معاهدة سيفر واتفاقية لوزان
معاهدة سيفر هي المعاهدة التي عقدت في 10آب عام 1920 ، بعد الحرب العالمية الأولى ، وكان الأتفاق بين قوات الحلفاء المنتصرة وممثلين عن الحكومة التركية العثمانية المنهزمة ، حيث ألغت المعاهدة مع الإمبراطورية العثمانية واضطرت تركيا إلى التخلي عن كافة الحقوق التي تدعيها في الدول العربية بآسيا وشمال أفريقيا ونصت أيضا على أرمينيا المستقلة، من أجل كردستان المستقلة، وإلى وجود اليونانية في شرق تراقيا على الساحل الغربي للأناضول، فضلا عن السيطرة اليونانية على جزر بحر إيجه المتحكمه في مضيق الدردنيل، والتي رفضت من قبل النظام القومي التركي الجديد، وتم استبدال معاهدة سيفر بموجب معاهدة لوزان عام 1923.
وكانت مصادقة الدولة العثمانية على معاهدة سيفر هي المسمار الأخير في نعش تفككها وانهيارها بسبب خسارة قوى المركز في الحرب العالمية الأولى، وتضمنت تلك المعاهدة التخلي عن جميع الأراضي العثمانية التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية، إضافة إلى استيلاء الحلفاء على أراض تركية، فقُسِّمت بلدان الشرق الأوسط فخضعت فلسطين للانتداب البريطاني ولبنان وسورية للانتداب الفرنسي وقد ألهبت شروط المعاهدة حالة من العداء والشعور القومي لدى الأتراك، فجرّد البرلمان الذي يقوده مصطفى كمال اتاتورك موقّعي المعاهدة من جنسيتهم ثم بدأت ماتسمى ” حرب الاستقلال التركية” التي أفرزت معاهدة لوزان 1923 حيث وافق عليها القوميون الأتراك بقيادة اتاتورك؛ ممّا ساعد في تشكيل الجمهورية التركية الحديثة.
وُقِّع، قبل معاهدة سيفر، على معاهدة فرساي مع الأمبراطورية الألمانية لإلغاء الامتيازات الألمانية في الفلك العثماني ومنها الحقوق الاقتصادية والشركات. وفي ذات الوقت تم «اتفاق سري ثلاثي» بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا. تحصل بريطانيا بموجبه على الإمتيازات النفطية والتجارية، وتُنقل ملكية الشركات الألمانية في الدولة العثمانية إلى شركات دول الاتفاق الثلاثي. ولكن تبقى شروط معاهدة سيفر أشد وطئة على الأتراك من شروط فرساي المفروضة على الألمان؛ وإن أخذت المفاوضات المفتوحة أكثر من خمسة عشر شهرا، بداية من مؤتمر باريس للسلام استمرت المفاوضات في مؤتمر لندن إلا أنها اتخذت شكلا واضحا بعد اجتماع رؤساء الوزراء في مؤتمر سان رمو في نيسان 1920. وقد بدأت كل من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا – سرا – محاولة تقسيم الدولة العثمانية منذ سنة 1915، ولكنها تأجلت لأن تلك القوى لم تتوصل إلى اتفاق فيما بينها، والذي كان متوقفا على حصيلة الحركة الوطنية التركية. وقد ألغيت معاهدة سيفر خلالماتسمى ” حرب الاستقلال التركية” واستبدلتها الأطراف بمعاهدة لوزان التي وقعت عليها واعتمدتها سنة 1923 و1924.
ووقع ممثلو الدول على معاهدة سيفر في معرض لمصنع الخزف في سيفر بفرنسا حيث أرسل السلطان محمد الخامس أربعة أشخاص للتوقيع على المعاهدة وهم: رضا توفيق والصدر الأعظم الداماد فريد باشا والسفير رشيد خالص ووزير التعليم العثماني هادي باشا ووقع السير جورج ديكسون غراهام عن بريطانيا، الكسندر ميلران عن فرنسا وولونجاري عن ايطاليا.
واستُبعدت الولايات المتحدة، أحد اللاعبين الأساسيين في دول الحلفاء، من المعاهدة. كما واستبعدت أيضا روسيا بسبب توقيعها على معاهدة برست ليتو فسك مع الدولة العثمانية سنة 1918. بالنسبة لباقي دول الحلفاء، فقد رفضت اليونان الحدود المرسومة ولم تصدّق على المعاهدة.
ووقع أقاديس أهارونيان رئيس الوفد الارمني على تلك المعاهدة؛ وهو نفسه الذي وقع على معاهدة باطوم يوم 4 حزيران 1918 . وقد تمكنت الدولة العثمانية في تلك المعاهدة، بسبب إصرار الصدر الأعظم طلعت باشا، من استعادة أراض احتلتها روسيا في الحرب الروسية التركيةعام 1877و1878 وبالذات ارداهان وكارس وباطومي.
الترقي والحرب العالمية الأولى
استطاع حزب الاتحاد والترقي أن يسيطر على مقاليد السلطة في الدولة العثمانية سنة 1908، واستمر في الحكم حتى نهاية الحرب العالمية الأولى؛ حيث شكل الوزارة، وقلص سلطات ؤ. وارتبط هذا الحزب بعلاقات قوية مع الألمان؛ فعندما اشتعلت الحرب العالمية الأولى سعى وزير الحربية “أنور باشا” إلى استفزاز دول الوفاق (بريطانيا، وروسيا، وفرنسا) لحملها على إعلان الحرب على الدولة العثمانية، رغم أن الحرب كانت لأسباب وتحالفات متعلقة بأوربة، فألغى الامتيازات الأجنبية، وأصدر أوامره بإغلاق مضيقي البوسفور والدرنيل في وجه السفن الأجنبية؛ فاستغل الألمان ذلك وقدموا مبلغا ضخما من النقود الذهبية إلى الحكومة العثمانية لتعلن الحرب على دول الوفاق؛ فأصدر أنور باشا أوامره للأسطول العثماني في البحر الأسود ببدء الأعمال العسكرية ضد روسيا دون استشارة مجلس الوزراء، وهو يعلم أن ذلك الأمر كفيل بإدخال الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا.
وأغرق الأسطول العثماني عددا من السفن الروسية؛ فاحتج سفراء دول الوفاق على ذلك الأمر، إلا أن الحكومة العثمانية لم تجب على احتجاجاتهم؛ فأعلنت دول الوفاق الحرب على الدولة العثمانية في تشرين الثاني 1914، كما أعلنت بريطانيا حمايتها على مصر، وبدأت أساطيل الحلفاء في قصف قلاع الدردنيل، ودخلت بريطانيا لأول مرة في التاريخ حرباُ ضد الدولة العثمانية، وهكذا ورط الاتحاديون الدولة العثمانية في حرب شرسة استمرت أكثر من أربع سنوات دون أن يكون للدولة فائدة ولا طائل منها.
وكان الألمان يهدفون من توريط العثمانيين معهم في الحرب إلى استغلال النفط العراقي، والتغلغل سياسياً وتجارياً في بلاد فارس، وتوجيه ضربة قوية للوجود البريطاني في مصر، وتهديد السيطرة البريطانية على الهند من خلال طرق مواصلاتها.
وقد أرغمت هذه الحرب العثمانيين على القتال على ست جبهات في وقت واحد، في حين أن معظم العمليات العسكرية التركية كانت تستهدف الدفاع عن الأراضي العثمانية، ورغم ضعف الدولة وتعدد ميادين القتال فإنها استطاعت أن تحقق نجاحات عسكرية كبيرة، أهمها صد حملة الدردنيل التي أرسلتها بريطانيا وفرنسا لاقتحام البوسفور والدردنيل، من أجل تخفيف الضغط على روسيا، وإخراج الدولة العثمانية من الحرب بعد توجيه ضربة قوية إلى عمق أراضيها. ودافع العثمانيون ببسالة ومعهم الألمان عن شبة جزيرة غاليبوي؛ فاضطر الحلفاء إلى الانسحاب بعد خسارة 120 ألف قتيل وجريح.
وأمام هذه الصلابة من الدولة العثمانية لجأت دول الوفاق إلى الاتفاقات السرية لتقسيم الدولة العثمانية؛ فكان اتفاق سايكس-بيكو، ولجأت إلى إثارة الشريف حسين امير مكة ليعلن الثورة العربية على العثمانيين الذين رفعوا شعار الخلافة والجهاد؛ فكانت تلك الثورة أكبر ضربة وجهت لفكرة “الجامعة الإسلامية” التي كان العثمانيون يروجون لها مقابل القوميين العرب.
هدنة مدروز
تدهورت الأوضاع العسكرية للعثمانيين أثناء الحرب، وسيطر البريطانيون على العراق والشام، واحتل الفرنسيون شمالي بلاد الشام، وسيطر الحلفاء على استانبول والمضايق التركية، ولما رأى قادة الاتحاد والترقي هذه الهزائم قدّم طلعت باشا رئيس الوزراء استقالة وزارته؛ فتألفت وزارة جديدة برئاسة أحمد عزت باشا، وهرب طلعت باشا وانور باشا وغيرهما الى المانيا.
وأرسلت الحكومة الجديدة وفدا وزارياً إلى مدينة مدروز في بحر إيجة بين اليونان وتركيا لمفاوضة الإنجليز على شروط الهدنة، وأرجأ الإنجليز الاجتماع النهائي لمدة أسبوعين حتى تتمكن قواتهم من احتلال الموصل وحلب.
وعقدت هدنة مدروز في 31 تشرين الاول 1918، ونصت على استسلام الدول العثمانية دون قيد أو شرط، وهو ما لم يحدث بالنسبة لألمانيا، وبدأت القوات العثمانية في إلقاء سلاحها، وبدأت عمليات الاحتلال طبقا للاتفاقيات، ووقعت الآستانة تحت الاحتلال المشترك للحلفاء تحت قيادة الأميرال البريطاني “كالثورب”.
وبعد هدنة مدروز وصل الجنرال اللنبي القائد الإنجليزي إلى إستانبول، وطلب من الحكومة التركية تعيين مصطفى كمال قائدا للجيش السادس بالقرب من الموصل.
الثورة
أدرك السلطان العثماني محمد وحيد الدين أن بلاده منهارة بعد هزيمتها، وأن من مصلحتها التعاون مع الحلفاء وبخاصة الإنجليز حتى ينقذ ما يمكن إنقاذه، وكان يدرك أيضا أن وجود تركيا لازم لدول الغرب لإقامة التوازن بينها، كما أن بريطانيا وفرنسا لن تسمحا بالقضاء عليها قضاء مبرما؛ لأن ذلك سيفسح المجال لروسيا للاستيلاء على الأناضول، وبالتالي على مضيقي البوسفور والدردنيل، وأن كل ما تريده هذه الدول الحليفة هو تقليص الدولة العثمانية، وجعلها دولة صغيرة.
ورأى الخليفة أن الحل الوحيد للخلاص من هذا الوضع السيئ هو قيام ثورة في شرقي البلاد والمناطق الداخلية التي لم تصل إليها قوات الحلفاء، وأنه لن يستطيع القيام بهذه الثورة؛ لأنه أعلى سلطة في البلاد؛ ولذلك وقع اختياره على مصطفى كمال ليقوم بهذه الثورة؛ فاستدعاه وأصدر أمرا بتعيينه مفتشا عاما للجيوش، وزوده بصلاحيات واسعة، ومنحه 20 ألف ليرة ذهبية.
وقبل أن يغادر مصطفى إستانبول بأيام أبلغت لجنة الحلفاء العليا المقيمة في باريس الحكومة العثمانية قرارا يقضي بنزول الجيوش اليونانية في أزمير ويحذرونها من المقاومة، وفي 15 ايار 1919 نزل اليونانيون في ازمير تساندهم بحرية الحلفاء، ووجد هؤلاء ترحيبا من جانب اليونانيين المحليين، فتفجرت روح المقاومة لدى الاتراك، وتشكلت جمعيات سرية مثل جمعية القرقول، وامتدت المقاومة والأعمال الفدائية إلى مناطق متعددة في البلاد، استغل مصطفى كمال هذه الفوضى، وأعلن استقلال نفسه وعدم ارتباطه بالخليفة أو الحكومة، وأخذ يحرض الناس على الثورة ضد الحكومة العثمانية.
أزعجت تصرفات مصطفى كمال الحكومة العثمانية، وانتهى الأمر بإقالته في 1919، وعقد مصطفى مؤتمرا في ارضروم دعا فيه إلى وحدة البلاد ضمن الحدود القومية، ثم عقد مؤتمر سيواس في ايلول 1919 تشكلت فيه هيئة تمثيلية، وطالب الدوائر العسكرية والمدنية بالارتباط بها، وقطع علاقتهم بإستانبول، ثم انتقل مقر هذه الهيئة إلى أنقرة.
وفي 16 آذار 1920 احتل الحلفاء إستانبول بالكامل، وكانت القوات الإنجليزية فقط هي التي احتلتها، وأظهر الإنجليز عداء ظاهريا لمصطفى كمال حتى يصنعوا منه بطلا؛ فبعد سقوط الحكومة التي شكلت في ظل الاحتلال جرت انتخابات ونجح مصطفى عن أنقرة؛ فجمع النواب فيها، وشكل حكومة برئاسته، وأظهر التدين والتمسك بالإسلام.
سيڤر والانهيار التام
وهكذا وُجدت سلطتان تنفيذيتان في تركيا؛ إحداهما في إستانبول، والأخرى في أنقرة؛ فبايعت الأناضول الخليفة في إسطنبول، ولم يبقَ سوى أنقرة، فسارع الإنجليز بعقد معاهدة سيفر المجحفة مع الخليفة في10 آب 1920 لإضعاف مركزه في مواجهة مصطفى كمال؛ فقد دعت بريطانيا لعقد مؤتمر في لندن لحل المسألة الشرقية، ودعت إلى هذا المؤتمر حكومة أنقرة وحكومة الآستانة؛ أي أنها اعترفت بحكومة أنقرة، ومن الغريب أن يدعى وفدان إلى مؤتمر واحد ويمثلان جهة واحدة، والأغرب من ذلك أن أنقرة هي التي رفضت دعوة حكومة إستانبول لحضور المؤتمر.
وانتهى الأمر بأن ذهب وفدان تركيان إلى المؤتمر الذي حضره ممثلون من بريطانيا وفرنسا وايطاليا، وحرصًا على وحدة الصف أعطى وفد الخلافة الحق في الكلام لوفد أنقرة، إلا أن المؤتمر فشل بسبب إصرار الحلفاء على جعل ولاية أزمير تحت حكم اليونانيين.
وقد وقع الحلفاء معاهدة الصلح مع الدولة العثمانية في ضاحية سيفر بباريس، وقعها الداماد فريد باشا ووافق عليها الخليفة مُكرهًا، ونصت على أن تكون سورية وفلسطين وبلاد ما وراء النهرين دولا مستقلة، تتولى الوصاية عليها القوات المنتدبة من عصبة الامم، كذلك تتخلى الدولة العثمانية عن سلطاتها الإقليمية في شمال أفريقيا، وأن تتخلى عن تراقيا الشرقية لليونان، على أن تكون أزمير والاقليم الايوني تحت حكم اليونانيين لمدة خمس سنوات.
واعترفت المعاهدة باستقلال ارمينيا، وضُم إليها جزء كبير من شرق تركيا، ومنحت حرية الملاحة في كل المياه التي حول الدولة العثماني لسفن جميع الدول، ونصت المعاهدة أيضا على تقليص حجم القوات المسلحة التركية، وأصبح الاقتصاد العثماني محكوما من قِبل لجنة الحلفاء.
وهكذا لم تستبق هذه المعاهدة للدولة العثمانية إلا مساحة قليلة جدا من الأرض في أوربة، كما اعترفت بالاستقلال الذاتي لكردستان التي منحت حق الاستقلال بعد سنة إذا ما أبدى الأكراد رغبتهم في ذلك، وطُلب من العثمانيين أن يقدموا تنازلات كبيرة لمن تبقى في داخل الدولة من غير المسلمين.
وأذيعت نصوص المعاهدة بأسلوب دعائي مهيج للشعب التركي الذي ثار على الخليفة، وثار ضد الحكومة، وانقلب الرأي العام التركي ضدهما لدرجة أن الحملة التي أرسلها الخليفة لقتال مصطفى كمال أصبحت ضمن قواته، وأصبح يفكر في الهجوم على إستانبول.
صعود أتاتورك
رفض مصطفى كمال أتاتورك هذه المعاهدة، واستغلها للدعاية ضد الخليفة، ومن ناحية أخرى عمل على الاتصال بالحلفاء لتدعيم مركزه والاعتراف به؛ فاتصل بفرنسا، واعترف بحقها في بلاد الشام الشمالية، واتفق على تعيين الحدود بين تركيا وسوريا؛ فوافقت فرنسا على ذلك واعترفت به ممثلا لتركيا، واتصل بروسيا الشيوعية، وتنازل عن المناطق المتنازع عليها فاعترفت به، وكذلك إيطاليا؛ فقوي مركزه خاصة بعد تعثر التفاهم بين الحلفاء واليونانيين، وتدفقت الأسلحة الروسية على أتاتورك عن طريق خطوط الإنجليز عبر المضايق.
ودار قتال عنيف بين الأتراك واليونانيين أحرز فيه الأتراك عددا من الانتصارات، واستطاعوا طردهم من عدد من المناطق منها أزمير؛ فتم توقيع هدنة بين الجانبين في ايلول 1921 أقيلت بعدها حكومة السلطان بضغط من الإنجليز، وتنازل الخليفة عن العرش، وأُبعد خارج البلاد، وعين عبد المجيد بن عبد العزيز خليفة جديدا، ثم ألغيت السلطنة؛ أي فُصل الدين عن الدولة، وأصبح أتاتورك هو سيد الموقف في تركيا تتغير الحكومات تبعا لرغبته.
اتفاقية لوزان
بعد إلغاء السلطنة بعشرين يوما لم تكن توجد سوى حكومة تركية واحدة هي حكومة أنقرة؛ فدعاها الحلفاء على مؤتمر الصلح في لوزان في 29 تشرين الثاني 1921 لإعادة النظر في معاهدة سيفر؛ فتشكل وفد تركي برئاسة عصمت اينونو، وحدثت منازعات حامية في بداية المفاوضات بين وزير الخارجية البريطاني اللورد كيرزون وعصمت اينونو، حيث أصرت بريطانيا على إلغاء السلطنة بإعلان الإلتزام بالعلمانية وإلغاء الخلافة وطرد الخليفة وأسرته من البلاد والإبقاء على الموصل بعيدة عن تركيا، وكانت هذه هي الشروط الإنجليزية لإعطاء تركيا الاستقلال.
وفشلت الجولة الأولى من المفاوضات، ثم دعيت الوفود مرة أخرى إلى لوزان للبحث من جديد في بنود معاهدة سيفر، ووافق الأتراك على الشروط الإنجليزية؛ فألغيت السلطنة في30 تشرين الثاني 1923 وأعلنت الجمهورية، واختير أتاتورك رئيسا لها.
وعادت السيادة التركية على ما يقرب من كل الأراضي التي تشمل تركيا الحالية، وألغيت الامتيازات الأجنبية، وتقررت عدم مطالبة تركيا بالأملاك السابقة، وهي السياسة التي سارت عليها تركيا منذ ذلك الوقت، وتقرر تدويل مضيقي البوسفور والدردنيل، ونزع سلاح الأراضي الممتدة على جانبيهما.
المعاهدة تتكون من 143 بنداً بالأقسام الرئيسة التالية
- مؤتمر المضائق التركية
- الغاء التعهدات المتقابلة
- تبادل السكان بين اليونان وتركيا
- الإتفاقيات
- الرسائل المـُلزِمة.
نصت المعاهدة على استقلال جمهورية تركيا وكذلك حماية الأقلية المسيحية الارثوذكسية اليونانية في تركيا والأقلية المسلمة في اليونان إلا أن معظم السكان المسيحيين في تركيا والسكان الأتراك في اليونان كانوا قد طـُردوا حسب معاهدة تبادل السكان اليونانيين والاتراك السابق توقيعها بين اليونان وتركيا. فقط يونانيو اسطنبول،امبروس وتندوس تم استثناؤهم (حوالي 270,000 آنذاك)، والسكان المسلمين في تراقية الغربية(نحو 129,120 في 1923.)الفقرة 14 من المعاهدة منحت جزر گوقچىعادة (إمبروس) و بوزجاعادة (تندوس) ” تنظيم اداري خاص”، وهو الحق الذي ألغته الحكومة التركية في 17 شباط 1926. كما قبلت تركيا رسمياً خسارة قبرص (التي كانت مؤجرة للامبراطورية البريطانية إثر مؤتمر برلين في 1878، ولكنها ظلت قانونياً أرضاً عثمانية حتى الحرب العالمية الاولى) وكذلك مصر والسودان الأنجلو مصري (الذي احتلته قوات بريطانية بحجة “اخماد ثورة عرابي واستعادة النظام” في 1882، ولكنهما ظلتا “قانونياً” أراض عثمانية حتى الحرب العالمية الأولى) إلى الأمبراطورية البريطانية، والتي قامت بشكل أحادي بضمهما في 5تشرين الثاني 1914، اما مصير مقاطعة الموصل العراقية تـُرك ليتحدد عبر عصبة الامم. كما تخلت تركياً عن كل الادعاءات فيما يختص بجزر الدودوريكانيز، التي كانت مجبرة على اعادتها لتركيا حسب الفقرة 2 فيمعاهدة اوشي في 1912 – وتُعرف أيضاً بإسم معاهدة لوزان الأولى (1912), إذ وُقـِّعت في شاتو دوشي في لوزان بسويسرا – في أعقاب الحرب الايطالية التركية(1911–1912).
الحدود
رسـّمت المعاهدة عرّفت حدود اليونان وبلغاريا وتركيا. وتنازلت رسمياً عن كل المطالبات التركية في جزر الدوديكانيز (الفقرة 15) وقبرص (الفقرة 20)؛ ومصر والسودان (الفقرة 17)؛ سورية والعراق (الفقرة 3)؛ و(سويةً مع معاهدة انقرة) أقرت حدود الدولتين الأخيرتين. وفي المقابل، أعيد ترسيم الحدود مع سورية بما يشمل ضم أراض واسعة وتضم من الغرب إلى الشرق مدن ومناطق مرسين وطرسوس وكيليكية وأضنة وعنتاب وكلس ومرعش واورفة وحران وديار بكر وماردين ونصيبين وجزيرة ابن عمر.
الأراضي إلى الجنوب من سورية والعراق في الجزيرة العربية التي ظلت تحت السيطرة التركية حين وُقـِّعت هدنة مدروس في 30 تشرين الاول 1918 لم يتعامل نص المعاهدة معهم بوضوح. إلا أن تعريف الحدود الجنوبية لتركيا في الفقرة 3 كان يعني أيضاً أن تركيا قد تخلت عنهم. تلك الأراضي ضمت المملكة المتوكلية اليمنية وعسير وأجزاء من الحجاز مثل مدينة المدينة المنورة . وقد احتفظت بهم القوات التركية حتى 23 يكانون الثاني 1919.
وقد تخلت تركيا رسمياً عن جزيرة عاده قلعة في نهر الدانوب لرومانيا في الفقرات 25 و 26 في معاهدة لوزان؛ بالاعتراف رسمياً ببنود معاهدة تريانون في 1920.
كما تخلت تركيا عن امتيازاتها في ليبيا كما كانت تحددهم الفقرة 10 من معاهدة اوتشي في 1912 (حسب الفقرة 22 من معاهدة لوزان في 1923.)
الاتفاقيات
بين العديد من الإتفاقيات، كانت هناك إتفاقية منفصلة مع الولايات المتحدة: امتياز تشستر. وقد رفض رفض مجلس الشيوخ الأميركي أن يصادق على المعاهدة وبالتالي فضـَّت تركيا الإمتياز.
التبعات
مؤتمر المضائق التركية ظل سارياً لمدة ثلاث عشرة سنة فقط ثم حل محله مؤتمر مونترو المتعلق بنظام المضائق التركية القيود على الجمارك في المعاهدة عـُدِّلت بعد توقيع المعاهدة بفترة قصيرة. تم تطبيق عفواً سياسياً. 150 شخصية غير مرغوب فيها في تركيا ببطء حصلوا على الجنسية (آخرهم كان في 1974) وهم من نسل الأسرة المالكة السابقة.
بنود المعاهدة
كانت المعاهدة تنص على
- حصول منطقة الحجاز على الإستقلال.
- حصول ارمينيا على الإستقلال.
- حصول كردستان على الإستقلال حسب البندين 62 و63 من الفقرة الثالثة و السماح لولاية الموصل بالإنظمام الى كردستان إستنادا الى البند 62 ونصه “إذا حدث، خلال سنة من تصديق هذه الاتفاقية أن تقدم الكرد القاطنون في المنطقة التي حددتها المادة (62) إلى عصبة الأمم قائلين أن غالبية سكان هذه المنطقة ينشدون الإستقلال عن تركيا، وفي حالة اعتراف عصبة الأمم أن هؤلاء السكان أكفاء للعيش في حياة مستقلة وتوصيتها بمنح هذا الإستقلال، فإن تركيا تتعهد بقبول هذه التوصية وتتخلى عن كل حق في هذه المنطقة. وستكون الإجراءات التفصيلية لتخلي تركيا عن هذه الحقوق موضوعا لإتفاقية منفصلة تعقد بين كبار الحلفاء وبين تركيا”
أكذوبة البنود السرية
تسري أكذوبة (مرفقة) بين المتعاطفين مع الخلافة العثمانية مفادها أن ثمة بنود سرية في معاهدة لوزان تتعلق بحفنة من الأكاذيب منها:
- بند يحد سريان المعاهدة بمائة عام فقط. ومع اقتراب عام 2023، تسري سيناريوهات مؤامرة كثيرة حول ما سيحدث آنئذ.
- بند يتعهد فيه عصمت اينونو (رئيس وزراء تركيا آنذاك ورئيس وفد تركيا في مفاوضات لوزان) بجعل الشباب يدمنون كرة القدم حتى يبتعدوا عن الدين.
- بند تتعهد فيه تركيا بنشر توظيف المرأة في العمل خارج بيتها حتى تضعف الأخلاق.
ويرافق تلك الشائعات شائعة أخرى بوجود بند سري فيمعاهدة مونترو حول نظام المضائق (1936)، المكملة لمعاهدة لوزان، مفادها أن المعاهدة يمكن مراجعتها كل عشرين سنة، وأن تركيا من حقها إرسال إخطار بإلغاء المعاهدة قبل سنتين من تاريخ المراجعات العشرينية.
مطالبة أردوغان بتعديل معاهدة لوزان 2017
في تشرين الثاني 2017، لدى زيارة الرئيس التركي أردوغان لليونان، في أول زيارة لرئيس تركيا منذ 65 عاماً، بدأ زيارته بتوجيه انتقادات لاذعة لاتفاقية لوزان التي رسمت حدود تركيا الحديثة وحدودها مع اليونان، وطالب بتعديلها، وهو ما رفضته أثينا بشكل عاجل.
وعلى الرغم من أن أردوغان يهدف من خلال زيارته تحسين العلاقات التاريخية والحديثة المتوترة مع اليونان، إلا أنه طرح النقاط الخلافية بقوة ومنها اتفاقية لوزان ومسألة قبرص والجزر المتنازع عليها والسيادة على بحر إيجه وقضية مسلمي تراقيا الذي اتهم أثينا بالتمييز ضدهم.
وخلال مؤتمر صحفي مع نظيره اليوناني بروكوبيوس بافلوبولوس، قال أردوغان إن معاهدة لوزان، الموقعة بعد الحرب العالمية الأولى تنصّ على تفاصيل دقيقة ما تزال غير مفهومة حتى الوقت الراهن، مشيراً إلى ضرورة تحديثها بالقول: “لست أستاذًا في علم القانون، لكنني أعرف قانون السياسة جيداً، ففيه شرط يقضي بوجوب تحديث الاتفاقيات، ونحن قادرون على تحديث ما أُبرم بيننا من اتفاقات، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك”. وتساءل: “كيف نقول بأنّ معاهدة لوزان (بين تركيا وعدة دول بينها اليونان) يتم تطبيقها وإلى الآن لم يتم انتخاب مفتي عام لمسلمي غربي تراقيا (اليونانية ذات الأقلية التركية)”، واتهم أثينا بالتمييز ضدهم قائلاً: “الدخل القومي للفرد في اليونان حوالي 18 ألف دولار، لكن معدل الدخل القومي للفرد بالنسبة لشعب تراقيا الغربية لا يتجاوز الـ2200 دولار”.
وبينما اعتبر أن هذا الأمر يدل على وجود تمييز وعدم تقديم الدعم اللازم لشعب تراقيا فيما يتعلق بالاستثمارات والخطوات الواجب اتخاذها لصالح الأقلية التركية في تراقيا الغربية، قال إنه “لا يمكنكم رصد أي تمييز ضد مواطنينا الروم في تركيا، حتى في قضية معابدهم، أمّا في تراقيا الغربية فإنه من غير المقبول حتى كتابة كلمة تركي”.
وركز أردوغان على أوضاع الأقلية المسلمة التي تتواجد في شمال شرقي اليونان والتي من المقرر أن يزورها في جولته التي تستمر اليوم الجمعة أيضاً، وتعترف اليونان بمسلمي تراقيا على أنهم أقلية دينية لا أكثر حددتها معاهدة لوزان، في حين تعتبرهم تركيا أقلية تـركية، وتطـالب بتحـسين ظروفـهم.
ورأى أنه “ينبغي أن ننظر إلى النصف المملوء من الكأس ولا ننشغل بنصفه الفارغ، علينا أن نعزز علاقاتنا، آملاً من خلال زيارتي وضع السنوات الـ65 الماضية جانبًا وأن ننظر إلى المستقبل”، معتبراً أن الهدف “أن نجد حلًا دائمًا وعادلاً للأزمة القبرصية، وكذلك بالنسبة لبحر إيجة”.
ومعاهدة لوزان التي وقعت في 24 تموز 1923، حددت الوضع القانوني للجزر في بحر إيجة. وفي هذه المعاهدة، تم تحديد سيادة تركيا على بعض الجزر، إلى جانب نقل وتثبيت ملكية جزر لليونان وإيطاليا. وحسب المادة 16 من المعاهدة، فإن تركيا تنازلت عن كافة حقوقها القانونية من الجزر المذكورة في الاتفاقية، لكنها تمتلك حق المشاركة في تحديد مصير تلك الجزر.
قال الناطق الحكومي اليوناني ديميتريس تساناكوپولوس في بيان إن تعليقاته “تثير مخاوف وتساؤلات. الحكومة اليونانية ورئيس الوزراء يرغبان في أن يكون سبب زيارته بناء جسور، وليس تشييد جدران”، وأضاف أن احترام المعاهدة «هو الأساس الحصري غير القابل للتفاوض الذي يمكن أن يقوم عليه التعاون الصادق بين البلدين. التعليقات الخاصة بمراجعة المعاهدة لا تسهم في الأجواء التي نحاول خلقها في علاقتنا وفي المنطقة». وعلى الفور، قال الرئيس اليوناني إنّ “معاهدة لوزان”، تشكّل حجر الأساس في العلاقات القائمة بين بلاده وتركيا، وأنها غير قابلة للنقاش أو إعادة النظر، معتبراً أن معاهدة لوزان أوضحت الحدود الجغرافية لكلا البلدين، وأنه من غير الممكن تعديلها أو تحديثها.