ثانيا – التاريخ و الارتباط المباشر بالمشرق :
قبرص جزيرة تقع بين خطي عرض (35 َ 34 ْ ـ42 َ 35 ْ شمال خط الاستواء، وبين خطي طول 17 َ 32 ْ ـ40 َ 34 ْ شرق غرينتش). وهي ثالث أكبر جزيرة من جزر البحر المتوسط بعد صقلية وسردينيا إذ تبلغ مساحتها نحو 9280 كم²، ولا تبعد جزيرة قبرص عن تركيا سوى 70 كم، وهي المسافة الفاصلة بين رأس كورماكيتي Kormakiti القبرصي الشمالي ورأس أنامور Anamur التركي الجنوبي، ولكنها تبعد عن سورية 110 كم، وهي المسافة الفاصلة بين ساحل اللاذقية ورأس سان اندرياس St. Andreas القبرصي الشرقي.
“خيروكيتيا” القريبة من مدينة لارنكا على الشاطئ الجنوبي من الجزيرة
يعود الارتباط السكاني بين الجزيرة و السواحل السورية من جهة الغرب إلى العصر الحجري الحديث , و ما يدل على ذلك مناجم خيروكيتيا و مناجم كالافاسوس تنتا , الّتي بنوها السوريون القادمون من شواطئنا حوالي سنة 7000 قبل الميلاد أي قبل مجيئ اليونانيون إلى الجزيرة بنحو 6 الآف عام , كما صدر النحاس إلى بلاد الرافدين و الشام عن طريق المدن السورية و نشأت علاقات تجارية قوية بين قبرص و الساحل السوري المعروف الآن إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد حيث ازدهرت هذه التجارة.
و وجد العديد من الآثار و الخزف الأوغارتية , و وجد علماء الآثار العديد من القطع النقدية من الفضة و البرونز في جزيرة “آرادوس – ارواد”مشابهة لمثيلتها في قبرص , و هذه العملات لم يقتصر وجودها على المراكز التجارية الفنيقية في قبرص بل في مختلف المراكز مثل قرطاج في تونس و جزيرة صقيلية في إيطاليا و لجزيرة سريدينيا التابعة لفرنسا و تشابهت هذه العِمل النقدية بالرموز الفينيقية كالمياه و حصان البحر و الدلافين و بالإضافة إلى رموز دينية مثل الإله ملقارات و أيضا نقوش شجر الأرز , و هذا دليل على نشوء تجارة قديمة بين البر السوري و قبرص.
و قد تزامن هذا العهد السابق للميلاد مع هجرات متواصلة من سكان الجزيرة إلى السواحل السورية و بالعكس , و الفضل الكبير يعود إلى الحضارة الفينيقية الّتي أسهمت بشكل كبير في توطين حياة السوري على قبرص لقربها من مدنهم الاساسية ك صور العاصمة و جبيل المدينة الدينية و ما مكن الفينيقيين من الانتشار الواسع في حوض البحر المتوسط و ما بعده هو تصميم لعدة نماذج من السّفن الشراعية القوية و المتينة و الّتي بعضها كان يتشكل من سارية واحدة و شراع مربع و تتحرك بقوّة الدفع عن طريق مجاديف خشبية.
نماذج السّفن الفينيقية
أسلافنا البحارة عملوا في الملاحة و صيد الأسماك و التجارة و كانوا يغطسون عميقاً في المياه لحصاد الاسفنج البحري و من ثم يعالجونه و يستخدموه للتنظيف او لبيعه و يعود الفضل لهم باكتشاف المرجان البحري و برعوا بصناعة الألبسة الارجوانية و العاج و الزجاج و الفخاريات و الغار و النبيذ و مختلف السلع , و أما في قبرص بالإضافة إلى أعمالهم التقليدية التي كانوا يقومون بها , فاستخرجوا النحاس و الأحجار الكريمة الثمينة الّتي كانت تباع معهم بأسعارٍ كبيرة .
و قد دلت الحفريات التي تمت قرب مدينة لارنكا القبرصية بوجود نقوش فينيقية كثيرة قرب المدينة و أن الفينيقيين استوطنوا هناك في االالفية الأولة قبل الميلاد و تبعهم غيرهم و بأعداد كبيرة عام 700 قبل الميلاد و كانت أحد مدنهم الهامة تسمى كيتيون وهي دولة فينيقية في قبرص , و أشاد الفينيقيون في قبرص العديد من النقاط التجارية التي انطلقوا منها إلى بحر إيجه و جزيرة صقلية و مالطا و إلى تونس و تشييد مدينة قرطاج و وصولا إلى اسبانيا و سواحل أوروبا المطلة على المحيط الأطلسي بدافع التجارة و حبهم للاستكشاف , و الجدير بالذكر بأن الفينيقيون هم أول من مدن قبرص و الفيلسوف زينون صاحب المدرسة الرواقية كان سوري فينيقي من قبرص إلّا أنَّهُ دُفن في اليونان وكرموه بشكلٍ لائق .
مدينة كيتيون الأثرية
من القرن 8 إلى 6 قبل الميلاد كانت قبرص تحت الإدارة الآشورية، و كان الملك سرجون الثاني يفتخر بأنه تلقى خضوع ملوك قبرص حسب المسلّة التي نصبت في كيتيون، عاصمة الدولة الآشورية في قبرص، و أبقى الآشوريون على المدن القبرصية التي وصل عددها إلى 10 مدن سنة 673 ق.م حسب لائحة التابعين لأسرحدون و آشور بانيبال
ثالثا – الثقافة و العادات
التأثير الفينيقي كان واضحا في اللغة و الكتابة، و حتى في شكل الأواني و الهندسة المعمارية و الأشكال التصميمية للقبور مثل قبور تاماسوس و كايتون و غلوغوي و تربيزا و هناك مدوّنة جنائزيّة تعود إلى بداية القرن 9 قبل الميلاد وتدلّ على أنّ الفينيقيّين الذين أقاموا سنة 900ق.م في قبرص، احتاجوا أن يملؤوا مدفن أحد الوجهاء بالدعوات على من يتجرأ ويتعدّى على القبر، و بالإضافة إلى الهندسة الموجودة فهي تنبع من الهندسة الفينيقية الموجودة آثارها في بلاد كنعان قرب “اورسليم (الاسم الآرامي)-اورشليم (الاسم العبراني)” القدس، و اكتشاف مئات الآثار السورية الآشورية و الفينيقية و ما قبل، وبالنسبة إلى الدين كانت قبرص تؤمن بالآلهة بعل وأشمون وملقارت وعشتار وغات و آلهة قبرصية مثل فوماي و سَسم.
آثار فينيقية مكتشفة في قبرص تعود للألف الأول قبل الميلاد معروضة في متحف ميتوربلانت – نيو يورك
و قرب الجزيرة من مدينة أنطاكية السورية عاصمة الكرسي الانطاكي في العالم ثم اصبحت دمشق ، ثم استقلت كنيسة قبرص في مطلع القرن الخامس المسيحي عن الكرسي الانطاكي واصبحت كنيسة مستقلة لها رئيس اساقفة ومطارنة ابرشيات.
ان الطابع المشرقي الموجود في الموسيقى والفلكلور القبرصي، كله يأتي ضمن إطار قرب العلاقات الإنسانية و تشابهها إلى حد بعيد مع نظيرتها في سواحل سورية الغربية، ووفق القوانين الدولية للجزر فإن جزيرة قبرص تقع ضمن المياه الأقليمية السورية المحتلة من تركيا، لذا هي جزيرة جغرافياً وتاريخياً وإنسانياً سورية. وبالرغم من مضي أكثر 2000 عام تقريبا على آخر حضارة سورية كانت موجودة هناك، إلا أنها ما زالت محافظة على طابعها الشرقي المتوسطي الّذي يجعلها سورية.
و لماذا لم نقوم بمساعي لتحقيق غايات اقتصادية على الأقل مع قبرص؟
ل سؤال مشروع بعد تبيان انها سورية في كل ماذكرنا يجيب البعض أننا شعب بالعموم متعب، وضعف عوده بعد الإحتلالات المتتالية التي لم تواجهها أمة في التاريخ من الفارسي، إلى العربي، إلى التركي السلجوقي والعثماني إلى الأوربي وأخيرا إلى الاحتلال الفكري العروبيماجعلنا اننا مجتمع جاهل ولا يقرأ، ولا يهتم سوى لمسكنه الصغيرالساكن فيه مما أدى إلى ضياع الهوية السورية القبرصية و تقسيم الأمة إلى جزئيات مجهرية لا ترى على خارطة العالم الحديث .
ولكن يقينا انه إذا كانت الجزيرة تنتمي جغرافياً إلى القارة الآسيوية، غير أنها بشرياً وثقافياً يغلب عليها الطابع الأوربي.
تتمتع قبرص بمناظر خلابة للغاية. وتنتظم الجبال الوعرة والشواطئ الرملية ذات اللون الذهبي على طول الساحل. ويفصل سهل مساوريا العريض الخصيب بين سلسلتي جبال ترودس وكيرنيا. وتُعدّ سلسلة ترودوس التي تقع في الجانب الغربي، السلسلة الكبرى. وتغطي بعض أجزاء هذه السلسلة غابات كثيفة. وأعلى قمة في هذه السلسلة هي قمة جبل أوليمبس وتبلغ 1,952م فوق مستوى سطح البحر. وتمتد سلسلة جبال كيرينا على طول الساحل الشمالي لقبرص.
تضاريس قبرص في معظمها جبلية، حيث تشكل الجبال وأشباهها نحو 70% من مساحة الجزيرة، والباقي سهول، وتنتظم جبال الجزيرة ضمن سلسلتين، إحداهما جنوبية متكتلة تشكل معظم أراضي نصفها الجنوبي، والأخرى شمالية متطاولة تمتد على طول ساحلها الشمالي من خليج مورفو إلى رأس سانت أندرياس، ويفصل بين الكتلتين سهل واسع. وتعرف السلسلة الجنوبية الضخمة باسم جبال ترودس Troodos المؤلفة من العديد من الجبال الشاهقة التي يشمخ بعضها إلى ارتفاعات تزيد على 1500م، كما في جبل اوليمبوس Olympus أعلى جبال الجزيرة الذي يصل ارتفاعه إلى 1653م، وجبل ادلفي Adelphi بقمته ذات الارتفاع 1617م، وجبل بابوتسا Papoutsa بارتفاع 1562م.
ويبلغ امتداد السلسلة الشمالية نحو 160كم على طول الساحل الشمالي، فيما يعرف الجزء الغربي منها باسم جبال كيرنيا Kyrenia، والجزء الشرقي باسم جبال كارباس Karpas، وهي أخفض ارتفاعاً من جبال ترودوس، ويقل ارتفاعها من الغرب باتجاه الشرق؛ حيث ترتفع أعلى قمة في جبال كيرِنيا وهي قمة جبل بو فافنتو Buffavento إلى 956م، بينما لا يصل أعلى ارتفاع في جبال كاراباس 600م، كما أنها أقل اتساعاً، إذ لا يتجاوز وسطي عرضها 10كم، في حين يزيد اتساع السلسلة الجنوبية على 30كم.
وإضافة إلى السهول الساحلية الضيقة عموماً الممتدة على طول سواحل الجزيرة، وباتساع تراوح بين 2 كم في الشمال والجنوب الغربي، ونحو 4-8كم في الشرق والغرب، فإن أعظم سهولها هي السهول الوسطى الفاصلة بين جبال ترودوس وجبال كيرنيا، والمعروفة بسهول مساوريا Mesaoria الممتدة من خليج مورفو غرباً إلى خليج فاماغوستا شرقاً بطول نحو 96كم، واتساع يراوح بين 16-32كم. وهي سهول رسوبية لحقية، خصبة التربة، تؤلف عماد الاقتصاد الزراعي في الجزيرة، وترويها مجموعة من المجاري المائية النهرية التي تنبع من الجبال على جانبيها، من أهمها نهران ينبعان من جبال ترودوس، هما: نهر بيدياس Pedias ونهر يالياسYalias، كما ينبع العديد من الأنهار القصيرة المجاري من أعالي المنحدرات الجنوبية لجبال ترودس، متدفقة جنوباً إلى البحر، وثمة أنهار أخرى أقصر في الشمال.
قبرص جزيرة ذات مناخ لطيف مُشمس طوال العام. ويتساقط الجليد بكثرة على جبال ترودوس في بداية العام الميلادي. اما سهل ماسوريا فمعتدل شتاء، إلا أن الحرارة قد ترتفع في فصل الصيف إلى أكثر من 38°م.
الأمطارقبرص ذات مناخ متوسطي نموذجي دافئ جاف صيفاً، ومعتدل رطب ماطر شتاء، مع وجود فروقات كبيرة في الحرارة والأمطار ما بين سهولها وجبالها، ففي نيقوسيا الواقعة في منتصف سهل ميساوريا يبلغ متوسط حرارة شهر يناير 10.2ْم وشهر يوليو 32.2ْم، أما في ليماسول Limassol على الساحل الجنوبي، فإن متوسط حرارة يناير يرتفع إلى 12.5ْم، وينخفض متوسط حرارة يوليو إلى 29.8ْم؛ ليتدنى متوسط حرارة يناير في الجبال الجنوبية إلى نحو 4.5ْم، و21.5ْم في تموز. أما الهطول فمعظمه مطري باستثناء أعالي الجبال الجنوبية التي تهطل الثلوج فوقها شتاء. ويبلغ المتوسط السنوي للأمطار في قبرص نحو 480مم، مع تباين كبير ما بين أجزائها المختلفة؛ ففي حين تتجاوز كمية الأمطار السنوية 100سم في الجبال الجنوبية، فهي في السهول الغربية بين 60-80سم، وفي السهول الشرقية بين 50-60سم، لكنها في سهل مساوريا بين 30-50سم، وتكون في نيقوسيا نحو 48سم، ونحو 80% من أمطار قبرص تهطل في نصف السنة الشتوي، وتكاد أشهر الصيف الثلاثة حزيران وتموز وآب تكون خالية من الأمطار. ولجنوبي قبرص دورمهم في تشكل بعض المنخفضات الجوية الجبهية، وفي بعث المنخفضات الجوية الهرمة التي تصلها.
وتغطي الغابات نحو 1740 كم² من مساحة الجزيرة؛ ما يكافئ 19% من إجمالي مساحتها، وتغلب عليها أشجار: السرو والأرز والخرنوب والزيتون والصنوبر (الحلبي والكورسيكي والحجري) والأوكاليتيوس.