في23 كانون الثاني 2022 قدّم الدكتور إسكندر كفوري عضو الجمعة الثقافية الرومية على نور سات سيرة حياة “الماما الموسكوبية” التي تالَّق نجمُها في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين في بيروت. هي ماريا الكسندروفنا تشيركاسوفا، وقدمت الكثير من اجل الجمعية الفلسطينية وتخريج اجيال من سيدات كرسينا الانطاكي المقدس وحازت العضوية الفخري في هذه الجمعية الإمبراطورية الارثوذكسية الفلسطينية. مع تقديم الشكر الواجب على هذه السلسلة (حلقات من نور) ليدرك ابناء كرسينا الانطاكي المقدس ما كانت روسيا الارثوذكسية قد قدمته لأجل كرسينا الانطاكي المقدس والكرسي الاورشليمي للصمود في وجه الاستلاب العاتي من قبل الرهبنات البابوية.
ويحلو لنا هنا العودة الى ماكنا قد كتبناه عن هذه الجمعية الرائدة في موقعنا وهو التالي
المدارسُ الموسكوبية هي المدارسُ التي اطلقَتها الجمعيةُ الإمبراطورية الارثوذكسية الفلسطينية، في أواخر القرن التاسع عشر بمرسومٍ من القيصر الروسي الكسندر الثالث لتعليم الأطفالِ والفتية في بلادِ المشرق ونشرِ المعرفة بين افراد ابناء الكرسيين الانطاكي (قبل تنفيذ اتفاقية سايكس بيكو على اراضي الدولة العثمانية المنهزمة(سورية ومن ضمنها جبل لبنان وفلسطين الذين لم يكنْ بوسعِهم ارتيادُ مدارس الارساليات الغربية. اما في لبنان، فقد جرى افتتاحُ اول مدرسة مسكوبية في بيروت في 22 أيلول العام 1887، باشراف القنصل الروسي العام قسطنطين بيتكوفيتش.
بلغَ عددُ هذه المدارس على أراضي (لبنان) وسورية وفلسطين 114 مدرسة، منها 48 مدرسة في بيروت وجبل لبنان وحدِه،(عام 1920 عندما اعلن الفرنسيون دولة لبنان الكبير) تخرَّج منها اكثرُ من 15 الفاً من مواطني هذه الدول الثلاث. انتشرَت هذه المدارس على كامل الجغرافيا اللبنانية والسورية والفلسطينية، فكانت تتركزُ بشكلٍ أساسي في المدن والقرى التي يغلبُ عليها تواجدُ الرعية الانطاكية الرومية الارثوذكسية، ابتداءً من بيروت الى مرجعيون في اقصى الجنوب وراشيا الفخار وحتى طرابلس في الشمال والكورة وعكار، وصولاً الى مدينة زحله في البقاع ومشغره وراشيا الوادي، وبالطبع مروراً بالجبل من سوق الغرب والشويفات والحدث الى بسكنتا وبتغرين.
كانت الجمعيةُ الإمبراطورية الارثوذكسية الفلسطينية الراعيَ الرسمي للمدارس الموسكوبية والتي اشرفَت عليها بشكلٍ مباشر، إضافة الى الكنيستَين الارثوذكسية الروسية والارثوذكسية الانطاكية. كان اولَّ رئيسٍ للجمعية الدوقُ الأكبر سيرغي الكسندروفيتش عمّ القيصر نقولا الثاني. اما رؤساؤها الفخريون فكانوا كثراً، وهم دائماً من القياصرة ومن أعضاء السلالة الحاكمة، فيما تمويلُها المباشر كان من خزينةِ القيصر ومن تبرعاتِ المؤمنين في الكنائس الارثوذكسية الروسية. كان يشرفُ عليها اختصاصيون وأساتذة من روسيا ومن لبنان وفلسطين وسورية، اما تلامذتُها فكانوا بغالبيتِهم من أبناء الفقراء في كنيستنا الانطاكية الروميّة الارثوذكسية، لكنها كانت تضمُّ أيضاً أطفالاً من مذاهب أخرى مسيحية وإسلامية، وكان التعليمُ فيها مجانياً كما في جبل الشيخ وجبل الدروز.
بتوجيهٍ من الدوق الأكبر سيرغي الكسندروفيتش، اتبَعَت هذه المدارس في نهجِها هدفاً إنسانياً واخلاقياً، فقد اخذَت على عاتقِها تعليمَ الأطفال من دون ان تعرفَ التمييزَ او التفرقة. وقام المرشدون والمدرسون المشرقيون والروس بعملٍ كبيرٍ لتطوير البرامج والمناهج لتتلاءمَ مع متطلِّبات أبناء المنطقة. وتحلَّت هذه المدارس بالانضباطِ التام والتقيُّدِ بقواعد الاخلاق العامة والاحترام، ولم يكنْ يُسمحُ للتلامذة الا بالسير مرفوعي الرؤوس وبشكلٍ مستقيم، كما كان الالتزامُ بالنظافة والترتيب امراً اساسياً. واستُعملت مناهجُ جديدة تجريبية في تلقين التلامذة. اما موادُ التدريس فكانت باللغة العربية، على خلافِ الارساليات الأجنبية التي تجاهلت كلياً لغةَ السكان المحليين أي اللغة العربية، كما كانت هناك حصصٌ باللغة الروسية ودروسٌ بالرياضيات والعلوم والتاريخ والجغرافيا والرسم والموسيقى وغيرها.
لقد اعطى السكانُ المحليون الأفضليةَ للمدارس الروسية، لان اساتذتَها تمتَّعوا بكفاءةٍ عالية مشهودةٍ وبرامجَها شهدَت تطوراً خلاقاً ومستمراً، كما ان التعليمَ فيها كان مجانياً بالكامل، في حين انَّ التعليمَّ في الارساليات الأجنبية الغربية شكّل عبئاً على الأهالي من حيث التكاليف المالية. ومُنِع منعاً باتاً في المدارس المسكوبية استيفاءُ اية رسوم، سواء أكان التلامذةُ من الفقراء او الأغنياء. وطوالَ فترة التعليم، تلقى تلامذةُ المدارس الموسكوبية الأقلامَ والكتبَ والدفاترَ وكل حاجياتِهم وحتى الزيّ المدرسي مجاناً. ولذلك، فان ارتباطَ السكانِ المحليين بهذه المدارس كان وثيقاً، وارتكزَ على المحبة والتعاون الوثيق المستمر.
حقَّقت المدارسُ الموسكوبية نجاحاتٍ باهرة في منطقتنا، واكبرُ دليل التوسعُّ المتزايدُ باعدادِها وانتشارُها، الى حدّ ان وصلَ بمرشديها الى التفكير في افتتاح جامعةٍ روسيةٍ في بيروت في صيف العام 1913. لقد تركَت هذه المدارس تأثيراً مباشراً في تثقيفِ وتعليم عددٍ كبير لا يُستهانُ به من ابناءِ البلادِ على عتبة القرن العشرين، تجاوزَ الخمسة عشر الفَ خريجٍ، وهو رقمٌ كبيرٌ نسبياً، ويُعتدُّ به بالنسبة لعددِ السكان حينها، وارسلت العديدَ من خرّيجيها الى متابعة دراستِهم العالية في روسيا، كما شكلت تلك المدارس منارةَ علمٍ ووعي، واحدثت نقلةً نوعية في المعرفةِ ونشاطِ وتعليم تلك الأجيال.
وجَّهت هذه المدارس نشاطاتِها بشكل أساسي الى مجتمعاتنا الانطاكية الرومية الارثوذكسية في البلاد المشرقية الثلاثة الآنفة الذكر، مع عدم تمييزها بين الطلاب، فاستقبَلت اعداداً كبيرة أيضا من التلامذة المسلمين والدروز، وكانت قدوةً في تثقيف الأجيال الطالعة على المحبة وعدم التفريق والتعاون المثمر.
وفَّرَت المدارسُ الموسكوبية العديدَ من المزايا لتلامذتها، فلم تفرضْ ايةَ رسوم على التلامذة، كما كانت تفعلُ الارسالياتُ الغربية، ومن مزاياها إعطاءُ الدروس باللغة العربية، وجرى تعريبُ المناهج وبرامجِ التعليم، وهذه ميزة لم تكنْ تتوفرُ في مدارس الارساليات الأخرى، كما وفَّرت المساعدةَ الشاملةَ للتلامذة على التعلُّم فضلاً عن تزويدهم بالعنايةِ الطبية مجاناً.
توقَّفَت هذه المدارسُ عن العمل بُعَيد اندلاع الثورة البولشفية في روسيا العام 1917، وأيضا بسببِ اندلاع الحرب العالمية الأولى وشنِّ السلطات العثمانية المحتلة حرباً شعواءَ على هذه المدارس لاغلاقِها، خاصةً وانَّ روسيا وتركيا كانتا على طرفَي نقيض في الاحلاف المتنازعة في الحرب العالمية الاولى.
وأفادت هذه الحلقة في برنامج تراث من نور في النقاط الثلاثة التالية:
1. شكَّلَت المدارسُ الموسكوبية أهمية كبرى في التطور التعليمي والتنشئة العلمية في لبنان وسوريا وفلسطين، وساهمَت مساهمة كبيرة في تعليم وتثقيفِ أجيالِ نهاية القرن التاسع عشر وبدايةِ العشرين في بلادنا، كما قدَّمت نموذجاً يُحتذى به في الاخلاق والتسامح والمعرفة والتضحية والمساعدة، تركَ اثرَه طويلاً على مجتمعنا.
2. كانت المدارسُ الموسكوبية منبراً للتواصل والتعاون بين لبنان وسوريا وفلسطين من جهة وروسيا من جهة أخرى، وعزَّزت عُرى العلاقاتِ الصادقة بين منطقتِنا وروسيا وبين شعوب هذه المنطقة والشعب الروسي الذي كان يجمع “فلسَ الارملة” من كنائسِه ليرسلّه الى بلادنا من اجل مساعدة أبنائنا على التعلُّم والترقّي والتطوُّر.
3. وبالرغم من اغلاق صفحاتِ هذه المدارس، فاننا اليوم، بحديثِنا عنها، نؤكدُ على أهميةِ ما قدَّمته لبلادنا في حقبة مصيرية، كما ونتطلع الى مواصلةِ هذا التعاون المثمر وهذه المحبةِ الطيِّبة بين شعوبنا، في وقتٍ اصبحنا فيه احوجَ ما نكون الى مثل ه
ولدت في مقاطعة نوفغورود، من عائلة ارستقراطية مقربة من العائلة الحاكمة في روسيا. منذ نعومة اظافرها، شعرت ماريا برغبةٍ في تقديم نفسها للعمل التطوعي التعليمي، فافتتحت مدرسة في بلدتها الام في بارافيتش لتعليم أطفال الفلاحين، وعملت فيها وفق النظام والقيم المسيحية الأرثوذكسية الملتزمة والصارمة لعدة سنوات من دون مقابل. سافرت الى اليابان، وعملت مساعدة للاسقف نيكولاي على تعليم الأطفال اليابانيين. غادرت اليابان عائدة الى الوطن، وفي طريق عودتها بحراً، قررت ماريا زيارة الأراضي المقدسة للصلاة. وخلال وجودها في أورشليم، تعرفت الى الأرشمندريت انطوني كابوستين، فعرضت عليه خدماتها في عالم التعليم من اجل افتتاح مدرسة نسائية في بيت جالا، الا ان الظروف قادتها الى لبنان، وبدأت العمل في تعليم اللغة الروسية في المدارس الارثوذكسية المحلية.
منذ العام 1885، بدأت تشيركاسوفا بتعليم الأطفال اللبنانيين في المدارس الارثوذكسية في بيروت. بعد فترةٍ، افتتحت “الماما المسكوبية” مدرسة روسية (موسكوبية) باشرافِ مفتش الجمعية الإمبراطورية الارثوذكسية الفلسطينية بيتكوفيتش، وكان ذلك في 22 أيلول من العام 1887. كرَّس المثلث الرحمات مطران بيروت غفرائيل (شاتيلا) المدرسة الجديدة في منطقة المصيطبه بين فقراء الروم الأرثوذكس، بعد ان استأجرت البيت بـ4500 قرش، وكانت المدرسة الروسية الأولى في لبنان.
الام ماريا المسكوفية تجاهد في بيروت
ومنذ ذلك الحين، ولاكثر من 30 عاماً متواصلة، عملت ماريا الكسندروفنا في لبنان من دون كللٍ او مللٍ في خدمة الكنيستَين الانطاكية والروسية وفي تعليم الأطفال اللبنانيين لمجد الله، كما تقول، من دون الاخذ بالاعتبار الصعاب والمعوقات وتقدمها بالعمر.
افتتحت تشيركاسوفا عدة مدارس موسكوبية في بيروت، وكانت أولى هذه المدارس في حي مار الياس في بيروت العام 1887، وبلغ عددُ تلامذتها 120 تلميذا وعددُ اساتذتها 20. في العام 1890، افتتحت المدرسة المسكوبية الثانية، مدرسة رئيس الملائكة ميخائيل، في حي المزرعة، وفيها 110 تلاميذ، مع العلم انه، وفي تلك السنة، بلغ عددُ تلامذة المدرسة الأولى 280 تلميذاً، وكان يساعدُ تشيركاسوفا في هذه المدرسة الاب غيورغي. في العام 1891، افتتحت المدرسة الثالثة، مدرسة القديس نيقولاوس في حي الرميل الفاخر في الاشرفية، وهي بدأت بـ 300 تلميذ، ووصل عددُهم أحيانا الى 400 تلميذ مع 10 أساتذة، وبعدها افتتحت المدرسة الموسكوبية الرابعة في كنيسة السيدة في راس بيروت مع 60 تلميذا. وفي العام 1897، وبطلب من المطران غفرائيل (شاتيلا)، افتتحت مدرسة مار جرجس في حي الرميله مع 150 تلميذاً، وكان من بين التلامذة هناك 20 تلميذا مارونياً.
كلُّ هذه المدارس، باستثناء مدرسة السيدة في راس بيروت، كانت مبانيها مستأجرة، وكان أصحابُها يطلبون اجوراً مرتفعة، في حين انهم لا يقومون بما يلزم من اعمال الترميم. ولذلك، قامَت تشيركاسوفا بشراء قطعة ارض واسعةٍ في رعية مار الياس، واقامت حديقة كبيرة، وبنت عليها بناءً من طبقتين، الطبقة الاولى الأول للصفوف والتعليم، والأعلى للاستقبال وللاقامة لها ولمساعدتَيها الدائمتين عفيفة واسما عبدو. وقد ترك البناءُ انطباعاتٍ طيبة لدى السكان المحليين. وقد استجابت “الماما المسكوبية” لطلب السكان المحليين، واستقبلت فيها الأطفالَ من الجنسَين، وقسَّمتها الى قسمين للذكور وللاناث، ولكنها اكتشفت بعد حين انه من الأفضل فصلُ الذكور عن الاناث، ولذلك اشترَت ارضاً ملاصقة، وبنَت عليها مبنى للذكور حيث انتهى العملُ على تجهيزه في 1 اذار العام 1907، وعمل في هذه المدرسة عدد كبير من معلماتها من بينهم اسما عبدو ولويزا بحمدوني.
لم تكنْ تشيركاسوفا تتقنُ اللغة العربية، لكن طموحَها ومحبتَها للبنان ولشعبه وللأطفال الذين استقبلتهم في مدارسها، جعلاها تستعينُ بالمدعوة عفيفة عبدو التي عملت بداية كاستاذةٍ وسيطةٍ بينها وبين الأطفال، وكانتا تستعملان اللغة الفرنسية للتخاطب، ولكنَّ السيدتَين قرّرتا ان تتعلمَ كل منهما لغة الأخرى، وهكذا بدأت تشيركاسوفا بدراسةِ اللغة العربية تحت اشراف عفيفة عبدو، وتابعت عبدو مع تشيركاسوفا دراسة اللغة الروسية. وكانت النتيجةُ باهرةً فعلاً، فاصبحت تشيركاسوفا تستطيعُ التعبير والقراءة باللغة العربية ، فيما راحت عبدو تعبِّر بحريةٍ باللغة الروسية. ساعدَت معرفةُ “الماما” بلغةِ السكان المحليين على التخاطب معهم وفهم وكنهِ طبيعة التلامذة وذويهم بصورةٍ افضل. هذا الامر زادَ التقارب بينها وبين اللبنانيين، وجعلَ التواصلَ بين إدارة المدارس الموسكوبية في بيروت والتلامذة يتحسن بصورة مضطردة.
لقد فاقَ نجاحُ المدرسة الموسكوبية الأولى كلَّ التوقعات، وهذا ما ترك اثاراً واضحة على علاقة سكان بيروت بمؤسِّستها ماريا تشيركاسوفا، خاصة وانها تعاملت بالكثير من الحب والورع والأخلاق مع تلامذتِها، حتى باتت تُعرفُ في كلِّ احياء بيروت بـ الماما الموسكوبية” تحبباً واعترافاً بدورها وعلاقةِ الامومة التي كانت تربطُها بتلامذتها واساتذتها، فاحبَّها الجميعُ وقدَّروها، وكانت دائمةَ التقرب من التلامذة، فتتفهَّم همومَهم وتحاول حلَّ مشاكلهم، تقفُ عند حاجاتهم وعند مطالبِ اهاليهم، وتسعى باستمرارٍ لتطوير عملِ مدارسها لصالح تطوير التعليم ورفع شأنِ تلامذتها العلمي والأخلاقي، كما والتفتيشِ المتواصل عن سبلِ راحتِهم.
لقد ارتبطُ الأطفالُ بماريا تشيركاسوفا بعلاقةِ مودةٍ وحبٍ كبيرَين، وقد بادلتهم ماريا الحبَّ باكثر منه. لقد تركت تشيركاسوفا اثراً لا يُمحى وبصماتٍ تصعب ازالتُها. فقد علَّمت مدارسُها آلافَ التلامذة وانشأت جيلا من المتعلمين والمثقفين. لقد ساعدَ حبُّها للأطفال على تعميق الروابط بين الاُسَر اللبنانية وروسيا، كما ترسَّخت كلمة الموسكوبية في اذهانِ وقلوب اللبنانيين. لقد شكلت تشيركاسوفا مثالاً يُحتذى بالاخلاق والقيم والتعبُّدِ وكرمزٍ للتواضع والايمان بالله، للكثيرِ من تلامذتها وأساتذة مدارسها. تشيركاسوفا هي الوحيدة من المسؤولين عن الجمعية والمدارس الموسكوبية في بيروت التي بقيت في لبنان بعد اندلاع الحربِ العالمية الأولى، فلاحقَها الاتراكُ العثمانيون، وتعرَّضت لمضايقاتٍ عديدة من جانب المحتل العثماني، لكنَّها لم تتركْ لبنان وتلامذتها حتى انها طيلةَ هذه السنين لم تغادرْ الى وطنِها الام الاّ مرةً واحدة، وبعد 10 سنوات على وصولها الى لبنان، وسرعانَ ما عادت من اجازتها لتواصلَ عملها، الى ان وافتْها المنيةُ في العام 1918.
وكخلاصةٍ للحلقة، إستنتجَ الدكتور كفوري بأنَّ قصةَ “الماما الموسكوبية” تشكلُ نموذجا كبيراً عن التضحية والبذل والعطاء باسم الإنسانية والعلم والمحبة. لقد تركَت بلادَها وغادرَت، بعيداً عن تراب الوطن وحضنِه الدافىء، الى بلادٍ تجهلها ولا يجمعُها معها الا العقيدة الايمانية، فاخلصَت لعملِها، وتفانَت في خدمة الأجيال الصاعدة في بلدِ الغربة لبنان لا لشيٍ الاّ حباً واخلاصاً لعقيدتِها وللانسانية جمعاء.
لقد كرَّست تشيركاسوفا حياتَها لخدمةِ وتعليم وتنشئة أطفال بيروت ولبنان، واعطت الغالي والنفيس في سبيل هذه المهمة النبيلة. لم تنسَ بيروتُ تضحياتِ ومحبةَ وإخلاصَ “الماما الموسكوبية”، فقد اُطلقَ على احد الشوارع الملاصقة لمدرسة مار الياس التي اسَّستها، اسم “الماما” تكريماً لها واعترافاً بجهودها. كما وتحوَّلت المدرسة التي اقامتْها الى مبنىً للسفارة الروسية في لبنان حالياً.
المصدر
برنامج تراث من نور
الجمعية الثقافية الرومية
بتصرف من موقعنا…