريت لا أنْسى كَلِمَتَكَ لي حينَ كُنْتُ أزورُكَ في مكتبكَ في مدرسَةِ البشارةِ حينَ كُنْتَ مُديرًا لإدارَتِها، وكانَ والدي قدْ تُوُفِّيَ حديثًا، قُلْتَ لي بعد لِقاءٍ روحِيٍّ طويلٍ ” أنا لَنْ اَسْتَطيعَ أنْ أُعَوِّضَ لَكَ أباكَ ولكنّي سَأَكونُ كذلِكَ في كُلِّ مُشْكِلَةٍ حَياتِيَّةٍ تُواجِهُكَ” كم أسْعَدَتْني وأراحَتْني كلماتُكَ النّابِعَةُ صدْقًا من قَلْبِكَ المُفيضِ مَحَبَّةً وطيبةً وحنانًا وعَظْفًا. إلاّ أنَّ القَدَرَ شاءَ بعدَ أسْبوعٍ أنْ يَجْعَلَني أخْسَر أبي الثّاني بِرَحيلِكَ.
حَيٌّ أنْتَ في مَكانِكَ اليوم، وأنا على يَقينٍ بأنَّكَ مُنَفِّذٌ لِوَعْدِكَ، تَرْعاني من فوق، وترعى مُحِبّيكَ كما كُنْتَ على الأرْضِ، تَخافُ على الجميعِ وخاصَّةً أبناء المصيطبة والمزرعة الّذينَ خَسِروا بِرَحيلِكَ المُفاجِئ راعيًا مُحِبًّا، ومُعَلِّمًا مُرَبِّيًا صالحًا لأبنائِهم حينَ كنتَ مُديرًا لمدرسة مار الياس بطّينا.
حَبيبٌ أنْتَ، وكبيرٌ، وخادِمٌ أمينٌ للرَّبِّ، يَكفي أنّنا كُنّا نرى وَجْهَ الْمَسيحِ قي تَصَرُّفاتِكَ وحُسْنِ رِعايَتِكَ الْكَهنوتِيَّة، الأبَوِيَّة. كاهِنٌ مُتَواضِعٌ كُنْتَ، لَمْ تَكُنْ لِتَرْفُضَ أحَدًا،كائِنًا مَنْ كانَ، أو لِتَتَهَرَّبَ من أحَدٍ. كُنْتَ تُقلبِلُ الجَميعَ مُصْغِيًا إلى هُمومِهم أو مشاكلِهم وتُحاوِلُ جاهِدًا حَلَّها. مُسامِحٌ وحَنونٌ كُنْتَ حتّى في غَضَبِكَ، وعِقابِكَ الّلَذيْنِ تَفْرِضُهما الإدارةُ وتَرْبِيَةُ النّاشِئَة.
أَحَبَّكَ الْجَميعُ ورأوا فيكَ السَّنَدَ الدّاعِمَ لهم في أحلكِ الظُّروفِ.
تَحِيّتي إِلَيْكَ اليومَ، في عيدِ شَفيعِ كهنوتِكَ الّذي أسْأَلُهُ أنْ يَتَشَفَّعَ لِقَداسَتِكَ ولِوالِدي كي تنالا المَراحمَ الْعُظْمى.
المسيح قام…ليكن ذكرك مؤبداً