36 مدفناً أسرياً مقببا”بحجارة بازلتية في مقبرة “قصر نجمة”..في السويداء
حملت المدافن “المقببة” المكتشفة في محافظة “السويداء” والتي تعددت نماذجها من عصر لآخر، العديد من الموروثات الحضارية المتعاقبة على هذه المنطقة منذ أكثر من ألفي عام،.
.
وبالرغم من أن المدافن المقببة تعود الى نهاية العصر البرونزي الحديث، إلا أن اكتشافها وإظهارها للعلن لا يتجاوز عمره ثمانية عشر عاماً،
.
تضم مجموعة من العمائر الدائرية أو شبه الدائرية تبين أنها مقابر أثرية تعود إلى العصر الهلنستي النبطي، واستعملت في العصر الروماني، كما ترافقت مع وجود لقى أثرية مخصصة للجنائز…
وتنتشر المدافن الأثرية المقببة فوق تلة أثرية تقع إلى الغرب من مدينة “السويداء” في موقع يسمى “قصر نجمة”، حيث يعود تاريخ هذه المدافن التي تأخذ شكلاً دائرياً إلى نهاية عصر البرونز الحديث وبداية عصر الأنباط.
.
كانت هذه المقبرة قبل الكشف عنها توحي لمن يشاهدها أنها عبارة عن مجموعة كبيرة من الحجارة المختلفة الأوزان (رجوم) ناتجة عن الأعمال الزراعية واستصلاح المساحات الجانبية للأرض في سبيل تحويلها إلى مكان زراعي، ولكن في حقيقة الأمر إن هذه المظاهر هي آثار لمدافن أسرية تتفاوت أحجامها حسب عدد أفراد الأسرة، غير أن المزارعين في المنطقة استمروا في رمي الحجارة الناتجة عن (تعزيل) الأرض الزراعية فوق هذه المدافن لهدفين: أولهما الاستمرار في تنظيف الأرض واستغلال وجود المدفن فيها كي لا يتم استخدام مساحات جديدة لتجميع الحجارة، والثاني تركز على إخفاء المدفن عن عيون لصوص الآثار، عن طريق تحويل مظهرها الخارجي إلى مظهر زراعي صرف، وهذا ما جلب نتائج جيدة حافظ من خلالها الناس على تاريخ طويل من آثار المنطقة.
.
بنيت هذه المدافن وفق نماذج متعددة، فالنموذج الأول هو الدائري، وتتميز بمداخلها الضيقة والمنخفضة، وقد صممت على هذا الشكل ليقوم زائر هذه المدافن بالإنحناء احتراماً لقدسية الجنائز الموجودة داخل هذه المدافن،
وقد وثقت دائرة آثار “السويداء” أكثر من ستة وثلاثين مدفناً مقبباً،
.
كما تقع إلى الشمال من هذا الموقع عدة مدافن دائرية إلا أنها أكثر اتساعاً من النموذج الأول، فالمسقط الداخلي دائري بينما الخارجي مربع حيث تبلغ سماكة الجدران حوالي المترين، وهذه المدافن تطل على باحة مركزية مبلطة تزينها مجموعة من الزخارف والنقوش الأثرية.
.
ينتشر حول الباحة المبلطة عدد من “معازب” الدفن المنحوتة بدقة متناهية، حيث يغلق كل معزب أو مدفن بباب من الخشب أو الفخار، إذ يتم سحب الباب إلى الخارج كالدرج بغية تفريغ المدفن من العظام القديمة .
.
تنتشر نماذج المدافن الدائرية المقببة، أي التي تأخذ شكل الأبراج، بكثرة في محيط مدينة “السويداء”، وهذه المدافن مأخوذة من المسكن المنفرد، حيث بنيت على عدة حجرات حيث يقوم بناء كل حجرة على عمود مركزي وذلك بهدف حمل سقف الحجرة.
.
والملاحظ أن كل المدافن تم بناؤها فوق التلال والهدف من ذلك حمايتها من اللصوص،
وقد تم اكتشاف هذه المدافن مصادفة وذلك أثناء قيام أحد القاطنين في المنطقة ببناء منزل سكني، حيث تم إعلام السلطات الأثرية على الفور، وهذه المدافن لحسن الحظ تقع ضمن منطقة مأهولة بالسكان، وهذا ساهم في حماية هذه المدافن من العبث، وحالياً تعمل دائرة آثار “السويداء” على تسجيل هذه المنطقة على لائحة التراث الوطني.
وقد قامت دائرة آثار “السويداء” بأعمال التنقيب في عشرة مدافن، حيث تبين أنها متشابهة تماماً وبنيت من الحجارة البازلتية المحلية الكبيرة وغير المشذبة وهي مدافن أسرية تتسع لأكثر من شخصية، واللقى الموجودة بداخلها عبارة عن أوان فخارية وسرج وأدوات برونزية.
.
بدأت أعمال التنقيب في موسم 1997 مع البعثة السورية – الفرنسية، وتابعت دائرة آثار “السويداء” عملها في “قصر نجمة” بكادر وطني متميز حتى موسم 2007، وقد بلغ عدد المدافن الموثقة في تلة “قصر نجمة” 36 مدفناً، وهي متشابهة بشكل كبير من حيث أسلوب البناء والمسقط، فقد بنيت الجدران من كتل بازلتية محلية ثقيلة وكبيرة الحجم، وهي موجهة ومشذبة بشكل طفيف، ويعتبر بعضهم أن مخطط المدفن ذو شكل دائري، وبعضهم يعتبره شبه دائري، يتوسطه عمود مؤلف من عدة فرزات يعلوها تاج ثقيل لا شكل محدد له، حيث تستند عليه ربدات السقف، وهي شرائح بازلتية عشوائية الشكل غير منحوتة، وتستند من الجانب الثاني على نهاية جدار المدفن، حيث شكل المدماك الأخير ما يشبه الميازين التي تطورت لاحقاً وأصبحنا نراها بشكل واضح منذ العصر النبطي وما بعده في العصر الروماني.
.
كان الدخول إلى المدفن من باب وحيد يعلوه ساكف ضخم، حيث يضطر الداخل اليها للانحناء من أجل الدخول، وقد زودت بعض المدافن بدفة جانبية لحفظ الهدايا والتقديمات الجنائزية التي كانت سائدة في تلك العصور، وكانت اللقى التي تم الكشف عليها عبارة عن آنية فخارية وبرونزية كالملاعق والسروج والخرز الملون، وقد كان ملاحظاً أن بعض السرج لم تستخدم نهائياً في الخارج، أي إنها كانت من ضمن الأثاث الجنائزي.
.
يذكرنا نمط العمارة بالنمط المستخدم في العصور البرونزية في الجنوب السوري، ولكن اللقى التي اكتشفت تشير إلى استخدام هذه المدافن في العصر الهلنستي النبطي، ويوجد في مدينة “السويداء” نموذج مشابه نوعاً ما في موقع مقبرة “رافع” في الجانب الجنوبي الغربي للمدينة القديمة،
.
وقد لوحظ أن بعض أبواب المدافن كانت منحوتة الجوانب، وبعضها الآخر كان حجارة كبيرة عادية، ولكن لم يكتشف في أي منها باباً واحداً منحوتاً من (الحلس)، مما يدل على أن الأبواب كانت تغلق بالحجارة الكبيرة (الدبش)، خاصة أن نواتج تعزيل الأرض الزراعية كانت ترمى فوق المدفن،
وهذا يشير أيضاً إلى أن المدفن قد استخدم لمرة واحدة ولأسرة واحدة، و يعتقد ان هذه المدافن تعود إلى أسر متوسطة الحال بالنظر إلى التقديمات الجنائزية التي اكتشفت فيها، ولموقع المدفن.
.
وكانت البعثة الوطنية للتنقيب كشفت خلال مواسم سابقة في موقع قصر نجمة أحد أهم المعالم الأثرية في المدينة القديمة بالسويداء عن عدد كبير من السرج الفخارية مختلفة الأحجام والألوان مزخرفة بزخارف نباتية وهندسية تعود على الأغلب إلى الفترة الرومانية إضافة إلى لقى برونزية كالأساور والخواتم وقطع النقد وأقراط ذهبية وخرز.
مدونة وطن (بتصرف)