سمى بإسم شيكاغو قديماً لكثرة البارات وكثرة الجرائم وكل ماهو ماجن..
كان يملك شارع شيكاغو كل من رينيه وربيرت صباغ وتغيرت تسميته في أوائل السبعينات من القرن الماضي..
أما اليوم فقد أصبح عاصمة للمصورين من جميع أنحاء سورية في وسط دمشق يقع “شارع شيكاغو”، وهو عبارة عن زقاق متفرع عن شارع “بور سعيد”، في منتصف المسافة تقريباً بين مقهى “الهافانا” وتقاطع جسر فيكتوريا؟
ورغم أن طوله لا يتجاوز المئة وخمسين متراً، وعرضه ليس أكثر من خمسة عشر متراً، لكن على عتباته كان ينتهي زمان ويبدأ آخر، وكأنه جزيرة مستقلة، مدخلها أشبه بالبوابة التي تدخل منها “أليس” إلى “بلاد العجائب”.
في ستينيات القرن المنصرم، كان ذاك الشارع ملتقى لمحبّي الكيف، الباحثين عن المغامرة وإثبات الوجود يستلهمون من مدينة شيكاغو سيناريوهاتها في العشق والخروج على القانون وفق منطق الهامش، بعيداً عن المتن الدمشقي الذي تميَّز حينذاك بتعددية الانتماءات الفكرية، السياسية، الدينية والاجتماعية.
هناك، يتوحَّد الجميع أمام فتنة الجمال و”رَوْحَنَة” أجساد الساقيات الجميلات، و”الأرتيستات” الهيفاوات، ويصبح للمَرْجَلة طعم آخر بين النهود العارمة، السيقان المشدودة والأرداف المهتزة، وفي المسافة بين أوهام الرجال وتهيؤاتهم ورغباتهم المتأججة بفعل الكحول الرخيص، تتصاعد الصراعات، يتفعَّل التشويق وتتشابك الحبكات، من أجل دراما خاصة لا تشبهها أخرى في أي مكان آخر ضمن دمشق.
سبيرتو أزرق أو “كونياك فليت”هنا تستعيد ما قرأته (بديع صنيج في رصيف 22) منذ ما يزيد عن الخمسة عشر عاماً، في رواية “الراقصة” للعراقي شاكر الأنباري، الذي بناها على عدة مداميك، منها شارع شيكاغو، وتتذكر بعض ملامحه الاجتماعية، حيث جاء في الرواية أن رواد حانة “الوردة الزرقاء” كانوا “يشربون السبيرتو الأزرق الذي يستخدم لإشعال بوابير الكاز، ويدعى تحبباً كونياك فليت”، وأنهم “ضحايا المدينة وضحايا العبث الذي يمارسونه للخلاص من حياتهم التي يكرهونها”، وبأنهم “يتفلسفون كالعادة، يشرحون سياسة أمريكا في المنطقة، ويتناولون بالتفصيل قصيدة النثر وروادها، ثم يدخلون في متاهة العوالم السفلية لمدينة دمشق”، وكأن “الأنباري” كان يسعى لرسم ملامح مختلفة للمدينة.
كما تسترجع ذاكرتك شخصية الراقصة ماغي التي “تُلَعِّبُ الرجال على أصابعها، ترقّصهم، تفتعل بينهم المعارك، تقودهم إلى المذبحة، فالجمال يقود الى الموت، والدم يسفح على ساقي ماغي وجيدها وعينيها النجلاوين”، وتستذكر قصتها مع الإقطاعي “نسيم بك” الذي أخضعه جمالُها، وأذله، بعدما جعله يلبي وعده لها بأن يشرب العرق من حذائها أمام الجميع، فشعرت أنها بذلك انتقمت من الطبقة الحقيرة التي استلمت زمام السلطة لعشر سنوات، بينما هو في تيه سطوتها يتنعَّم بأغنية محمد عبد الوهاب “الهوان وياك معزّة”.
اسمان مصريان
يتوسّط شارع بورسعيد أو كما سمّي (شارع شيكاغو) العاصمة دمشق، بالقرب من مبنى المحافظة، هو الشارع الذي تغيّرت تسميته من شارع فؤاد الأول، إلى شارع بورسعيد، وحمل بالتالي اسمين مصريين الأول كشكر للملك المصري فؤاد الذي آوى السوريين من بطش الفرنسيين في ثلاثينيات القرن الفائت، ثم الاسم الثاني بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
شارع الملاهي
في ستينيات وسبعينيات القرن الفائت سمّي شارع بورسعيد بـ”شارع شيكاغو” عندما كثرت الملاهي الليلية واختلف شكل الحياة في دمشق كما يقول توفيق سلّوم، لـ”روزنة”، وهو أستاذ مدرسة سابق عايشت عائلته تلك الفترة.ويتابع سلوم “الكثير من الملاهي والبارات تحوّلت الآن إلى مقاهٍ أو محال، لكن سابقاً كانت تشكّل مركزاً لتجمّع الشباب والفتيات، وأيضاً كانت أشبه بمركز اجتماعي وثقافي، لكن أيضاً كانت مكاناً تكثر فيه المشاكل والخلافات وتحديداً بعد سُكر الموجودين“.
ويضيف سلوم “في بداية الثمانينات من القرن الفائت تحوّلت الحانات والبارات والملاهي الليلية إلى محال ومطاعم، سمعنا أن وزارة الأوقاف كانت قد استلمت الشارع حينها، وقلّ الشباب في المنطقة إلا بعضهم بات يرتاد المقاهي القريبة، ليناقش الأمور السياسية أو يقرأ ويطالع الصحف“.
الراقصات هن السبب
كانت تعتمد حانات وملاهي شارع شيكاغو على سيدات لتقديم المشروبات وطلبات الروّاد إضافة إلى الرقص، حيث يقول أبو عمار لـ”روزنة”، وهو تاجر خردوات كان يقطن في تلك المنطقة سابقاً “كان يُضرب المثل في جمال الفتيات اللواتي يقدّمن المشروبات أو الراقصات منهن، وكن السبب الرئيسي في تلك المعارك التي كانت تدور في شارع شيكاغو“.
ويردف أبو عمار “لم نكن نقترب من ذلك المكان، لكنّ كان صيته يملأ دمشق كلها، ومشاكله يعرف القاصي والداني عنها“.
لم يعد الشارع بعدها يحمل اسم (شارع شيكاغو)، وحافظ على اسمه السابق شارع بورسعيد، الذي يضم النادي العربي وذكرى أول مؤتمر سوري عام بتاريخ حزيران 1919 للاستقلال عن الدولة العثمانية وإعلان المملكة السورية العربية.