Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1470

الأديان محاولة بدائية لفهم الطبيعة

$
0
0
الاديان محاولة بدائية لفهم الطبيعة
مدخل

 

تشكل الأساطير الدينية ذلك الأساس القوي و الخصب الذي تعتمد عليه الأديان لفرض سلطتها على عقول البشر، و عبر التاريخ لم يظهر أو يتطور دين واحد سواء كان وثنياً أو سماويا (كما يسمونه) دون الإعتماد على كم هائل من الأساطير و المرويات و الحكايات الموروثة بين الشعوب كأساس لأحقيته بالسيطرة على المجال الروحي لمن يؤمنون به، و من صميم هذا المفهوم ظهرت تلك الفكرة التي تسمى بالمعجزة، و هي ليست إلا محاولة عبثية لإضفاء شيء من الحقيقة و الواقعية على ما أدعوه بالخيال السحري ذلك المجال الذي كان يتحرك داخله الطبيب الساحر أو ما يسمى ب Shaman، و هو ذلك الشخص الذي يتكلف داخل القبيلة بالعلاقة المتواصلة بين البشر و أرواح الطبيعة أو أرواح الأجداد أو الآلهة أو كل ما يمثلها في المخيال الشعبي للقبيلة التي ينتمي إليها،  هذا الشخص يتميز بمكانة خاصة داخل المجتمع، لكونه يمثل الحكمة الأزلية التي خصته بها الأرواح أو الآلهة التي يتكلف بالتواصل معها، و هي التي تمنحه القدرة على شفاء الأمراض و علاجها و التنبؤ بالمستقبل و ذلك تبعا لمجموعة من الطقوس التي يقوم بممارستها أو يلزم أفراد قبيلته بالقيام بها في مواقيت معينة.

علاقة هذا الطبيب الساحر الإستثنائية بمجال تحرك الآلهة هي التي تمنحه القدرة للولوج إلى خواصها و أسرارها المخفية عن عامة الناس، بينما يكتفي هؤلاء بإنتاج كمية متواصلة من الأساطير و القصص حول قدراتها و قواها الخفية و المطلقة و التي تنطلق دوما من المحيط المباشر الذي يتواجد داخله التجمع البشري، و بالذات من محاولات فهم و تفسير مختلف الظواهر الطبيعية التي تؤثر على البشر بشكل متواصل و يومي، و هو ما يجعل الأسطورة في بداياتها الأولى مجرد محاولات بدائية للبشر لتفسير الطبيعة و ظواهرها العصية على العقل البشري بقدراته المحدودة آنذاك.

و لنا أن نتخيل شكل الإنسان البدائي و هو يحاول تلمس طريقه لفهم الظواهر الطبيعية التي تؤثر على حياته بشكل يومي و متواصل، فهو يلاحظ مثلا أن الشمس الساطعة في كبد السماء، تشرق كل يوم مانحة إياه النور و الدفء و مبددة ظلام الليل و برودته مع يمثله من أخطار تتربص به كالحيوانات المتوحشة و الضواري؛ كما أنه يلاحظ تأثير الشمس و نورها القوي الذي يغمر الأرض بشكل دوري يختلف في قوته و حدته و يكرر نفسه عبر فترات معينة، فيرى المزروعات و الأشجار التي تنمو و تزهر و تعطي ثمارها و حبوبها الطيبة خلال فترات معينة ترتبط بإرتفاع الحرارة و إشراق الشمس لمدة طويلة خلال اليوم بينما تذبل و تموت في فترات أخرى تصبح فيها أشعة الشمس أقل و تتوارى عن الأنظار في وقت أقصر، و هو ما دفعه لإكتشاف دورات الفصول و تأثيرها على المناخ و ذلك حسب موقع الشمس في السماء، و بما أن عقله عاجز عن فهم تفاصيل القوانين الطبيعية التي تتحكم في حركة الشمس و مواقعها، فلم يبقى أمامه إلا تفسير واحد، و هو أن الشمس كائن مجرد يتحرك طبقا لإرادته، مما دفعه للتوجه إليه بالتقديس و التبجيل أولا، ثم العبادة عبر طقوس معينة لاحقا لكي يضمن رضاه التام عليه طيلة الوقت.

إلى جانب كل ما سبق، تطورت العبادة من التبجيل و التقديس لقرص الشمس، إلى طقوس و ممارسات تعبر عن الإيمان بالجرم السماوي كآلهة ذات سلطة مطلقة تسيطر بها على مصائر البشر، و تزامنت هذه الطقوس مع مواقع الشمس في السماء، و ما يسبق شروقها من نجوم دأب البشر على مراقبتها كل ليلة (مثل حزام أريون Orion’s Belt و نجم الشعرى اليمانية أو سيريوس Sirius), فعند قدماء المصريين مثلا إرتبط موعد فيضان النيل بشروق الشمس في إتجاه نجم سيريوس الذي يحدث في بداية الصيف أي وقت الإنقلاب الصيفي (Summer Solstice) ما بين 20 و 23 حزيران من كل عام, بينما ينعكس الأمر و يخفت تأثير الشمس وقت الإنقلاب الشتوي (Winter Solstice) بين 20 و 23 من ايلول من كل عام، و قد شكلت هذه التغييرات الدورية و المتكررة في تأثير الشمس على التجمعات البشرية البدائية مواقيت محددة لممارسة طقوس تعبدية تهدف إلى إرضاء الآلهة التي تتحكم في مصير البشر، و مع توالي الزمن نسج الإنسان مجموعات مفصلة من الأساطير و المرويات تدور كلها حول هاته الأحداث، التي لم يكن يملك لها تفسيرا منطقيا و عقليا واضحا، و نفس الأساطير و المرويات نجدها تتكرر عند معظم شعوب و حضارات منطقة الشرق الأوسط بالخصوص، حيث تشكلت أولى الحضارات التي عرفت الزراعة و نظمت حياتها طبقا لتوالي الفصول و التغييرات التي ترافقها في الطبيعة، فنجد أسطورة إله الشمس تتكرر مع آلهة و سخصيات مقدسة مختلفة مثل حورس و بعل و كريشنا و تموز و ميثراس و ديونيسوس و عيسى المسيح.

بهذا الشكل تبدو العلاقة الجدلية واضحة بين الأديان و الأساطير القديمة التي ينضح بها الموروث البشري، و تمتليء بها جدران المعابد و شواهد الأضرحة و القبور التي يكتشفها علماء الآثار كل يوم، و تملأ صفحات الكتب المقدسة و الأناشيد الدينية التي تتلى في المعابد و الكنائس و المساجد. إن الدين و مفهوم الإيمان بالآلهة و ما يرافق ذلك من طقوس و عادات تغير أسلوب الحياة و تفاصيلها بشكل جذري، ليس سوى سعي دؤوب نحو فهم أفضل و أدق للعالم و الطبيعة و الكون من حولنا و تبعا لتطور أو جمود و تكلس المجتمعات البشرية من حولنا، قد نجد هذا السعي يتقلص داخل مجال أصغر أمام سلطة العقل الذي باتت لديه قدراته أعمق و أكثر قدرة على فهم و إستيعاب الطبيعة و قوانينها،  و متى عجز العقل البشري عن فهم الميكانيزمات و القوانين التي تتحكم في محيطه المباشر، أصبح الطريق معبدا نحو التفسيرات الغيبية و الميتافيزيقية التي توفر شيئا من الراحة النفسية على الأقل.

من المراجع

آساطير وآلهة :مهدي بوعبيد
05/01/2016


Viewing all articles
Browse latest Browse all 1470

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>