بعد 77 عاما من مقتله رميا بالرصاص مازال الزعيم الإيطالي الفاشي بينيتو موسوليني مثيرا للجدل.
فقد رفضت جامعة سويسرية إلغاء درجة الدكتوراه الفخرية التي منحتها في ثلاثينيات القرن العشرين للديكتاتور الإيطالي.
وقالت جامعة لوزان إنها لا تريد إعطاء الانطباع بأنها تسعى إلى إنكار أو محو الماضي.
وخلصت المراجعة إلى أن تكريم موسوليني كان “خطأ فادحا”، لكن يجب أن تظل الجائزة سارية كتحذير دائم ضد “الانجراف الأيديولوجي”.
وقال رئيس الجامعة، فريدريك هيرمان، إن قيمها مناقضة للفاشية.
وكانت جامعة لوزان قد كرمت الزعيم الفاشي في عام 1937 “لأنه تخيل وحقق في وطنه منظمة اجتماعية …. ستترك بصمة عميقة في التاريخ”.
وطُلب من الجامعة عدة مرات سحب التكريم المثير للجدل لموسوليني الذي كان حليفا لأدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية.
لكن الجامعة قالت في بيان بهذا الشأن”بدلا من إنكار أو محو هذه الحادثة التي هي جزء من تاريخها، تريد الجامعة أن تكون بمثابة تحذير دائم”.
وكان قد تم إعدام موسوليني رميا بالرصاص على يد الثوار الإيطاليين في 28 أبريل/نيسان من عام 1945.
موسوليني هو مؤسس الفاشية وزعيم إيطاليا من عام 1922 إلى عام 1943. وهو أول ديكتاتور فاشي في أوروبا في القرن العشرين، وأدخل إيطاليا في تحالف مع ألمانيا النازية واليابان في الحرب العالمية الثانية.
وُلد بينيتو أميلكير أندريا موسوليني في 29 تموز من عام 1883 في بريدابيو شمال وسط إيطاليا، وكان والده حدادا، وكان النجل الأول بين ثلاثة أبناء.
وفي السنوات اللاحقة، أعرب عن فخره بأصوله المتواضعة وغالبا ما تحدث عن نفسه بوصفه “رجل الشعب”.
وكانت عائلة موسوليني، في الواقع، أقل تواضعاً مما زعم حيث كان والده، صحفياً اشتراكياً بدوام جزئي، بالإضافة إلى عمله كحداد، وكان جده ضابطاً في الحرس الوطني، وكانت والدته معلمة، لكن الأسرة كانت فقيرة بالتأكيد.
وكانت الأسرة تعيش في غرفتين مزدحمتين في الطابق الثاني من قصر صغير متهالك. ولأن والد موسوليني كان يقضي معظم وقته في مناقشة السياسة في الحانات وينفق معظم أمواله على عشيقته، فإن الوجبات التي كان يتناولها أطفاله الثلاثة كانت في كثير من الأحيان هزيلة.
وكان موسوليني وهو طفل لا يهدأ، كما كان عاصياً وعدوانياً و متنمراً في المدرسة ومزاجياً في المنزل. ولكنه كان أيضا ذكياً حيث اجتاز امتحاناته النهائية دون صعوبة وحصل على دبلوم في التدريس .
وكانت آفاق التوظيف في المنطقة التي ترعرع فيها ضعيفة لذلك انتقل في عام 1902 إلى سويسرا حيث انخرط في السياسة الاشتراكية.
وعندما غادر إلى سويسرا في سن التاسعة عشرة، كان شاباً قصيراً شاحبا وله فك قوي وعينان هائلتان ومظلمتان وثاقبتان، ولم يكن معه عندما ترك إيطاليا سوى ميدالية من النيكل لكارل ماركس في جيوبه الفارغة. خلال الأشهر القليلة التالية، وفقا لروايته الخاصة، عاش متنقلاً من وظيفة إلى أخرى.
وفي سويسرا، بدأ يكتسب سمعة باعتباره شاباً يتمتع بجاذبية غريبة ومواهب خطابية رائعة.
وقد اشتهر كصحفي سياسي وخطيب عام، وأنتج في تلك الفترة دعاية لنقابة عمالية، واقترح إضراباً، ودعا إلى العنف كوسيلة لفرض المطالب، كما دعا مرارا إلى يوم الانتقام، وقد تم اعتقاله وسجنه أكثر من مرة.
عاد إلى إيطاليا عام 1904. ولبعض الوقت بعد عودته لم يسمع عنه سوى القليل حيث أصبح مديرا لمدرسة في شمال أوديني. ولكن سرعان ما سئم من هذه الحياة المهدرة، وعاد إلى العمل النقابي والصحافة والسياسة المتطرفة مما أدى به مرة أخرى إلى الاعتقال والسجن.
وخلال فترة الحرية في عام 1909، وقع في حب راشيل غيدي، البالغة من العمر 16 عاما، وهي الابنة الصغرى لعشيقة والده الأرملة، وقد ذهبت للعيش معه في شقة رطبة وضيقة في فورلي وتزوجته لاحقا.
بعد فترة وجيزة من الزواج، سُجن موسوليني للمرة الخامسة ولكن بحلول ذلك الوقت، أصبح الرفيق موسوليني معروفا كأحد أكثر الاشتراكيين الشباب موهبة وخطورة.
وبعد الكتابة في مجموعة متنوعة من الصحف الاشتراكية، أسس صحيفة خاصة به هي لالوتا دي كلاسي (الصراع الطبقي).
وكانت تلك الصحيفة ناجحة جدا لدرجة أنه تم تعيينه في عام 1912 رئيساً لتحرير الجريدة الاشتراكية الرسمية أفانتي (إلى الأمام) والتي سرعان ما تضاعف توزيعها، وباعتباره رئيس تحريرها المناهض للعسكرية والقومية والمناهض للإمبريالية، فقد عارض بشدة تدخل إيطاليا في الحرب العالمية الأولى.
سرعان ما غير رأيه بشأن التدخل في الحرب العالمية الأولى متأثرا برؤية كارل ماركس بأن الثورة الاجتماعية عادة ما تتبع الحرب، وكان مقتنعا بأن “هزيمة فرنسا ستكون ضربة قاضية للحرية في أوروبا”.
وبدأ في كتابة المقالات وإلقاء الخطب بعنف لصالح الحرب التي أدانها في السابق، واستقال من صحيفة أفانتي، وطُرد من الحزب الاشتراكي.
وبتمويل من الحكومة الفرنسية ورجال الصناعة الإيطاليين، وكلاهما فضل الحرب ضد النمسا، تولى رئاسة تحرير إل بوبولو دي لإيطاليا (شعب إيطاليا) حيث صرح بفلسفته الجديدة بشكل لا لبس فيه: “من اليوم فصاعدا، كلنا إيطاليون ولا شيء غير إيطاليين، الآن بعد أن التقى الفولاذ بالفولاذ صرخة واحدة تنبع من قلوبنا.. فيفا لإيطاليا (عاشت إيطاليا) “كانت صرخة ولادة الفاشية”.
وذهب موسوليني للقتال في الحرب في أيلول من عام 1915.
أصيب موسوليني أثناء خدمته في الجيش وعاد إلى الوطن. وفي وقت مبكر من شباط من عام 1918، دعا إلى ظهور ديكتاتور “رجل صارم مفعم بالحيوية بما يكفي لمواجهة الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تجتاح إيطاليا”.
وبعد 3 أشهر، ألمح في خطاب إلى أنه هو نفسه هذا الرجل. وفي العام التالي تشكلت نواة حزب على استعداد لدعم فكرته الطموحة في ميلانو. ففي مكتب في ساحة سان سيبولكرو، اجتمع حوالي 200 من الجمهوريين والفوضويين والنقابيين والاشتراكيين الساخطين والثوريين القلقين والجنود المسرحين لمناقشة إنشاء قوة جديدة في السياسة الإيطالية.
وشكل موسوليني في آذار من عام 1919 الحزب الفاشي الذي حظي بدعم العديد من قدامى المحاربين العاطلين عن العمل.
وقد نظمهم موسوليني في مجموعات مسلحة أطلق عليها اسم “فاشيستي كومباتينو” (عصابات القتال)، وهي مجموعات من المقاتلين.
وقد عُرفت تلك المجموعات المسلحة باسم القمصان السوداء، والتي أثارت ذعر خصوم موسوليني السياسيين.
واجتاحت الفرق الفاشية البلاد واعتقلت الاشتراكيين، وأحرقت المكاتب النقابية والحزبية، وأرعبت السكان المحليين.
وتعرض المئات من الراديكاليين للإذلال والضرب والقتل. وفي أواخر عام 1920، بدأت جماعات القمصان السوداء، بمساعدة مباشرة من ملاك الأراضي، في مهاجمة المؤسسات الحكومية المحلية ومنع الإدارات اليسارية من تولي السلطة.
وبحلول أواخر عام 1921، سيطر الفاشيون على أجزاء كبيرة من إيطاليا فيما كان اليسار قد انهار تقريباً.
ولم تفعل الحكومة، التي يهيمن عليها الليبراليون من الطبقة الوسطى سوى القليل لمكافحة هذا الفوضى سواء بسبب الإرادة السياسية الضعيفة أو الرغبة في رؤية اليسار من الطبقة العاملة مهزوما. كما قامت الحركة الفاشية ببناء قاعدة عريضة من الدعم حول الأفكار القومية ومعاداة البلشفية.
وبدأ موسوليني التخطيط للاستيلاء على السلطة على المستوى الوطني.
وفي عام 1921، تمت دعوة الحزب الفاشي للانضمام إلى الحكومة الائتلافية.
وبحلول تشرين الأول من عام 1922، بدت إيطاليا وكأنها تنزلق إلى الفوضى السياسية، وسارت مجموعات القمصان السوداء إلى روما وقدم موسوليني نفسه على أنه الرجل الوحيد القادر على استعادة النظام.
وقد دعا الملك فيكتور إيمانويل، موسوليني لتشكيل حكومة.
رحب العديد من الإيطاليين، وخاصة بين الطبقة الوسطى، بسلطته فقد سئموا الإضرابات وأعمال الشغب واستجابوا لأساليب الفاشية الملتهبة، وكانوا مستعدين للخضوع للديكتاتورية بشرط استقرار الاقتصاد الوطني واستعادة بلدهم لكرامته.
وقد بدا لهم موسوليني الرجل الوحيد القادر على إخراج النظام من الفوضى، وسرعان ما تم استعادة نوع من النظام، وأطلق الفاشيون برامج طموحة للأشغال العامة.
وكانت كُلفة ذلك باهظة، فقد تم إلغاء النظام الديمقراطي الهش في إيطاليا لصالح دولة الحزب الواحد، وتم حظر أحزاب المعارضة والنقابات العمالية والصحافة الحرة، وتم سحق حرية التعبير.
كما قامت شبكة من الجواسيس ورجال الشرطة السرية بمراقبة الشعب.
ورغم ذلك، أشادت شخصيات عامة في جميع أنحاء العالم بموسوليني باعتباره عبقرياً و”سوبرمان” حيث اعتبرت إنجازاته بمثابة المعجزة، فقد غير وأعاد تنشيط بلاده المنقسمة والمحبطة، وأجرى إصلاحات اجتماعية دون أن يفقد دعم الصناعيين وملاك الأراضي.
كما نجح بينيتو موسوليني في التصالح مع البابوية حيث اعترفت الحكومة الإيطالية الفاشية في 7 حزيران من عام 1929 بالسيادة المستقلة لمدينة الفاتيكان في معاهدة لاتران، حيث يمارس البابا السيادة عند انتخابه رئيسا للكنيسة الكاثوليكية سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية مطلقة داخل مدينة الفاتيكان.
وقد تم توقيع تلك المعاهدة في عهد البابا بيوس الحادي عشر.
ومع ذلك، كان الواقع أقل وردية بكثير مما أظهرته الدعاية فقد ظلت الانقسامات الاجتماعية هائلة، ولم يتم عمل الكثير لمعالجة المشاكل الهيكلية العميقة الجذور للدولة والاقتصاد الإيطاليين.
وفي عام 1925 جعل موسوليني من نفسه ديكتاتوراً وحمل لقب “الدوتشي”، وشرع في محاولة إعادة تأسيس إيطاليا كقوة أوروبية عظمى.
وقام موسوليني في عام 1935 بغزو إثيوبيا ودمجها في إمبراطوريته الإيطالية الجديدة.
وقد شهدت عملية غزو إثيوبيا حملة وحشية حيث ألقى الإيطاليون أطنانا من قنابل الغاز على الشعب الإثيوبي، وقد أعربت أوربة عن قلقها ولكنها لم تفعل أكثر من ذلك.
وفرضت عصبة الأمم عقوبات، لكنها أكدت أن قائمة الصادرات المحظورة لا تتضمن أيا من الصادرات التي قد تثير حربا أوروبية مثل النفط.
ولاحقا، قال موسوليني لو كانت العصبة قد فرضت عقوبات نفطية لكان عليه الانسحاب من إثيوبيا في غضون أسبوع.
لكنه لم يواجه مثل هذه المشكلة، وفي ليلة 9 آيار من عام 1936، أعلن أمام حشد هائل في روما أنه “في العام الرابع عشر من الحقبة الفاشية” حدث عظيم تم إنجازه فقد بات لإيطاليا إمبراطوريتها. وربما تكون تلك اللحظة بمثابة ذروة الدعم الشعبي للنظام.
كما قدم موسوليني الدعم العسكري لفرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية، وبلغ التعاون المتزايد مع ألمانيا النازية ذروته في عام 1939 بإبرام ميثاق الصلب بين البلدين، (محور برلين -روما) الذي انضمت له اليابان فيما بعد.
وبدأ موسوليني، متأثراً بهتلر، في إدخال تشريعات معادية لليهود في إيطاليا.
بينما أدرك موسوليني أن السلام ضروري لرفاهية إيطاليا وأن حربا طويلة قد تكون كارثية وأنه يجب ألا “يسير بشكل أعمى مع الألمان”، فقد كان متخوفا من أن عدم التدخل إلى جانبهم في الحرب العالمية الثانية سيفقده “جزءاً من الغنيمة”.
وقد سجل وزير خارجيته وصهره، الكونت غالياتسو سيانو، أنه خلال مناقشة طويلة وغير حاسمة في قصر فينيسيا، وافق موسوليني في البداية على أن إيطاليا يجب ألا تذهب إلى الحرب “ثم قال إن الشرف يجبره على السير مع ألمانيا”.
وقد كشف إعلانه للحرب على بريطانيا وفرنسا في حزيران من عام 1940 عن ضعف الجيش الإيطالي وأعقبته سلسلة من الهزائم في شمال وشرق أفريقيا والبلقان.
وفي تموز من عام 1943، نزلت قوات الحلفاء في صقلية وتمت الإطاحة بموسوليني وسجنه من قبل زملائه السابقين في الحكومة الفاشية.
وفي أيلول من ذلك العام، وقعت إيطاليا هدنة مع الحلفاء.
وبدأ الجيش الألماني عملية احتلال إيطاليا وأنقذ الكوماندوز الألماني موسوليني ليتم تنصيبه على رأس حكومة جديدة، ولكن لم يكن لديه سوى القليل من السلطة.
ومع تقدم الحلفاء شمالا عبر إيطاليا، هرب موسوليني نحو سويسرا ولكن تم القبض عليه من قبل الثوار الإيطاليين وقتل بالرصاص في 28 نيسان من عام 1945.
واستقبل السواد الأعظم من الشعب الإيطالي مقتل موسوليني دون ندم. لقد جر بلده إلى حرب مدمرة لم تكن راغبة في خوضها وغير مستعدة لها.
وتمت استعادة الديمقراطية في البلاد بعد 20 عاما من الديكتاتورية، وحصل حزب الفاشي الجديد، الذي اتبع مُثل موسوليني، على 2 في المئة فقط من الأصوات في انتخابات عام 1948.
ب ب س نيوز