من يتعمق قليلاً بتاريخ هذه المنطقة سيجد دون أدنى شك عظمة هذا المكان وعمقه في الزمان، كما أنه بشيء من التروي واستنشاق هوائها العليل صيفاً والملفع بالبرودة شتاءً سيعرف أن ثمة رائحة من عبق الماضي وذكريات لا تنتهي.
بلودان هي ببساطة جنة على الأرض، تطل من ارتفاع يزيد عن 1500 متر عن سطح البحر على سهول خضراء شاسعة، تشرب تلك السهول من ينابيعها صيفاً شتاءً دون أن تكف عيون بلودان عن العطاء.
“بلودان جنة وللجنة بينسبوها.. وقصة عدن فيها تورخوها/ بلودان قطعة من الفردوس منشالي.. وكل الناس صاروا يقصدوها/ ضيعتي بأيام عتم الليالي.. جدودنا كسروا الصخر وبنوها/ ومن عصر نوح بعهود الخوالي.. فيها كروم الدوالي بيزرعوها/ ضيعتي دروبها قناطر دوالي.. وخوابي الخمر فيها عتقوها”.
تقع بلودان على نهاية جدار جبل “الشقيف” وهو جزء من سلسلة جبال لبنان الشرقية من ناحية الغرب، ويشرف هذا الجبل على سرغايا والزبداني، وترتفع عن سطح البحر 1550 م.
أما أهم المعالم السياحية في بلودان فهي “شجرة مار الياس” وهي شجرة سنديان قديمة ومعمرة وتتبارك بها جميع الطوائف في المنطقة وتدعى “شجرة الخضر”، وتقع أسفل بلودان في منطقة الجرجانية. ويقول فيها الشاعر البلوداني “إميل منصور”:
“سألت الناس عن هالسندياني.. لبيساع بجوفها سبعة تماني/ جدي قال: قلو جد جدي.. وجدهن قال ما هي عازماني/ إنتي هون مين قلك تشدي.. ومن وين الأساس الأولاني/ قالتلي أنا من دهور عدة.. آدم هون بلوطة رماني/ قلت بالقطع ما شفتي تعدي.. قالتلي مبلا وربي حماني”.
هنالك كثير من الفنادق في العالم تشتهر بتاريخها الحافل على قدم المساواة بما تقدمه من خدمات ومستويات عليا في الفخامة. والمجموعة العربية التالية هي لفنادق عربية كلاسيكية تجمع فيما بينها أجمل نفحات التاريخ للشخصيات التي نزلت فيها وربما أيضا الأحداث التي صاحبت الفنادق وربما المدن التي تقع فيها هذه الفنادق ومسارات السياسة التي تغيرت بعد اجتماعات في أروقتها.
هذه الفنادق تتبع تقاليد ضيافة أصيلة وتعد مدارس في حد ذاتها في تقديم خدماتها لكبار الضيوف. ومن ينزل في هذه الفنادق في العصر الحديث يمكنه أن يلامس التاريخ وأحداثه في أركانها المختلفة. ويتذكر قدامى العاملين في هذه الفنادق شخصيات كثيرة وأحداثا عدة وقعت فيها على مر السنين ولكنهم يلتزمون بتعهد عدم البوح بأسرار ضيوفهم.
يقودك ما تغنى به الشاعر السوري نزار قباني “أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي لسال منه عناقيد وتفاح” إلى أماكن ساحرة بما تخفيه مدينة ظلت تكنى بياسمينها، بينما بيوتها العتيقة أشبه بـ”قارورة عطر”، ومنها إلى الغوطة والسهول والجبال المكتنزة بطعم آخر للجمال وريفها الأخاذ، وصولاً إلى مكان يعد ثاني أعلى قمة من قمم الجبال في سورية، إنها (بلودان).
“بلودان الكبير”… قصة فندق سوري شهد أولى القمم العربية
“بلودان الكبير” الشاهد على حقبة سياسية مفصلية بتاريخ العرب فترة الثلاثينيات من القرن العشرين الماضي، تروي جدرانه وقاعاته قصة التقاء البلدان العربية في أكثر الأوقات صعوبة من تاريخ أمة غارقة بفوضى عارمة من الاحتلال والجهل والنزاعات في فترة ما بين الحربين العالميتين.
الحياة في بلودان
مع كل قمة تعقدها الجامعة العربية يتذكر السوريون فندق بلودان الكبير بعد أن ارتبط اسمه بهذا المؤتمر العربي الأول من نوعه، جدد الفندق قبل الحرب الأخيرة في سورية محافظاً على مقتنيات اثرية وتحف شعبية كآلات الموسيقى المحفوظة بردهته، وصور لشخصيات وشخوص عربية متنوعة الثقافات.
وعلى رغم الظروف الصعبة التي مرت على الفندق منذ 2011 فإنه لا يزال مقصداً للسياح وخاصة بوجود مسبحه العائلي الشهير الذي كان مقصوداً من نخبة الدمشقيين للسباحة فيه، ومن ثم تناول الغداء في اجد مقاصفه الشهيرة كابي زاد ومورة ثم زحفت هذه المقاصف لى اعلى جباله الشمالية ككرم العلالي و… ليصل المرء ورحلات المسير الكشفية الى اطلال دير جبل اليونان المطل غربا على سهل البقاع اللبناني ولولا الحرب على سورية لكان أُعيد احياء هذا الدير الذي جعلته المجموعات المسلحة وكراً لضرب اليونان وهو وقف لبطريركية الروم الارثوذكس والهمة الآن لاعادة بنيانه.